ماذا لو اختفى الإسلام من العالم؟ (1)
مقالات مختارة | مي عزام
الثلاثاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧
(1)
لم يعد هناك حديث يشغلنا هذه الأيام، بعد مذبحة مسجد الروضة، سوى القضاء على الإرهاب والفكر الدينى المتطرف، والمقصود هنا الفكر الإسلامى المتشدد والمطلوب استعادة سماحة الإسلام أو الوسطية الإسلامية وتجديد الفكر الدينى، وملاحقة الشيوخ والدعاة الذين يساهمون بفتواهم في شيوع المعتقدات التكفيرية الجهادية.
ما زلت على اعتقادى أن هذه الموجات الإرهابية على يد تكفيريين يدينون بالإسلام، ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالدين، أنها امتداد لصراع النفوذ الذي بدأ في أفغانستان، بين أمريكا والاتحاد السوفيتى، كان المطلوب حينذاك أن يتم حشد مقاتلين لمحاربة السوفييت، ولم يكن هناك أفضل من الترويج لفكرة الحرب المقدسة، وتم تعبئة الشباب المسلم وتسهيل سفرهم إلى افغانستان كمجاهدين في سبيل الله ضد الشيوعين الكفرة الملحدين، كان ميلاد الجهادية الإسلامية على يد المخابرات الأمريكية بدعم عددا من الدول العربية على رأسها السعودية ومصر، وتم تأسيس القاعدة بزعامة أسامة بن لادن.
بعد هزيمة السوفييت وانسحابهم من أفغانستان، لم يسلم المجاهدين البلد لأمريكا كما كان متوقعا، بل اعتبروها عدوا لمساندتها إسرائيل المغتصبة للحق الفلسطيني وللقدس الشريف، وانقلب السحر على الساحر.
(2)
في أثناء الحرب الباردة، لم نسمع عن إرهاب إسلامى، كان الإرهاب أوروبى عصرى، الألوية الحمراء، الجيش الأيرلندى، منظمة إيتا الانفصالية وغيرهم، وكان أشهر إرهابى هو كارلوس وليس أسامة بن لادن، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتى في أوائل تسعينيات القرن الماضى، وتفكك دولته لم تعد الشيوعية العدو الأول لأمريكا والغرب، وكان لابد من صناعة عدو جديد يلائم المرحلة، لينتقل الصراع لمنطقة أخرى من العالم ومعه إرهابه الذي يتلون كالحرباء، بعد حرب 1973 واستخدام سلاح البترول بدأت الأنظار تتجه إلى منابع النفط وضرورة التحكم فيها، ومنذ ذلك الحين توالت على المنطقة أحداث كبيرة متتالية ساهمت في تعقيد المشهد: الثورة الإسلامية الإيرانية، اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، الحرب العراقية الإيرانية، غزو العراق للكويت، تحرير الكويت، الغزو الأمريكى للعراق، ثورات الربيع العربى، الحروب الأهلية في العراق، سوريا، ليبيا واليمن، المنطقة أصبحت ملعبا لصراع القوى الإقليمية والدولية ومسرحا لحروب من كل نوع، وكان من الطبيعى وجود إرهاب يخدم مصالح القوى المتصارعة ويلائم عقلية شعوب المنطقة.. هل كان من الممكن أن يقنع أحد عراقيا سنيا أن جاره الشيوعى عدو له ويريد قتله؟، بالطبع لا، لكن يسهل إقناعه أن جاره الشيعى عدو سيفتك به، الفتن المذهبية كانت السلاح الأول لتفكيك المنطقة وتأسيس موجة جديدة من الإرهاب.
(3)
الإسلام يهاجم وبعنف، ويتهم بأنه السبب فيما يعانيه العالم من إرهاب، فهو دين قام على الغزوات وانتشر بحد السيف، منذ الفتنة الكبرى والمسلمون يقتلون بعضهم بعضا، الإسلام تاريخ طويل من الحروب والغزوات والدماء.. هذه الاتهامات يتم الترويج لها، في الداخل والخارج مع سرد أحداث مقطوعة من سياقها لتثبيت هذه الأفكار في العقول.
هل فعلا الإسلام هو المشكلة، ماذا لو اختفى الإسلام من العالم؟ هل سيكون الأمر مريحا: فلا صدام للحضارات، ولا حروب مقدسة، ولا قوى إرهابية، ولكن ماذا لو كانت النتيجة غير منتظرة؟ هذه الفكرة الفرضية طرحها الكاتب الأمريكى جرايهام إي. فولر (80 سنة ) في كتابه «عالم بلا إسلام»، وهو محلل سياسى متخصص في التطرف الإسلامى، عمل في المخابرات الأمريكية لمدة 20 سنة، قبل أن يلتحق بمركز راند كوربوريشين كباحث سياسي متخصص في الشرق الأوسط، له عدة كتب منها: مستقبل الإسلام السياسى، تركيا وثورات الربيع العربى، قام بترجمة كتاب «عالم بلا إسلام» أحمد جمال أبوالليل وصدر عن دار نشر سطور .
غلاف كتاب عالم بلا إسلام، ماذا لو؟ -
(4)
في مقدمة الكتاب يقول المؤلف: «ماذا لو أطلقنا العنان لخيالنا وسألنا عن «عالم بلا إسلام»؟ يبدو الأمر شبه مستحيل، إذ تسيطر مشاهد الإسلام والإحالات إليه على عناوين الأخبار، وبرامج الفضائيات، وشاشات الكمبيوتر، وحلقات الجدل السياسي. كذلك، نجد أنفسنا في غمار مصطلحات كالجهاد، والفتوي، والمدرسة، وطالبان، والوهابية، والملالي، والشهيد، والمجاهدين، والراديكاليين الإسلاميين. ومن الجلى أن الإسلام يحتل موقع الصدارة في الصراع الأمريكى ضد الإرهاب وكذا الضلوع في العديد من الحروب التي شنت وفق شعار «الحرب الشاملة ضد الإرهاب». يمكننا أن نخلص الأمر إلى كون الصراع يدور بين قطبين: «المعتقدات الغربية»، و«العالم الإسلامي». ووفقا لبعض «المحافظين الجدد»، فإن «الإسلام الفاشستي»، في واقع الأمر، يمثل في الوقت الراهن العدو اللدود في حاضر تلوح في آفاقه نذر حرب كونية رابعة، أو »«حرب ممتدة الأجل» صراع أيديولوجى هائل يرتكز على الدين ويغفل العديد من العوامل الأخرى التي أسهمت بجلاء في تأجيج الصراع ما بين الشرق والغرب وفاقمت من مظاهر المواجهة بينهما.
الكتاب، يناقش الطرح من الجهة المعاكسة، لو لم يكن هناك إسلام، ولو لم يبعث النبى محمد في صحراء العرب، ولو لم يمتد الإسلام ليشمل أجزاء شاسعة من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا ... أكان للعلاقة بين الغرب والشرق الأوسط أن تتخذ نهجا مغايرا ومنحى مختلفا عما نشهده اليوم؟! كلا، فالرأى عندى أن الأمر لم يكن ليختلف كثيرا عما نشهد حاليا.
(5)
أتوقف هنا، وأتابع معكم في المقالات القادمة كيف توصل الكاتب لهذا الاستنتاج الذي يغيب عن أعيننا نحن المسلمين.
نقلا عن المصري اليوم