الأقباط متحدون - المسجد الذى قد يضربه المجرمون الإرهابيون قريباً
  • ٠٤:٤١
  • الجمعة , ١ ديسمبر ٢٠١٧
English version

المسجد الذى قد يضربه المجرمون الإرهابيون قريباً

مقالات مختارة | عمار علي حسن

٢٢: ٠٤ م +02:00 EET

الجمعة ١ ديسمبر ٢٠١٧

عمار علي حسن
عمار علي حسن

عوّدنا المجرمون الإرهابيون على «سلوك نمطى متكرر»، فهم حين يشرعون فى استهداف مكان أو جهة يعاودون هذا، وبالطريقة نفسها إلى حين، ثم ينتقلون إلى أهداف أخرى، وبأسلوب ليس مقطوعا تماما عن سابقه، لكنّ به من الجديد أو المختلف نسبيا ما يوفر للمعتدين القدرة على التمويه والمراوغة، الأمر الذى يجعل احتمال استهداف مساجد أخرى، سواء فى سيناء أو الواحات أو المحافظات الطرفية بل فى الوادى والدلتا، قائما.

فقد رأينا استهداف كمائن الجيش والشرطة بالطريقة نفسها، ورأينا كذلك استهداف الكنائس بشكل متتابع، ثم يتم الابتعاد عن هذه الأهداف مؤقتا وانتقاء أهداف جديدة، ليعود الإرهابيون إلى سابق عهدهم، وهكذا، فى عملية دائرية.. لا يلوح فى الأفق ما يبين أنها ستنقضى قريبا، خاصة أن الموجات الإرهابية التى شهدتها مصر على يد جماعات توظف الدين فى تحصيل السلطة السياسية وحيازة الثروة الاقتصادية منذ الأربعينيات وحتى الآن امتد بعضها سنوات، وآخرها الموجة الرابعة التى بدأت فى عام 1988 ولم تنتهِ سوى فى عام 1997. ويزيد الطين بلة أن الجماعات الإرهابية قد غادرت مواقعها المحلية وساحت فى محيط إقليمى ودولى أوسع، يمدها بأسباب الاستمرار نسبيًّا، من تمويل وتخطيط وتغطية إعلامية وتوظيف من قبل أجهزة استخبارات أجنبية وقدرة ملموسة على استخدام ما أتاحته الثورة الرهيبة فى عالم الاتصال.

إن استهداف مسجد بهذه الطريقة، إن كان فى نظرنا وفى نظر كل ذى عقل فهيم وبصيرة نيرة ومن يراعى الدين والأخلاق والضمير عملاً فظيعاً بكل المقاييس، فإنه فى نظر من ارتكبوه ليس كذلك، بل إن ما فى رؤوسهم من أفكار فاسدة تجعلهم يُحلّون هذا ويبيحونه ويرون فيه جهادا ونصرا مؤزرا، لذا فإن تكراره بالنسبة لهم وارد وبشدة، لأنهم يرون فى مثل هذه المجزرة التى أقدموا عليها جهارا نهارا وسقطت فيها ثلاثمائة نفس من خلق الله المتوضئين عملاً يقربهم من تحقيق أهدافهم الجهنمية الدنيئة الخسيسة الجبانة فسيستمرئون هذا، وفى كل مرة لن يعدموا ذرائع وحججا واهية، هى فى نظرنا لا يستقيم لها برهان ولا أخلاق ولا سند من شرع، كى يقدموها لأتباعهم الغافلين على أنها من صميم الشرع.

ففى هذه المرة، اتخذ أكابر القتلة من الصوفية تكأة كى يشحنوا أصاغرهم المغرر بهم لإطلاق النار على مصلين فى يوم جمعة، مستندين إلى ما فى بطون كتب المتسلفة من آراء تنظر إلى المتصوفين على أنهم مبتدعون فى الدين وفسقة ويفتحون بابا وسيعا للتشيّع، رغم أن القانون 118 لسنة 1976 الذى ينظم عمل الطرق الصوفية فى مصر ينص صراحة على أنها «سنية المذهب» وتلتزم بـ«الشريعة»، إلى جانب التزامها بـ«الحقيقة» وتعمل على تنقية الطقوس الدينية الصوفية من أى شوائب أو خرافات.

فى المرة القادمة، لا قدر الله، قد تستمر تكأة الصوفية عند منفذى القتل فى مساجد بها أضرحة، أو متعارف على أن المتصوفة يرتادونها بغزارة أو بناها شيوخ هذه الطرق ومريدوها. وقد يجد القتلة الفجرة تكأة أخرى، من الممكن أن تكون ذلك الرأى الذى يؤمنون به، والذى ينظر إلى سائر المسلمين فى مصر على أنهم يعيشون فى «جاهلية» جديدة، أو أنهم أعوان الطاغوت والظالمين، أو أنهم ساكتون عن «الحق» الذى يتوهم المتطرفون والإرهابيون والمجرمون باسم الدين أنه معهم. وهذا معناه أن كل المساجد قد تكون مستباحة لهم.

وإذا كانت مجزرة مسجد الروضة قد ارتكبت بدافع الانتقام من قبيلة «السواركة»، التى تساند الأغلبية الكاسحة منها القوات المسلحة والشرطة فى حربها ضد الإرهاب وترحب بالوجود المادى والمعنوى والرمزى للدولة المصرية على أرض سيناء الحبيبة، التى يسعى القتلة إلى أن يعلنوا منها «ولاية» لهم، فإن الإرهابيين المجرمين قد يمدون الانتقام على اتساعه من قبائل أخرى لها الموقف نفسه، وتقطن مناطق معينة من سيناء، ويصلى أبناؤها فى مساجد بعينها.

إن فعل الانتقام نفسه قد طال كنائس مصرية عدة، لأن الذين أسقطهم الشعب والجيش عن السلطة فى الثالث من يوليو 2013، ما زالوا يروّجون لمقولة ترى أن المسيحيين قد شاركوا فى المظاهرات ضد حكم الإخوان بغزارة، ولم ينفكوا حتى أسقطوه، مع أن المسلمين كانوا يسبقون المسيحيين فى الغضب من هذه الجماعة.

وفى حالة الكنائس ومسجد الروضة، وما قد تبعه من مساجد، لا قدر الله، كانت للمجرمين أهداف أخرى تتعدى الانتقام من قبيل إثارة الفتنة الطائفية فى مصر، وإظهار السلطة الحاكمة بمظهر العاجز عن حماية الشعب والمقصر فى التصدى للإرهاب، رغم التفويض الظاهر الصريح الذى حصلت عليه من الناس حين طلبت هذا. ناهيك بالطبع عن أهداف أخرى منها صناعة حدث يلفت الانتباه بقوة إلى وجود الإرهابيين وقدرتهم، حيث إن مثل هذه المجازر لا يخطئها إعلام العالم بأسره، بل يسلط الضوء عليها غزيراً ليكون ما وراء هذا ما يشى بأن مصر ليست بالبلد الآمن، وفى هذا تأثير جارح وبارح على السياحة والاستثمار وغيرهما من روافد الاقتصاد. يزيد على هذا إيلام الشعب المصرى على موقفه الرافض للجماعات المتطرفة والإرهابية، أو دفعه إلى الندم على ما فعل فى مواجهته لها.

لكل هذا، من تمسك الإرهابيين بتكرار نمط عملياتهم ولجوئهم إلى الانتقام والإعلان عن الوجود، على السلطة والمجتمع فى مصر أن يكونا منتبهين دوماً إلى القادم من أفعال هؤلاء القتلة، فقد نستيقظ لنجد مجزرة فى مسجد أو كنيسة أو سوق أو مول أو فندق أو شاطئ اصطياف، لأن هؤلاء قد وضعوا الكل أهدافاً لهم، وليس فقط رجال الجيش والشرطة وكبار المسؤولين فى الدولة، ولأن تجربتهم فى بلدان أخرى مثل الجزائر والعراق وباكستان وسوريا ونيجيريا تقول لنا بلا مواربة إن المساجد طالما كانت أهدافاً لهم، زرعوا فيها قنابلهم وأطلقوا الرصاص على المصلين فيها بلا رويّـة.

ولدى هؤلاء من الآراء الفاسدة، التى لاتزال حية فى كتب صفراء مات مؤلفوها منذ قرون طويلة، ما يستعملونه فى دفع عناصرهم إلى ارتكاب هذه الأفعال الشائنة. وتستعيد الذاكرة هنا ذلك النقاش الطويل الذى دار بين صفوف قادة الجماعات الإرهابية فى مصر خلال تسعينيات القرن العشرين حول قضية «التترس»، فبعض قادة هذه الجماعات وصانعو ما يسمونه «الآراء الشرعية» فيها كانوا يرفضون قتل الأبرياء إن كانوا يسترون هدفا هم يستحلون دمه، فإذا كان القتلة يقصدون مسؤولا فى الدولة مثلا قد أفتوا بكفره وأباحوا دمه، ووجدوه فى اللحظة التى سنحت لهم لاصطياده بين مجموعة لم يفتوا بكفرها يمتنعون عن قتله حتى لا يصاب برىء بجريرته. لكنهم عادوا وأحلوا قتل الجميع، وقالوا «الأبرياء منهم يبعثون على نيتهم»، وبالتالى فتحوا الرصاص على الجميع. وهذا الرأى الخبيث راح يستفحل ويشتد ويتسع ويتعمق، وبلغ ذروته مع تنظيم «داعش»، الذى يمثل آخر طور من الإرهاب حتى الآن، فى ظل رفعه فكرة «إدارة التوحش» التى تعنى الإيغال فى القتل وإهلاك النسل والحرث من أجل ترويع الجميع، وفى هذا اقتداء بما كان يفعله التتار ومن ينتمى إلى «شريعة هولاكو»، وليس بأى حال من الأحوال «شريعة الله»، التى تجعل القتل أكبر كبيرة بعد الشرك بالله، وتجعل من قتل نفس بغير نفس أو إفساد فى الأرض بمنزلة قتل الناس جميعا، لكن هؤلاء، ومن أسف، يجدون فى حوادث التاريخ والتفاسير الشاذة وبعض النصوص الموضوعة ما يبررون به أفعالهم الشنيعة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع