بالأرقام.. نكشف أسرار إمبراطوية الدروايش والمقامات في مصر
أخبار مصرية | الشباب
الجمعة ١ ديسمبر ٢٠١٧
- 2850 مولدا للأولياء الصالحين ..و213 ضريحا بمساجد الأوقاف
- 63% من المتعلمين يؤمنون بالخرافات.. و ينفقون 10 مليارات جنيه سنويا على الكرامات
إذا كنتِ تعانين من عدم قدرتك على الإنجاب فعليكِ بزيارة "مقام عبد الرحيم القناوى" بقنا, وإذا كان لديك مرض نفسي فعليك بزيارة أبو "الحسن الشاذلى" في البحر الأحمر, وإذا كنت تجاوزت سن الزواج فزيارة واحدة لمولد "السيد البدوي" بطنطا تفك عقدتك، وإذا كنت في حاجة للصفاء الذهنى فالسيدة عائشة أو الحسين هما الملاذان الوحيدان أمامك، أنها تلك البدع الملازمة لزوار الأضرحة في القاهرة أو في قرى الريف ونجوع الصعيد، حتى أنه أصبح من الطبيعي أن يعرف في كل قرية شيخ يتبركون به ويمجدونه ويتضرعون إليه بغية قضاء حوائجهم أو شفاء مرضاهم.
وأشارت دراسة ميدانية حديثة قام بها دكتور محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة إلى أن 63% من المصريين يؤمنون بالخرافات, وأن أكثرهم من المتعلمين، وأن هناك أكثر من300 ألف شخص يعملون بمجال الدجل والشعوذة في مصر, والصادم في الدراسة أن50% من نساء مصر تقريبا يؤمن بدور الدجالين في حل المشكلات المستعصية, خاصة مع أزواجهن, مما يعني أن علي أرض مصر اليوم قري بأكملها تحولت لمراكز لممارسة الخرافات, ولنشاط الدجالين, مثل قرية طناح بمحافظة الدقهلية, وقرية محلة بشر بمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة, وبلدة القصر التابعة لنجع حمادي.
وبينت الدراسة أن المصريين وحدهم ينفقون نحو عشرة مليارات جنيها سنوياً على الدجالين والمشعوذين والنصابين الذين يدعون كذباً قدرتهم على تسخير الجان وعلاج الأمراض والمشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وأوضح الباحث المصري في دراسته أن استمرار اعتقاد الأسر بقدرة هؤلاء على حل كثير من المشاكل المستعصية خاصة الاجتماعية منها كالتأخر في الزواج، أو الصحية كعدم الإنجاب أو العقم أو فك السحر، ساهم في توفر 300 ألف شخص على الأقل يعملون في مجال الدجل والسحر في مصر.
وعن ذلك قال دكتور أحمد الكتامي الباحث بالمركز القومي للبحوث النفسية :" فى مصر حوالى 2850 مولدا للأولياء الصالحين، و213 ضريحا بمساجد الأوقاف، يذهب إليها عدد هائل من أهالى القرى والمدن، ولا يتقيد أهالى كل قرية أو مدينة بوليهم المحلى، فاليوم يتوجه سكان سوهاج إلى طنطا للإحتفال بمولد (السيد البدوى)، ويتوجه سكان الإسكندرية للإحتفال بمولد (سيدى أبو الحجاج) بالأقصر، ويذهب سكان حلون للإحتفال بمولد (القديسة دميانة) بالبحيرة، ويأتى سكان البحيرة للإحتفال بمولد (سيدى مار برسوم العريان) بالقاهرة".
وأضاف :" يحتل الأقطاب والأولياء موقعا فريدا فى المزاوجة بين الإيمان الدينى والمعتقدات الموروثة، وترسخت فى الإعتقاد الشعبى فكرة أن هولاء الأولياء هم الواسطة بين الإنسان وخالقه، فالمعتقد الشعبى يعترف لهولاء الأولياء بسلطان لاحدود له، ويضفى عليهم من الصفات المعجزة الخارقة للطبيعة، مالا يختلف كثيرا عما نسبه الفراعنة والإغريق لآلهتهم، فاللجوء إلى الولى يصحبه دائما الرغبة فى تحقيق أمنية أو رجاء، والولى المبارك ليس مجرد وسيط متواضع يلتمس رجاء من الله، وإنما يجب أن تتبلور فعالية شفاعته وتزامن البركة الموحاة إليه بإعتباره أميرا فى الديوان السمواى، وطبقا للمفهوم الشعبى فإن السيدة زينب رضى الله عنها هى التى ترأس ديوان الأقطاب والأولياء".
وأوضح قائلا :" يحتفل المريدون بأوليائهم كل عام، فى احتفالات بعضها صخب ، وبعضها مهيب يطلقون على كل منها اسم (مولد) ويرتبط كل احتفال بإسم صاحبه، ونظرا لكثرة الأولياء الذين ينتشرون فى ربوع مصر، حيث لاتخلو مدينة أو قرية من مقام لولى، فالموالد يمثل طقسا شبه يومى يحدث على بقعة ما من أرض المحروسة، بل والقائمون علي هذه الأضرحة يضعون النذور ويذبحون الذبائح في المولد المخصص له , ولكل ضريح من تلك الأضرحة خادم يستقبل النذور ويكون مسئولا عن خدمة الضريح أو المقام وغالبا ما تكون له هيبة حيث يعتبره الناس خاصة في القرى واسطة قوية تقربهم من الولي فيناله نصيب من هذه النذور والذبائح والولائم رغم أننا لا نعلم أين تذهب تلك النذور وفي أي شيء يتم صرفها".
وعن الموالد ذكر على أحمد، أحد أشهر أصحاب فراشات الموالد :" ستجد مجموعة من الموالد تحتل صدارة المشهد الإحتفالى، فكل واحد منهم يسيطر على منطقة بعينها يكون هو بطلها الأوحد، ففى أسوان ستجد (سيدى أبو اليزيد البسطامى)، وفى البحر الأحمر (سيدى أبو حسن الشاذلى)، وفى قنا (سيدى عبد الرحيم القناوى)، وفى الأقصر (سيدى أبو الحجاج)، وفى المنيا (سيد الفولى)، وفى طنطا (السيد البدوى)، وفى كفر الشيخ (سيدى إبراهيم الدسوقى)، وفى الإسكندرية (سيدى المرسى)، بينما احتفظت القاهرة بنصيب الأسد، فيوجد بيها السيدة زينت والسيدة نفيسة والسيدة عائشة وسيدنا الحسين وسيدنا على زين العابدين وسيدنا أبو السعود الجارحى وسيدنا عمر بن الفارض وغيرهم كثيرون".
و أكد قائلا :" لكن بطبيعة الحال أكبر احتفال يحدث هو الاحتفال بالمولد النبوى فى الثانى عشر من ربيع الأول من كل عام هجرى، ويحتفل الصوفيون به فى مسيرة طولها نصف كيلومتر تضم نحو نصف مليون شخص من أبناء 77 طريقة صوفي، حيث تخرج المسيرة بالأعلام والأناشيد والهتافات والرايات من مسجد شيخ صالح الجعفرى بالدراسة قرب منطقة الأزهر، وتتجه إلى مسجد الحسين فى تقليد عمره نحو ألف عام منذ عهد الدولة الفاطمية، فى حين مواقيت الموالد الأخرى تختلف من عام لأخر، فهى دائما ما ترتبط بتواريخ هجرية، كما أن بعضها يتعلق بمواعد معينة من العام مثل مولد (سيدى أبو الحجاج) فى منطقة كنيسة الدهرية بعد موسم جنى القطن، ومولد (النبى صالح) بسيناء يقام وفقا لحركات تنقل القبائل بحثا عن المياة وغيرها".
وعن الأسباب النفسية والاجتماعية قال الدكتور أحمد عبد الله أستاذ علم النفس:" الموالد يعد موسما لصيد الزبائن من قبل المشعوذين والدجالين الذين يوزعون السماسرة على أطراف الموالد , فلم تعد الشعوذة مجرد مهنة يحترفها البعض للنصب على السذج من الناس والبسطاء الذين فقدوا الأمل في حل قضية ما أو علاج مرض ما، بل أصبحت تجارة رائجة ورابحة ولم تعد هذه المهنة مقتصرة على المحتالين والنصابين بل أصبحت مهنة المثقفين الذين رأوا فيها وسيلة لكسب العيش السريع دون تعب أو شقاء وبالطبع الطريدة تكون جيوب الأغنياء والفقراء ممن يتميزون بصفة البساطة، وعلى الرغم من أن هذه المهنة غير متعبة جسدياً إلا أنها تتطلب طقوسا معينة يستطيع من خلالها المشعوذ اقناع ضحيته بقدرته على التحدث مع أولياء الله الصالحين وهذا يتطلب البخور والالبسة الغريبة إضافة إلى بعض المؤثرات الصوتية وعدد من السحالي والحشرات وأنواع مختلفة من الأعشاب، وجلود الحيوانات... الخ لزوم وضع الضحية في جو من الرهبة، وبالطبع المشعوذ يرفض أي قطعة نقود، وطلباته معدومة ولكن المشكلة في طلبات الأسياد التي تبدأ بابرة وتنتهي بمسلة".
وأضاف :" لا تقتصر زبائن المشعوذين على جنس معين أو شريحة خاصة من الناس بل تشمل جميع الشرائح الاجتماعية والنساء والرجال على حد سواء فبمجرد دخول الزبون إلى المشعوذ يبدأ الأخير بتجنيد مهاراته لإغواء الفريسة واقناعها بامتلاكه قدرات غير منظورة قادرة على حل المشكلات مهما استعصت، كما يوجد زبائن من نوع خاص وهؤلاء طلباتهم لا تهدف إلى الشفاء من مرض وإنما الإنتقام من عدو ما أو صديق ما، كما يتردد إليه أناس مولعون بحب معرفة الغيب".
وأشار إلى :" هناك من المشعوذين من يضحكون على الناس من خلال إيهامهم بأن طرق علاجهم من السحر أو أي مرض آخر يتم بالطريقة الشرعية ومن خلال آيات القرآن الكريم فقط.. وهؤلاء من المكر ما لا يخفى عليهم استعمال حيل تجعل الضحية يقتنع تماما بأن هذا الحاج أو الشيخ يعالج بالقرآن؛ وذكر لى أحد الحالات التى تعاملت مع هولاء المشعوذين أنهم يضعون مصحفا كبيرا للقرآن الكريم أمامه، ولكنه مصحف بدون سور بداخله، وأحيانا ليتم عملهم السحري يجلسون على القرآن وينجسونه بالدم وبكل ما لا يخطر على بال".
وأكد فى نهاية حديثه " الموالد ماهى إلى مصايد لممارسة النصب على الأشخاص البسطاء، فكلما كان الإقبال الشديد على المشعوذين واتباعهم من بائعي الأعشاب أصاب هؤلاء الغرور وأخذت أسعارهم بالارتفاع بسبب الاقدام الكبير، إذ نجد مشايخ ورجال دين يشتغلون في السحر، ولم لا فهذه المهنة لا تحتاج إلى رأسمال كبير وكل ما تحتاجه لحية طويلة ولباس غريب وقليل من البخور، وكلما ظهر المشعوذ بأنه كبير في السن كلما كان أقدر على الإقناع، فهو يتشبه بالعالم، بوقاره وهيبته، ليكسب احترام الآخرين، ونكاد لا نجد حجاباً، أو عملاً أو سحراً يخلو من الآيات القرآنية وذلك تمسحا بالدين واستغلاله لأغراض دنيئة هدفها النصب والإحتيال، لهذا الموالد يجب أن يكون عليها نوع من الرقابة".