بقلم: ليديا يؤانس

عبارة جميلة جدًا جذبت إنتباهي، أنها عبارة تشاور على مكان مُقدس،  وفي نفس الوقت تقول أنه يوجد هنا مار شربل، لقد سمعت وقرأت عن مار شربل من السوشيال ميديا. ولكنني هُنا كنت أريد الكتابة عن دير من الأديرة العالمية، فوجدت هذه العبارة تشير إلي دير مار مارون، وتعني أيضًا أن مار شربل مدفونًا بهذا الدير.  
 
بالتأكيد الدير له مكانته الروحية والتاريخية، ولكن بالتأكيد أيضًا الدير أخذ شهرة أكبر، بسبب وجود مار شربل به.
 
تعالوا نشوف حكاية هذا الدير الرائع، الذي ذاع صيته، وأخذ مكانته وشهرته الآن بسبب "هون مار شربل"!
 
مار شربل، قديس لبناني ولد في أعلى قرية من لبنان والتي تُعرف بقاع كفرا بشمال لبنان.
 
مار شربل ولد في 8 مارس 1828 وتنيح في 24 ديسمبر 1898  عن عمر يناهز ال70 عامًا.
مار شربل ولد بإسم يوسف، من أبوين عُرفا بتقواهما، أبوه أنطون مخلوف، وأمه بريجيتا، نشأ يوسف وترعرع منذ حداثته في هذا الجو الروحاني مما جعله يُفكر في الرهبنة لكي يُكرس حياته للعبادة والتقشُف، فترك منزل أسرته في عمر الثالثة والعشرين.
 
بدأ حياته الرهبانية في دير سيدة ميفوق، وبعد ثلاثة سنوات إنتقل إلي دير مار مارون عنايا، ثم أرسله روساؤه إلي دير كفيفان وقضى هناك 6 سنوات في دراسة اللآهوت والفلسفة، وتتلمذ على أيدي رهبان قديسين، منهم الأب نعمة الله الحرديني،  المعروف بإسم "قديس كفيفان".
 
رسمه المطران يوسف المريض كاهنُا في بكركي، في 23 تموز 1859.
 
أقام مار شربل في دير مار مارون عنايا بعد سيامته مدة 16 عامًا، مُتمرسًا بأسمى الفضائل الرهبانية، ولاسيما فضيلتي  الطاعة والتواضع. 
 
كانت حياته عبارة عن تقشف وصلوات دائمة ليلًا ونهارًا، فكان ينام قليلًا ويصلي كثيرًا، كان يرغب في التقشف أكثر وأكثر، فكان يركع علي طبق من قصب ذي حروف بارزة شائكة، ويلبس المسوح على جسده، هذا بالإضافة إلي عمله اليدوي في الحقل بموجب قانون الرهبنة،
 
بعد أن ذاع صيته وعُرفت قداسته، طلب من رؤسائه بالدير وبإلهام من الله،  أن يظل حبيسًا بقلايته ليتفرغ للصلوات والعبادة والتأمل، فأذنوا له بذلك وكان ذلك عام 1875،  حيث قضي فيها 23 سنة 
 
أيضًا أجري الله على يده في الدير آيات عجيبة منها "آية السراج".
 
ما هي آية السراج؟
يُقال أن خادم بالدير ملأ  للقديس شربل السراج الذي يضئ له، بالماء بدلًا من الزيت،  وظل السراج مُضيئًا له طوال ساعاته الليلية بالرغم من أن الذي بداخله كان ماءًا! 
 
لقد أعطاه الله موهبة عمل معجزات شفاء للمرضى، فعمل العديد من هذه المعجزات وهو مازال في الجسد،  وأيضًا بعد إنتقاله حدثت معجزات شفاء وهذا السبب في ذيع صيته في لبنان  وفي معظم البلاد المجاورة. 
 
وفي الأسبوع السابق لعيد الميلاد 1898،  شرع القديس شربل بتلاوة القداس كعادته،  وعندما بدأ في رفع الكأس والقربان قائلًا "يا أبانا الحق"،  حتي أصابه "الفالج" فأستمر رافعًا الكأس والقربان وأصابعه متشنجة عليه،  لحين تمكن رفيقه الأب مكاريوس من نزع الكأس والقربان  من بين يديه،  وحملوه إلي غرفته.
 
ظل القديس مدة ثمانية أيام يُقاسي من الألام المبرحة،  ولكنه ظل مستمرًا في صلواته، وعمل القداسات إلي أن أسلم الروح بكل هدوء بمساء عيد الميلاد عام 1898.
 
نرجع مرة أخري إلي هذا الدير المقدس الذي أخذ بركة دفن الأب شربل في مقبرة الدير العمومية،  وقد شاهد أهل الجوار ليلة دفنه نورًا يتلألأ فوق مقيرته،  وتكرر ظهور النور طوال 45 ليلة بعد إنتقاله.
 
لكثرة الخوارق، أذن البطريرك إلياس الحويك بفتح قبره فوجد جسده لم يصبه فساد، ولكن جاء دم ممزوج بماء من جنبه،  وجسده بدأ ينضح عرقًا ممزوجًا بدم،  ثم أعيد الجثمان لقبر جديد وكان ذلك في سنة 1926.
 
في سنة 1950 كشفت على الجثمان لجنتان طبية وكنسية، وأقرا بأن الجثمان سليمًا صحيحًا ولكن الجسد مغمورًا بدمه الراشح منه،  وأنتشر خبر هذه الظاهرة الغريبة، فتهافت الناس بالآلاف علي الدير لأخذ بركة القديس، وحدثت معجزات شفاء من أمراض متنوعة مستعصية،  وذاع صيت لبنان والدير والقديس شربل بسبب هذه المعجزات.
 
أعلن قداسة البابا بولس السادس في التاسع من شهر تشرين الأول 1977  أن الطوباوي شربل قديسًا،  وقد شيدت على اسمه كنيسة من أجمل كنائس الشرق، في قرية عنايا بالقرب من قبر القديس مار شربل.
 
من الواضح أن دير مار مارون اشتهر بسبب هذا القديس العظيم، ويقع الدير في قرية عنايا، إحدي قري منطقة حبيل في محافظة جبل لبنان،  الذي يبعد عن العاصمة بيروت بحوالي 52 كلم،  ويرتفع عن سطح البحر 1200 مترًا.
 
يرجع تاريخ الدير إلي سنة 1820، عندما رغبت الرهبانية اللبنانية في تأسيس دير علي اسم القديس مارون، كان بناء القسم الأول من الدير في سنة 1828،  وتصادف أن تكون سنة 1828 هي سنة ولادة القديس شربل. 
 
في سنه 1829 تقرر في المجمع العام للرهبانية تأسيس دير مار مارون في عنايا. وفي سنة 1839 تم تجديد الدير علي الهيئة التي هو عليها الآن،  وتم الإنتهاء من بناؤه سنة 1841.
 
عند زيارتك للدير القائم على قمة عنايا بالذات،  تجد أن القمة تحمل اسم "جبل التجلي"،  وفي الجنوب تجد "طور زيت جبل الزيتون"، وفي الشرق بيدر "آرونا اليبوس"، إلى الشمال "صخرة قيافا" والى الغرب معبد علي اسم "يواكيم وحنة"
 
"عنايا"  هي اسم الهضبة التي بني عليها الدير، وربما تسمية عنايا جاءت من كلمة "بيت عنيا". 
 
علي هضبة عنايا بنى مار مارون، دير مار مارون ومحبسه أو كما يقول المصريين قلايته، القلاية أو المحبس هي الغرفة التي يحبس فيها الراهب نفسه، لكي ينفصل عن العالم ويتفرغ للعبادة والصلوات والتأمل ومناجاة خالق العالم.
 
دير مار مارون بسيط جدًا، يحتوي على كنيسة هذا بالإضافة إلي غرف للرهبان، وغرفة لأواني الكنيسة، وغرفة فيها كتب روحية، وغرفة لأدوات الحقل كان يستخدمها الرهبان قديمًا.
 
ويحتوي الدير على غرفة للراهب شربل، التي تحتوي على بُساط من الُمسح مُفترش على الأرض،  وجزع من السنديان كان يستخدمه القديس شربل كمخدة أثناء ساعات نومه القليلة.
 
يوجد بالدير صورة للقديسة العذراء مريم، والتي يُطلق عليها قلب مريم الطاهرة، ويوجد درب للمُشاة يُطلق عليه "طريق القديسين".
 
عندما ننطلق صعودًا من ساحة مدخل الدير من أمام تمثال للقديس شربل،  سنمُر أمام تمثال للعذراء مريم، ثم بعد ذلك سنجد صليب أبيض مغروسًا  في الصخر. 
 
أتمني أن تزوروا في يوم من الأيام، هذا  الدير المُقدس بلبنان، وتأخذون بركته وبركة القديس شربل.