الأقباط متحدون | البكاء بين يدي على بن أبي طالب
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٦:٤٦ | الجمعة ٢٢ ابريل ٢٠١١ | ١٤ برمودة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٧١ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

البكاء بين يدي على بن أبي طالب

الراسل: هاني جيد | الجمعة ٢٢ ابريل ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

في رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"؛ يدمج الجنوبي (أمل دنقل) ببراعة بين أحداث الماضي وأحداث الحاضر، في وقته، وما كان أشبه هذا بذاك، وهذا ما أراه ينطبق على الأحداث الجارية وقتنا هذا، وسأنتقي ثلاثة مشاهد نستعرضها سويًا، لعلنا نستخلص منها العبرة..

المشهد الأول:
فتاة ثاقبة البصر، جميلة العينين، جالسة على رابية جبل في الصحراء العربية، تندهش لمرآها في هذا المكان، وتتصاعد داخلك التساؤلات، ولكنك سرعان ما تتعرفها أنها "زرقاء"، أجلسها بني قبيلتها على تلك الرابية، كي ما تكون لهم جرس إنذار مبكر، إذا ما هاجم الأعداء وها هي تتلفت حولها ذات اليمين وذات اليسار، ترى ما لا يراه غيرها، وفي تلفتها تلمح حركة الأشجار، تبلغ رجال قبيلتها، فيتضاحكون عليها، تكرر فيصمون الأذن، تخاطب عقولهم فيغلقونها دونها.

والسؤال في ذهنهم: أتتحرك الأشجار؟؟؟... إنه المحال يا زرقاء!


المشهد الثاني:
في مكان بالقرب من نهر الفرات؛ جيشان يتحاربان، أحدهما لمعاوية بن أبي سفيان، والآخر لعلي بن أبي طالب، في معركة شهيرة جدًا في التاريخ هي معركة "صفين"، نرى أن جيش "علي" أقرب للانتصار، فقط هو الوقت ليس غيره من يؤجل انتصارهم، وفجأة نرى جيش معاوية لا يفر ولا يرفع الراية البيضاء، بل يرفعون المصاحف على أسنة الرماح. يتراجع جيش "علي"، يرسل لهم رسله: "ماذا أنتم باغون من هذا"؟ يجيبونه: "الاحتكام لما فيه".. يدرك الإمام الخدعة، إنهم لا يحتكمون بل من الهزيمة يفرون، يعلن رأيه فيخالفه أصحابه، يحاول إقناعهم فيشتدون، وهو غير متشكك، ولا يريبه شيئ قط، ويتمثل في ذهنه الكثير من مواقف أسلافه؛ أبي بكر وحربه ضد المسلمين، ممن لم يرتضوا دفع الزكاة له، وهذا ليس من القرآن في شيئ، ثم عُمر وهو يعطل حد السرقة في عام الرمادة، ثم وهو يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة، عندما يلغي سهم المؤلفة قلوبهم، وهذا ما نص عليه القرآن صراحة، ثم عثمان وهو يؤثر ذوي قربته على غيرهم ناسيًا أو متناسيًا أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، كل هذا كان يدور في ذهن الإمام وهو في هذا يرى ما لا يرون، فيصرخ في وجوههم: "هذا القرآن حمال أوجه" فيصمون الأذن يخاطب عقولهم فيغلقونها دونه.

والسؤال في ذهنهم: ألا يمكن الاحتكام للقرآن؟؟... إنه المحال يا إمام!


المشهد الثالث:
القاهرة في طليعة العام الحادي عشر من الألفية الثالثة بعد الميلاد، وبعد سقوط نظام حكم أجمع الغالبية العظمى على فساده، تنتشر في بعض الشوارع تظاهرات مطالبة بحكم مصر طبقًا للشريعة الإسلامية، ومطالبين بدولة دينية، وآخرون بميدان الثورة المعروف بميدان التحرير، يرفضون إلا السيطرة على كل شيئ، فلا يصعد على المنصة إلا من يريدون، ولا يتكلم إلا من يرضون، وأصواتهم تعلو وتعلو ومن وراءهم، يذكيهم من يدعون السعي إلى الدين، وما هم كذلك تزداد وتعلو تساؤلاتنا، فلا يجيبون، اعطونا أمارة فلا يعطون، نذكرهم بعبرات التاريخ فلا يتذكرون، ننبههم لدول الجوار ممن فعلت فلا يتدبرون، نناشد العقل فيهم فيغلقونه من دوننا.

والسؤال في ذهنهم: ألا يمكن لله أن يحكم بين البشر؟؟... إنه المحال يا رفاق!
بعد وقت ليس بالكثير، يدرك الطعان رفاق الزرقاء، فيقتلون ويموتون وتطعن الزرقاء في عينيها، لتبقى عمياء، كفيفة، غارقة في ظلمتها، تتلمس طريقها فلا تجده، لأن رفاقها استسلموا لنظريات ثابتة، تقول بأن الأشجار لا تمشي، وما أعملوا العقول ليعرفوا أنها لم تكن أشجارًا!

• وأيضًا بعد وقت ليس بالكثير، ينشب الخلاف بين أصحاب الإمام، وتتفرق كلمتهم على العكس تمامًا من المعسكر المقابل، الذي ما كان يفكر في الدين بقدر ما كان يفكر في الدنيا، بل والجزم كل الجزم أنه ما فكر في الدين إطلاقًا، فينفض أصحاب "علي" من حوله ويطعن الإمام فى بره.. يطعن الإمام في تقواه.. يطعن الإمام في فقهه، وأخيرًأ يطعن الإمام في قلبه، ليقتل غيلة رابع الراشدين، وآخرهم ربيب النبي نفسه، أفقه أهل زمانه الملقب بسفينة العلم.

وممن يقتل!! ليس من رومي أو فارسي، وليس من يد عدو أو خائن، بل بيد مسلم خائف على دينه، ذهبت بعقله التأويلات حتى أقدم على الفعلة النكراء، وكان هذا لأن أصحابه لم يروا ما كان يرى، واستسلموا لدعوة ظاهرها حق، وما أعملوا العقول ليكتشفوا أنها الباطل.. كل الباطل!

• وإلى رفاقنا اليوم، مازالت الفرصة لم تذهب كي ما تُعملوا العقل. الفرصة متاحة للتبصر، فلا تصموا الأذن، ولا تغلقوا العقول، ما يختلف اثنان على تطبيق الراشدين للشريعة، وما يختلف اثنان على تقوى وورع مسلمي ذلك الزمان، وفيهم الكثير ممن عاصروا الرسول ورأوه رؤى العين، متمثلآ أمامهم في كل موقف يمرون به، ومع ذلك لم يقيهم كل هذا شر الفتنة التي كادت تذهب بالدولة الوليدة، لولا همة أولى الأمر وفطنتهم، أن للدين مقام وللدنيا مقام، أن هذا شأن وذاك آخر.

فها هوذا أبي بكر يشهر السيف في وجه مسلمين، وهذا ما حرمه الله، وليس له عليهم في الدين حجة، ولكن له عليهم في الدنيا حجة، وهو بهذا ينقذ الدولة من الضياع.

وها هوذا عُمر يلغي سهم المؤلفة قلوبهم، الوارد به نص صريح في القرآن، يحاجه بعض من أصحابه فيجادلهم، ويعمل العقل ويعملوا، فيتفقون ويلتئم شمل الجمع على كلمة واحدة، وتستمر الدولة في النهوض.

ونقول لولا هذه الاجتهادات من أبي بكر ومن عُمر، ولولا إعمالهم العقل، وعدم التزامهم بنصوص حرفية، ما كان هناك دولة لتستمر، وما أصبح هناك إمبراطورية لتنهض، ما يقرب من الثلاثة عقود، هي حكم الراشدين المسلمين في أوج قوتهم الروحية والشريعة، تطبق على أحسن ما يكون التطبيق، والنتيجة ثلاثة من الراشدين يموتون قتلى، وأكثر من فتنة كادت تهدم الدولة، ولولا أن معاوية كان رجل دنيا لا رجل دين، ما بقيت دولة ولا بقي إسلام.

فالآن يا رفاقنا، بل يا أخوتنا؛ ألا تعملون العقل؟؟

الزرقاء تصرخ

والإمام علي يصرخ

ونحن نصرخ

والصرخة هي الصرخة

والنداء هو النداء




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :