الأقباط متحدون - ٢٩ سنة على رحيل كروان التلاوة
  • ٠٦:٣٢
  • الجمعة , ١ ديسمبر ٢٠١٧
English version

٢٩ سنة على رحيل كروان التلاوة

مقالات مختارة | خالد منتصر

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ١ ديسمبر ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

٢٩ سنة مرَّت على رحيله، تنعشنا هذه الأيام نسمات ذكرى الشيخ الفنان الرائع عبدالباسط عبدالصمد، قيثارة السماء، وحنجرة مصر الذهبية، الشيخ الوحيد الذى صُنعت له تماثيل ولم يستنكر ويقول إنها أصنام، أطلقوا عليه «مارلون براندو» الشرق ولم يستنكف ويتهم مَن شبّهوه بقلة الأدب والتجاوز. عندى ضعف خاص تجاه هذا الرجل الجميل، ففى مدرستى، مدرسة الجيزة الثانوية، كانت نافذة فصلنا تطل على فيلا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، كنا ننتظر طلّته الكاريزمية بأناقته المعهودة وهو يخرج من الفيلا ليركب سيارته، كنا نراقبه -نحن المراهقين الصغار- كل يوم وكأننا ننتظر محبوبة،

فقد كان الشيخ عبدالباسط سوبر ستار، نجماً يتفوق فى نجوميته على أبطال السينما، وكان صوته الشجى يسحر ألبابنا، وحنجرته النورانية تحلّق بوجداننا فى السماء وتطبطب علينا، تبهجنا وتبكينا. ما زال هذا العشق يسكننى حتى الآن، وما زالت مدرسة قراءة القرآن المصرية هى أعظم مدرسة فى تاريخ قراءة القرآن منذ ظهور الإسلام حتى اليوم، فهذه المدرسة هى الوحيدة التى مزجت قراءة القرآن بروح الفن، كانت حنجرة القارئ المصرى هى الجسر الذى تعبر عليه الكلمة الصامتة، لكى تتحول على شاطئ أذن وقلب المستمع إلى حياة كاملة فيها الفرح والشجن والحب والحزن والأمان والرهبة، قارئ القرآن المصرى لم يكن يقرأ، بل كان يعزف سيمفونية إيمانية على أوتار الأثير. ترحّمتُ على هذه الأيام وأنا أشاهد هجمة وهبنة وسلفنة الوجدان المصرى على يد قراء القرآن السعوديين الذين يفضلهم السلفيون من خلال هدايا السيديهات على المجلات المصرية قبل شهر رمضان وجوائز برامج المسابقات، هل السديس والحذيفى وغيرهما ممن استولوا على الوجدان المصرى يطاولون قامة الشيخ عبدالباسط أو محمد رفعت أو مصطفى إسماعيل أو صدّيق المنشاوى أو الحصرى أو البنا أو الطبلاوى أو الشعشاعى؟!

هل من المعقول أن تدخل السوبرماركت أو المول أو المكتبة هنا فى مصر فتجدهم جميعاً يستمعون إلى قراء القرآن السعوديين ولا يوجد منهم مَن يستمع إلى قارئ مصرى؟ هل لا يعرف هؤلاء من رؤساء تحرير المجلات أو من أصحاب البوتيكات والبرامج ألحان السماء كما سمّاهم محمود السعدنى؟ أعرف سبب لجوء هذه المجلات إلى قارئ القرآن السعودى لفرضه على الذوق المصرى، إنه الإعلان -البقرة المقدسة للإعلام المصرى الآن- وبالطبع الوهابيون يدفعون أكثر، ومؤسسات ومطابع السلفية تدفع أكثر وتبيع الكتب والأسطوانات مدعومة وبتراب الفلوس، ولكن، ألا يستحق العقل والوجدان المصرى منكم دعماً ووقفة، أليس صوت الشيخ محمد رفعت هو هدهدة وطمأنينة لكل حائر؟ وهل تتصورون أن مَن يستمع إلى صوت المنشاوى وهو يتسلل إلى شغاف قلبه سيفكر فى عمل إرهابى؟ أليست نغمات الطبلاوى السحرية علاجاً لقسوة وتجهُّم شاب يفهم الدين على أنه عذاب ورعب وسيف وجلباب قصير وخصام مع البهجة؟ ألا يعرف هؤلاء الذين يرضخون لصوت السطوة الوهابية فى الإعلام مكانة الشيخ عبدالباسط الذى عندما قرأ القرآن فى إندونيسيا تعدت دائرة المتزاحمين لسماعه الكيلومتر، واستقبله رئيس باكستان بنفسه، وأطلقت عليه السعودية التى نتسول منها القراء الآن «صوت مكة» وطلبت منه تسجيل القرآن كاملاً كثروة تتباهى بها السعودية! هذه ليست عنصرية أو شوفينية، ولكنها حقيقة واضحة كالشمس ومحاولة لإنقاذ الوجدان المصرى الذى اختطفه قراصنة الخارج وسماسرة الداخل أيضاً.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع