المعلم جرجس الجوهري....... فى ذاكرة الأمة القبطية!
د. ماجد عزت اسرائيل
٣٨:
٠٨
ص +02:00 EET
الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠١٧
د.ماجد عزت إسرائيل
ولد جرجس يوسف الجوهرى من أبويين فقيرين متواضعين فى القرن الثامن عشر،ببلدة قليوب،وكان أبوه يتعيش من مهنة الحياكة (الخياطة) وخاصة صناعة الجلاليب،وكان من المعتاد فى ذلك أن تـورث العائلة المهنة إلى بنيها، ولكن كان أبواه مملوئين نعمة وإيماناً فربياه تربية مسيحية فى كتاب البلدة؛ فتعلم الكتابة والحساب واتقنهما وتفوق فيهما على أقرانه لذكائة الخارق،وأصبح فيما بعد كاتباً لأحد الأمراء.
واشتهر جرجس يوسف الجوهرى بالعديد من الألقاب منها جرجس الجوهرى،والمعلم جرجس الجوهرى، وجرجس أفندى، وعميد القبط وكبير كتبه القطر المصرى.وبدأ حياته العملية كاتباً عند أحد المماليك، ثم تولى رئيس المباشرين فى عهد إبراهيم بك ومراد بك، ولقد كانت ظروفه غير ظروف أخية المعلم إبراهيم الجوهري الذي باشر أعماله مدة حياته مع الأمراء المماليك، ولكن المعلم جرجس باشر أمور الحكومة فى أربعة عهود مختلفة وإحتك بكثير من حكام متباينين فى العادات والأخلاق. ويذكر الجبرتى عنه قائلاً: "أنه لمات أخوة إبراهيم فى زمن رئاسة الأمراء المصريين تعين مكانه فى الرئاسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الأمور وربطها فى جميع الإقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم فى أيام الفرنسين فكان رئيس الرؤساء، وكذلك عند مجئ الوزراء العثمانين قدموه وأجلسوه لما يسديه إليهم من الهدايا والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس أفندى، ورأيته يجلس بجانب محمد باشا خسرو، وبجانب شريف أفندى الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان ويراعون جانبه ويشاورونه فى الأامور وكان عظيم النفس ويعطى ويفرق على جميع الأعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والأرز والكساوى والبن ويعطى ويهب. وبنى عده بيوت بحارة الونديك والأزبكية وأنشأ دارا كبيرة وهى التى يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا (محمد على) وأبنه(إبراهيم باشا) الدواوين عند قنطرة الدكة. وكان يقف على أبوابه الحجاب والخدم....".
وفى عهد الحملة الفرنسية (1798-1801م) اعتبره الفرنسيون عميد الأقباط فاجلوه واحترموه وابقاه بونابرت قائد الحملة فى منصب كبير المباشرين وإهداه جبة مزركشة ليلبسها فى أيام التشريفات، واستصحبه إلى الملك لويس فى إحدى المهام، ولاتزال صورته فى القاعة الشرقية بمتحف فرساى بباريس مع خمس صور ملونة لعظماء مصر فى عهده وهم الشيخ عبدالله الشرقاوى شيخ الجامع الازهر والشيخ السادات والسيد البكرى والشيخ سليمان الفيومى والشيخ محمد المهدى وفى وسطهم نابليون واصفا إحدى قدميه على حجر من أحجار الإهرام مشيرا إلى جنده، .وحينما دخل الاتراك والماليك القاهرة (1803م) على اثر أنسحاب الفرنسين ساد الاضطراب وهرب عدد كبير من الأقباط إلى مصر القديمة والجيزة. ثارت العساكر التركية وزحفوا على حارة النصارى ونهبوا بيت المعلم جرجس الجوهرى وأخذوا منه أشياء نفيسة وفراوى ثمينة. وبعد تولى محمد على باشا (1805-1848م) حكم مصر انقلب عليه بعد ذلك مختلقا له عدة أسباب منها عدم مبادرته إلى جيابه كل ما كان يطلبه من الضرائب من الأهالى، ولشدة حاجة محمد على للأموال، فقبض عليه ومن معه بحجة أن فى ذمته مبالغ متأخرة من حساب التزامه، وقام الباسا بتعين المعلم غالى بدلاً منه، وبعدها أمر الباشا بالافراج عنه بشرط دفع مبلغ كبير عليه،فاضطر الجوهرى بسبب ذلك الى بيع كثير من أملاكه فى الأازبكية وقنطرة الدكه، ثم لجأ الى الصعيد ويقال أن محمد على قد نفاه هناك.
وقبل رحيله الى الصعيد جمع كل حجج أملاكه وسلمها إلى البطريركية التى ساهم فى تأسيسها مع أخيه إبراهيم الجوهرى- كوقف عليها لينفق فى ترميمها ودفع رواتب الكهنة ومعلى الألحان والطقوس،وفى عام 1809م صرح له الباشا بالعودة للقاهرة وقابله واكرمه وتقاطرت وجهاء المدينة من جميع الملل للترحيب به.
وفى 27 سبتمبرعام 1810م رحل المعلم جرجس عن عالمنا الفانى ولكن ودفن فى مدفن خاص بعائلة آل الجوهري بجوار أخيه المعلم إبراهيم ولاتزال مقبرته مزاراً سياحياً يقصده العديد من كل إنحاء المسكونة، وقدم جرجس الجوهري العديد من الخدمات للكنيسة القبطية مشاركة مع أخيه إبراهيم. أما حياته الاجتماعية فقد كان المعلم جرجس متزوج من سيدة من خارج عائلته،وأنجبت له بيت عرفت باسم "مختاره" وهى كانت جدة المعلم رزق الصايغ الذى كان يعد من أهم رجال البلاط زمن حكم محمد على باشا.