بقلم: إستير أبيحائل
أخذت من نبوة اشعياء النبي التي تنبأ بها عن المسيح ربنا والهنا عنواناً لمكتوبي هذا، لما في هذه النبوة من قوة تطلق الإنسان حراً من سجون، قضبانها مصنوعة من الشعور بالرفض والدونية، وجدرانها مبنية باحجار الأفضلية والتسلط والتسيد، وأبوابها لا تفتح بغير الإنتقام العنف والتعدي
عندما يدخل الشعور بالرفض إلى الإنسان، يشعره بالعزلة والدونية .. فيحس الإنسان انه أقل شأناً من غيره ..او انه شخص لا قيمة له، فوجوده و عدمه لا يؤثران سلبا ولا إيجاباً على الآخرين .. فها هم أطفال الحارة يلعبون وكلما اراد هو أن يشاركهم نبذوه بحجة انه لا يجيد لعب الكرة .. وها هن الفتيات يضحكن بصوت عالي ولكن عندما تقترب هي اليهن، يسودهن الصمت ويتركن المكان، وتبقى هي منفردة تشعر بغصة ألم في حلقومها تكاد ان تخقها ... وهذا الذي جاء لأمه وكله فرح وتطلع للمستقبل يخبرها انه وبنت الجيران اتفقا على الزواج، ثم اظلمت الدنيا في عينه وهو يستمع لكلمات أمه التي تقول له بحزم .. اذا اتجوزتها، لا انت ابني ولا اعرفك.. وهذا الذي يجلس بمفرده من بعيد يراقب الأولاد وهم يتحادثون و يلعبون في المدرسة، فكل محاولاته لايجاد صديق واحد قد بائت بالفشل بعد ان عرف الجميع انه لا أب له ... هذا الشعور بالرفض يولد في داخل حامله شعور بالخوف من تكرار الرفض فيبدأ الإنسان بمعاداة الآخرين او الإبتداء برفضهم ليحمي نفسة من رفضهم له.. وإذا تكرر الرفض في حياة الشخص، أو اذا تعرض لرفض شديد كاد ان يقضي على حياته، كمحاولة قتله او تخلي والديه عنه، يولد فيه شعور بالغضب الشديد والإنتقام وقد يتحول إلى إنسان منتقم عدائي عنيف .. ويخرج الكره والإنتقام والعنف من دائرة الإنسان الصغيرة إلى دائرة المجتمع الكبير اذا ما وجد الشخص الذي عانى من رفض متكرر وشديد مكانة للقيادة او للرئاسة
حياة المسيح يسوع ربنا ومخلصنا، كحياة الكثير من القادة السياسيين والدينيين، كانت حياة مليئة بالرفض المتكرر والشديد. فقد لاحقه هيرودس بالتهديد بالقتل منذ نعومة اظافره، وبالرغم من انه مكتوب عنه انه "جال يصنع خيراً".. يشفي المرضى، ويغفر الخطايا، ويقيم الموتى، ويعلم المجتمع ان لا يرفض الخطاة وأن لا ينبذوا الضعفاء في وسطهم، إلا اننا نقرأ على صفحات الكتاب المقدس، انه اضطر لترك المكان لانهم كانوا يريدون ان يقتلوه.. في مرة آخرى نقرأ أن جمع من أفراد عائلته، في مدينة الناصرة، إمتلؤا غضباً، وقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل ليطرحوه إلى أسفل.. اتهمه أقرباؤه بأنه مختل العقل .. رؤساء الكهنة اجتمعوا ليرجموه.. تلميذه خانه.. تلميذه الآخر انكره .. ضربه القوم وبصقوا عليه .. وأخذوا يسخرون منه.. أتهمه اليهود والرومان ظلماً وحكم عليه بالصلب، لينهي حياته على الأرض بابشع نوع من أنواع التعذيب والقتل الذي عرفتهم الإنسانية
لقد عاش المسيح يسوع له كل المجد، حياة جديرة بأن تصنع منه رجل عنيف، شرس، منتقم، كما صنعت احداث مشابه في حياة قادة سياسيين ودينيين آخرين، فولدت فيهم كره الاخريين ورفضهم والانتقام منهم والشراسة في معاملتهم
ولكن المسيح له كل المجد رفض الدخول إلى دائرة الشعور بالرفض ومنتجاته .. رفض الناس له لم يفلح في زرع بذار الكره والإنتقام والحقد والعداء بداخله
ولكن نتاجاً عكسياً قد ظهر في المسيح المرفوض . المسيح لم يستجب للشعور بالرفض ولم يشعر بالعزلة، ولم يكره رافضيه ولم يحاول الإنتقام منهم، ولم يتعدى على حقوق الناس، ولم يرفضهم، ولم يأمر تلاميذه بقتلهم أو بالإنتقام منهم، بل صرخ من فوق الصليب من اجل رافضيه "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون" .. هم سجناء كرههم ورفضهم وعنفهم، وهو له كل المجد يعلن لبشريته من فوق الصليب ان لنا مكان في جنب المسيح الذي طعنته ايادينا .. بقيامته من الأموات فتح المسيح ابواب سجون الرفض والكره والانتقام والعنف واطلقنا في حرية مجد اولاد الله لنحب ونقبل ونحترم فردية الناس ولا نعتدي على حرياتهم
السارق لا ياتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو اجير وليس راعيا الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها. والأجير يهرب لانه أجير ولا يبالي بالخراف. اما انا فاني الراعي الصالح ( انجيل يوحنا ١٠: ١٠ - ١٤)٠
اشكر د. مارك ديوري الذي شق لنا طريقا جديداً بكتاباته في هذا الموضوع