بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل..غضبة الشعوب تصرخ وتحرق الدمي والأعلام..
يوسف سيدهم
٣١:
٠٦
م +02:00 EET
الأحد ١٧ ديسمبر ٢٠١٧
بقلم يوسف سيدهم
لكن ماذا ستفعل الحكومات الرشيدة؟!!
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (665)
تطايرت عبارات الغضب والاحتجاج علي أثر إعلان الرئيس الأمريكي ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل وتفعيل قرار الكونجرس بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلي القدس -هذا القرار الذي يعود إلي 23 أكتوبر 1995 والذي تجنبه ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين علي ترامب لمدة 22 عاما- فتصدرت الصحف عناوين مثل: ترامب يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق.. ومثل: قرن من الزمان بين وعد بلفور ووعد ترامب.. ومثل: صفعة القرن علي وجه المدينة المقدسة.. وكلها عبارات تترجم مشاعر الصدمة والغضب والاحتجاج والرفض, لكن هل يكفي ذلك لتغيير الواقع الجديد الذي أحدثه قرار الرئيس الأمريكي؟
فور إعلان ترامب قراره انطلقت موجات الغضب في مصر والدول العربية والدول الإسلامية حول العالم وسارت المظاهرات تندد بالقرار وتصرخ واصفة إياه بالخيانة وباغتيال جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين, ثم إمعانا في الغضب تحرق دمي علي شكل ترامب كما تحرق الأعلام الأمريكية والإسرائيلية… لكن هل يكفي ذلك لتغيير الواقع الجديد؟
يجب أن نقف ونتأمل واقعنا نحن بشجاعة إذا كنا نريد أن نكون فاعلين بدلا من أن نستمر مفعولا بنا… فمشاعر الجماهير مفهومة ومبررة لأنها عاجزة لا تملك سوي زئير الغضب, أما الحكومات والأنظمة الحاكمة فلا يجب أن تكتفي بعبارات الشجب والرفض وتستمرئ تصدير مظاهرات شعوبها دون أن تتخذ من المواقف السياسية والقرارات التي تشعر أمريكا أو رئيسها بالخطأ الفادح الذي ارتكبته, وذلك لا تشعر به أمريكا أو رئيسها بصخب المظاهرات أو التنديد أو حرق الدمي والأعلام… يجب أن نعي أن أمريكا تحركها مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي وأن ما دعا ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين علي ترامب -هم كلينتون وبوش وأوباما- لعدم تفعيل قرار الكونجرس بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس طيلة 22 عاما هو ذهابهم إلي الكونجرس وشهاداتهم بأن تأجيل تفعيل القرار ضرورة لحماية الأمن القومي والمصالح الأمريكية وتجنبا للتصعيد المحتمل لأزمة الشرق الأوسط, وأنهم يفضلون استقرار عملية السلام قبل تفجير الأزمة وتعقيدها بنقل السفارة.
هذا ما دأب الرؤساء الأمريكيون علي فعله عبر 22 عاما, فما الذي تغير؟… يجب أن نعترف أن الثقل السياسي للدول العربية -والإسلامية- طوال هذه المدة أخذ في التآكل والتدهور علاوة علي قرب أفول نجم الدول البترولية منها بالإضافة إلي تشرذمها وتقاعسها وفشلها في تكوين أي اتحاد إقليمي فيما بينها يخلق منها كتلة سياسية أو اقتصادية تفرض نفسها علي موازين العالم ويعمل لها ألف حساب… هذا علاوة علي الفلسطينيين أنفسهم الذين هانت عليهم قضيتهم فانقسموا وانغمسوا في خلافاتهم وصراعاتهم وباتت القضية الفلسطينية وحلها حلم الشعب المقهور في المخيمات بينما القادة مستغرقين في الصراعات والتحالفات المشبوهة لجلب الأسلحة والأموال وتأجيج الخلافات والعبث بجهود المصالحة حتي أعطوا إسرائيل الذريعة التي تتذرع بها في المحافل الدولية بأنها لا تستطيع حل القضية الفلسطينية علي مائدة المفاوضات لأنها لا تعرف مع من تجلس: مع السلطة الفلسطينية في رام الله أم مع منظمة حماس في غزة!!!… هكذا هانت القضية الفلسطينية علي أهلها قبل أن تهون علي أمريكا التي طالما تشدقت برعاية عملية السلام. وعبثا حاولت مصر إدراك المصالحة الفلسطينية دون جدوي, ولعل ذلك السيناريو نفسه يجري حاليا برعاية مصر أيضا ولم يكتب له النجاح بعد بسبب تكرار التسويف والمماطلة والتأجيل!!!
ما العمل إذا؟… هل سنبتلع قرار ترامب ونتجرع مرارته ونلعن واقعنا وعجزنا ونكتفي بحرق الدمي والأعلام؟!!… حتما ذلك سيكون مصيرنا إذا لم نستيقظ ونعيد حساباتنا ونتلاقي وننبذ المصالح الشخصية والخلافات… يجب أن نجلس نحن أولا علي مائدة مفاوضات نخرج منها متحدين ومتكاتفين ومرتبطين بتكتل سياسي واقتصادي يفرض نفسه علي العالم طبقا للموازين التي يعترف بها… يجب أن تبعث جامعة الدول العربية من سباتها- ولا أقول مواتها- وتتخذ من القرارات السياسية والاقتصادية ما يشعر أمريكا ورئيسها ترامب بأن قراره هذا له تكلفة باهظة علي مصالح أمريكا… تكلفة تضر بالأمن القومي الأمريكي… ليس قبل إدراك ذلك وقبل إدراك المصالحة الفلسطينية يمكن أن نجعل العالم يستمع إلينا ويأخذنا مأخذ الجد ويعمل لنا ألف حساب.
أنا أكتب ذلك بينما تعتريني مشاعر الإحباط والعجز… أتعرفون لماذا؟!!… لأني عدت إلي ما كتبت في هذا المكان منذ أكثر من سبعة أشهر في 2017/4/9 تحت عنوان: قمة عمان… التجمل… والتشدق… والعجز!! مستعرضا ومحللا ما تفتقت عنه تلك القمة من قرارات وما سادها من المواربة والالتفاف حول مواجهة القضايا والتحديات التي تواجه الدول العربية, ففيما يخص القضية الفلسطينية تكرر التشدق بعبارات الشجب والرفض إزاء ما تقوم به إسرائيل من تغيير الوضع القانوني والتاريخي للقدس, وتكرر مطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلي القدس… لكن القمة لم تقرر ماذا سيحدث من جانب دولها إذا استمرت إسرائيل في تجاوزاتها, أو إذا أقدمت دول العالم علي نقل سفاراتها إلي القدس, ولم يجرؤ أحد علي تذكير العرب بقرار مجلس جامعة الدول العربية السابق صدوره عام 1991 بقطع العلاقات مع أي دولة تنقل سفارتها إلي القدس وهو القرار الذي تم تنفيذه مع السلفادور (!!)… لكن لم يجرؤ أحد علي التساؤل: وماذا عن أمريكا؟… هكذا هانت القضية علي أصحابها وبالتالي لا نتعجب أنها تهون علي أمريكا… وها هي أمريكا تفعلها… فهل تسحب الدول العربية سفراءها؟… هل تقطع علاقاتها مع أمريكا؟… أم تكتفي بحرق الدمي والأعلام الأمريكية والإسرائيلية؟!!
الكلمات المتعلقة