حوار مع الكاتب المصرى محمود حافظ
سامح سليمان
الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠١٧
قام باجراء الحوار و إعداد الأسئلة سامح سليمان
نرحب بك أستاذ محمود و نرجو تعريف القارئ بشخصكم الكريم
مرحبًا بحضرتك، محمود حافظ، مواليد القاهرة 1991، خريج هندسة عين شمس قسم قوى وآلات كهربية، أعمل في المجال الهندسي حاليًا، ونشرتُ روايتي الأولى "بنت نبي" مطلع عام 2017 مع دار تويا، كما أكتب كمدون freelancerفي أكثر من منصة صحفية.
س : ما رأيك في الحالة الثقافية لمصر فى الفترة الحالية : إعلام _ سينما _ الأدب بأنواعه ؟
كرأي شخصي طبعًا بحكم عمري ونظرتي الحالية، أشهد صحوة ملحوظة في الوسط الثقافي ككل، قوامها الشباب المفكر الساعي للتغيير والتعبير، خاصة في الإعلام والأدب، أما السينما فطريقها أصعب وأعقد ومقيد بالمادة وعقبات الإنتاج.
الإعلام السايبري أوله، فالصحافة على النت أتت أكلها فعلاً بمنصات ثقافية عظيمة المحتوى، لم يعد الإعلام مقصورًا على الجريدة الورقية وحسب، فنجد المحتوى الإلكتروني العربي يشهد ثورة فعلية في كل المباحث الفنية والتاريخية وغيرها، بأقلام تبحث ومصادر في الهوامش، أما إعلام التلفاز فلا التفت له بصراحة!، لأن الإنترنت طغى عليه هو الآخر!
ثورة الأدب ظاهرة بشدةٍ هي الأخرى، وملاحقة عناوين الأعمال المنشورة صعبة فعلاً إن لم تكن مستحيلة، دور النشر نفسها في زيادة، وهذا طبعًا لارتفاع نسبة القراءة مؤخرًا، وانكباب الشباب على الأدب مع كثرة الجوائز الأدبية، والعيب الوحيد هنا هو اختفاء الأعمال القوية وسط فيض الأعمال الأخرى بكل درجات جودتها، فصارت المهمة أصعب طبعًا على الكاتب الوافد.
السينما في مصر تقدم لنا تجارب جيدة وأحيانًا ممتازة بين الحين والآخر، شريف عرفة من الاسماء المهمة، مروان حامد من المجتهدين كذلك، ربما تزداد هذه النسبة وترتفع ثقافة الجمهور قليلاً لنتخلص من القذى البصري والفني المعروف في أفلامنا!
س : هل الثقافة العربية ( أدب _ فن _ فكر _ سلوك ) ثقافة عنصرية تراثية أم تقدميه حداثية، وهل توجد علاقة بين الموروث الديني والاجتماعي و الثقافي و بين ما تتعرض له المنطقة العربية من صراعات و أزمات ؟
بالنسبة للسؤال الأول، فثقافتنا الحالية كما أراها اغترفت من النوعين، التراث العربي الذي لا يجعلنا متهمين بالـ(عنصرية) لمحض تمسكنا به، فالملاحظ أن نقل التراث الشعبي والمكاني لأي بلد في عمل ثقافي يجعله عالميًا، كما نقل نجيب محفوظ ثقافة وتراث الحارة والفتوات للعالم كله، وتمامًا كروايات إبراهيم الكوني التي نقلت ثقافة الصحراء والطوارق للمحافل الأدبية في سويسرا.
وفي الوقت نفسه تمتزج ثقافتنا بالحداثة رغمًا عنا، لازدياد حركة الترجمة والفضاء السايبري الذي قلص المسافات بين العقل عبر شاشات الفيس بوك وسواها، الفكرة هنا أن نحتفظ بما ينفعنا من القديم والحديث كأي عاقل ونترك الزبد يذهب جفاء!
أما السؤال الثاني، فالعلاقة وثيقة حتمًا، بسبب جهلنا وعدم فهمنا أصلاً لماضينا وموروثاتنا!، الأزمات نابعة من انعدام الفكر بشأن الثقافة ككل، في شتى الأمور الحياتية، وربما تثمر ثورة الشباب التي تحاكينا بشأنها في السؤال السابق في جبر شيء من هذا الكسر المعرفي والثقافي.
س : هل توجد علاقة بين الأدب و العلوم الإنسانية و ماهى أهم السمات و المهارات الواجب توافرها لدى الكاتب ؟
ربما الأدب في النهاية ما هو إلا "علوم إنسانية بشكل محكي فني ممتع وعميق"، فكل رواية أو قصة أو قصيدة مرتبطة بعلم ما في النهاية، علم تراثي أو تاريخي أو إنساني، أو علم مجرد نفسي أو مادي، يخيل إلي أحيانًا أن كل كتاب علمي قد يغدو أدبًا بسهولة، كما يحكون عن (سلمى لاجرلوف) الكاتبة السويدية التي حولت كتاب الجغرافيا المدرسي الممل إلى قصة بديعة في أدب الرحلات اسمها (مغامرات نيلز العجيب) ونالت بها جائزة نوبل الأولى في الآداب.
الأدوات التي يحتاج إليها الكاتب؟!، ربما لا يزال الوقت مبكرًا لأجيب سؤالاً كهذا!، لكن على الأقل وحسب تجربتي القصيرة، الكاتب بحاجة إلى أن يقرأ ويقرأ ويقرأ!، ربما في كل أنواع الأدب، ليزيد حصيلته اللغوية ويلاحظ الأساليب المختلفة حتى يقتنص أسلوبه الخاص الذي يتعرفه القاريء به من محض فقرة أو جملة، أما أفكاره الخاصة التي سيبني عليها أعماله، فتستلزم العين الأريبة والذهن الحاضر، لا مفر طبعًا من حمل مفكرة أو شبيهها لتسجيل الأفكار الحاضرة في كل لحظة.
س : ما هى أهم الأعمال التي قد ساهمت فى تكوين رؤيتك الفكرية و الأدبية ؟
الواقع أنه مزيج عجيب من الأعمال العربية والغربية، يخلتلط فيه الأدب بأنواعه مع السينما مع الموسيقى، الفن وحدة واحدة في نظري، لكني أجنح للخيال الخلاق دومًا في قراءاتي، ولا انكر عشقي للحبكة الأدبية بالتوائاتها ومفاجآتها المدوية في الذهن.
في الأدب الواقعي أنا متيم برواية موبي ديك الخرافية للأمريكي هيرمان ميلفل، توم سوير لمارك توين، حديث الصباح والمساء التي أراها تلخص نجيب محفوظ في رواية صغيرة الحجم، رواية المستحيل لمصطفى محمود أراها دراسة نفسية رهيبة.
في الفانتازيا أعشق ملحمتي رولينج ومارتن -هاري بوتر وصراع العروش- اللتان تعدان الامتداد الطبيعي لمحبوبتي الأولى سيد الخواتم ومن قبل الجميع ألف ليلة وليلة أصل الخيال والتحليق عمومًا، مع كتابات الياباني موراكامي السوريالية العجيبة.
في الرعب أحببت عوالم ر.ل.شتاين ومن بعده لافكرافت وأحمد خالد توفيق، عشت الخيال العلمي مع مصطفى محمود والتاريخ الملغز مع دان براون.
في القصص المصورة أدين بالكثير لسلسلة فلاش وبطلها المواطن المطحون مع تان تان الصحفي البلجيكي المغامر طبعًا.
س : هل أنت مع أم ضد المعالجة الأدبية و الفكرية للتابوهات الثلاثة وهى الدين و الجنس و السياسة ؟
أنا معها كلاً وجزئًا في كل الاتجاهات والزوايا، الواقع أن روايتي الأولى هي أكبر دليل على هذا!، وفي الوقت عينه أرفض التصريح البحت المؤذي!، ليس تحيزًا لجماعة (الأدب النظيف المعقم المغسول بديتول)، لكن فقط لنتحرى الرقي في عرض الأفكار بمبدأ (ما استطعتم)، اضمن لي فقط أن الكتاب سيقع في يد مثقف حقيقي وعندها سأكتب كل ما يمكن دون قلق!، الفكرة هنا في الجمهور الشاسع والأدب أقوى من السلاح الحي على المدى الطويل.
س : هل تحققت لديك رؤية واضحة حول مشروعك الفكري ؟
الرؤية الحالية هي تقديم كل جديد مبتكر يستحق النشر في ذهني، بعيدًا عن التكرار والإملال، وقضيتي هي نبذ القبح العربي والعالمي الذي يحيطنا من كل جانب، لا ينبغي أن يكون مغزى العمل صريحًا كقصص الأطفال (وتعلم حسن أن يسمع كلام أمه)، لكن ليكن العمل مسليًا مبتكرًا راقيًا كلغة وأدب وفكرة.
س : هل أنت مع أم ضد مصطلح الأدب النسوى ؟ وما رأيك فى المنتج الصادر عن الأقلام النسائية فى الوطن العربى ؟
ربما أنا معه لو أدرجنا مصطلح (الأدب الذكوري) على سبيل التصنيف ليس إلا!
للأسف تواترت الأعمال التي تعبر عن تهميش المرأة وعارها الأنثوي وخزيها الطبقي وخلافه منذ سنوات طوال حتى اتسمت بهذا المصطلح، من حق كل أنثى أن تعبر عن نفسها بقلمها، وقد قرأت أعمالًا ممتازة في هذا الصدد، لكن بالله عليكن..لا تكتبن في هذا الأمر فقط!، اشملوا بعيونكن الأريبة هذه أمورًا أخرى وعبرن عنها.
كما فعلت الراحلة العظيمة رضوى عاشور وغادة السمان في التاريخ وتفعل الآن شيرين هنائي في الرعب النفسي، هذه أقلام نسائية تستحق المتابعة، فلم لا نجد لدينا أديبات عربيات في الأنواع الأخرى مثل (أجاثا كريستي) أو (ج.ك.رولينج)؟!
س : هل يجب وضع قيود او ضوابط أم انت مع الغاء ما يسمى بالخطوط الحمراء ؟
تقريبًا هي نفسها إجابة سؤالي بخصوص الثالوث المحرم، لا داعي للتصريح المؤذي لأن الكاتب يخاطب كل العقليات بكل درجاتها، لا يمكنك أن تدخل طفلاً أو مراهقًا لغرفة العمليات وتضمن ثباته الانفعالي والذهني!
س : فى رأيك ما أسباب المغالاة عند المتدينين و الملحدين ، و ما رأيك فى مثقفينا ؟
المشكلة في شقين: انعدام ثقافة الاختلاف وقبول رأي الغير، ببساطة هو (استحمار) الطرف الآخر وحسب!
مع الأزمات العربية التي تدفع البعض للمغالاة في الدين (تدين زائف في الأغلب)، أو عكس الدين تمامًا (الإلحاد موضة العصر)
الحل عندي في مقولة (جون لينون): لا تكره كل ما لا تفهم!
والمثقفين لا بأس بهم أبدًا ما داموا يتحرون الدقة في ثقافتهم وفي قبولهم للمثقفين الآخرين!
س : كيف يمكن إقامة جسر بين النخبة المثقفه و بسطاء الناس ؟
لا أجد وسيلة اكثر فعالية طبعًا من تبسيط الثقافة نفسها، وعرضها في وسائل الإعلام، وليس هناك أفضل من الآداة التي لا تفارق يد كل مواطن بسيط أو مثقف، وهي هاتفه الجوال!، لذا تظل الصحافة الألكترونية هي مبتدأ الثقافة ومنتهاها الحالي.
هل أنت مع أم ضد تحويل الأعمال الأدبية الى أعمال سينمائية و مسرحية ؟
معها بالطبع، الشاشة الفضية أو الصغيرة لها جمهورها الأكبر من جمهور الأدب بأضعاف مضاعفة، أسامة أنور عكاشة أكبر دليل حين هجر الأدب واتجه لدراما التليفزيون، أما المسرح الثقافي له جمهوره المحدود حاليًا للأسف.
هل أنت مع أم ضد الكتابة بالعامية ؟ ولماذا ؟
معها بعض الشيء ولا أنكر في حالات معينة، لأنني استمتع بالكثير عبرها، يكفيني رباعيات صلاح جاهين مثالاً، لقد حوت من الفلسفة القدر الذي راق لمفكرين من أمثال يحيى حقي نفسه.
كما أنها تعبر عن ثقافة معينة بدورها في حوار الروايات، فأنا ضد كتابة العمل كله بها قطعًا، لكن الحوار العامي يدعم الواقعية كما فعل السباعي وغيره.
أخيرًا فالعامية لها دور كبير في تبسيط العلوم، خاصة الصعبة منها كالطب النفسي والفيزياء وغيرهم.