الأقباط متحدون - هى ليست جريمة
  • ٢٣:٣٤
  • الأحد , ٢٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

هى ليست جريمة

مقالات مختارة | بقلم : عبد الناصر سلامة

١٣: ٠٧ م +02:00 EET

الأحد ٢٦ نوفمبر ٢٠١٧

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

 لا يستطيع أحد أن ينكر أن الشرطة والقوات المسلحة معاً سددتا ضريبة باهظة من الدم والعتاد فى مواجهة الإرهاب الآثم، خاصة فيما يتعلق بسيناء تحديداً. كما لا يستطيع أحد أن ينكر أن المدنيين هناك أيضاً سددوا ضريبة كبيرة من الدم والمال، من الأمن والأمان. كما لا يستطيع أحد أن ينكر أن الشعب بمختلف طوائفه لن يغفر أبداً لهؤلاء الذين يعيثون فى الأرض فساداً، بما يجعل القصاص منهم ليس قضية جهات الأمن فقط، بقدر ما هو قضية شعب بأكمله، وهو ما يؤكد أهمية إشراك الشعب فى كل ما يتعلق بهذه البقعة العزيزة من أرض مصر، إن على مستوى الأمن، وإن على مستوى التنمية، وإن على مستوى السياسة الخارجية.

 
ما حدث فى مسجد قرية الروضة بالعريش لا أستطيع التعامل معه على أنه جريمة، أو حتى إرهاب. لا أستطيع التعامل مع الحدث كقضية انتقام أو تصفية حسابات. نحن أمام كارثة بمقاييس ريختر، أى من نوع الزلازل القوية، بما كان يوجب التعامل معها على قدرها، بمنأى عن نشجب، ونستنكر، وندين. كان يجب التعامل معها برد فعل مختلف شكلاً ومضموناً، كرد اعتبار لمن فقدوا أرواحهم ولذويهم من جهة، ولشعب مكلوم لم يجد حتى الآن من يحنو عليه من جهة أخرى، ذلك أن الجميع فى مرمى النيران، جيشًا وشرطة، مدنيين وعسكريين، مسلمين وأقباطاً، مساجد وكنائس، أفراداً وجماعات.
 
لم يعد أحد يستسيغ العناوين السابقة بأن (الإرهاب يلفظ أنفاسه)، أو (الإرهاب فى الرمق الأخير)، لم يعد أحد يقبل بتلك الاتهامات التى يلقيها البعض على أفراد أو جماعات أو دول بمجرد وقوع أى حادث، دون دليل وقبل إجراء أى تحقيقات، لم يعد أحد يطمئن لأى تصريحات تحمل تهديداً ووعيداً للفاعلين، دون تحديد هوياتهم أو شخصياتهم أو حتى أهدافهم. لم يعد أحد يقبل بهذا النوع من إعلام فضائيات الردح، التى جعلت غالبية المشاهدين ينفضون عنها، مادامت لا تخاطب العقل.
 
الأزمة، أو تحديداً الكارثة، بكل أبعادها تجعلنا فى حاجة إلى إعادة صياغة مع الوضع ككل، إعادة صياغة فى التعامل مع الإرهاب عموماً، بعد كل هذه السنوات من المعاناة، وكل هذه الأرواح التى أزهقت، إعادة صياغة مع ردود الأفعال وبصفة خاصة فيما يتعلق بالمواطن الذى يفترض أن يحصل على المعلومة كاملة من داخل الوطن، ولا يبحث عنها من فضائية هنا أو مصدر آخر هناك، إعادة صياغة مع ما يتم إعلانه، بما لا يدع مجالاً للشائعات ولا للتكهنات.
 
الأهم من ذلك هو توضيح أبعاد الكارثة على الفور. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تليفزيونات عالمية قد بثت تقارير مهمة جداً حول ماهية المسجد المستهدف، والمصلين به، والطريقة الصوفية التى ينتمون إليها، والطرق الصوفية عموما، والخلافات بينها وبين الإرهابيين، وكان ذلك بشكل مهنى فاق التوقعات، كما فعل ذلك معظم وكالات الأنباء العالمية أيضاً، على عكس مؤتمرات التنظير الصحفية لدينا، والتى كشفت عن جهل عميق بحاجة رجل الشارع فى ذلك التوقيت، أو بما يجب توضيحه للعالم، إضافة إلى بث أنباء وإدانات طوال الوقت لا علاقة لها أيضاً بالأسئلة المطروحة لا داخلياً ولا خارجياً.
 
لنا أن نتخيل، فى ظل كارثة كهذه، كان الاهتمام إعلامياً بالاستنكار الصادر من ذلك الحزب الهزيل، أو الإدانة الصادرة من هذا الأرتست السطحى، أو من ذلك البرلمانى دائم الهجص! لنا أن نتخيل أن ردود الفعل السريعة كانت الويل كل الويل للفاعلين دون تحديد من هم، أو حتى دون معرفة مُصدر التهديد بهويتهم! لنا أن نتخيل أن الطريقة نفسها التى تعاملنا بها مع كل الحوادث الإرهابية السابقة هى نفسها التى تعاملنا بها مع هذه الكارثة المروعة التى هزّت العالم شرقاً وغرباً! التصريحات نفسها! التهديدات نفسها! الأسلوب نفسه! إلى أن تُطوى الصفحة فى اليوم التالى بأخبار انتخابات الأندية، أو بسقطة قديمة لأحد المشاهير يتم الإفراج عنها، أو حتى بحادث إرهابى آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
كنت آمل، منذ اللحظات الأولى لهذه الكارثة، أن يكون التصريح الرسمى هو الاعتراف بأن هناك إخفاقا واضحا فى التعامل مع هذه الحالة التى تعيشها الدولة المصرية على مدى عدة سنوات. وقد آن الأوان لإعادة صياغة الحالة ككل. آن الأوان لإعادة النظر فى طريقة التفكير، كما فى رد الفعل، كما فى ضرورة الاعتماد على خبراء متخصصين فى المجالات كافة، كما فى ضرورة الاستماع إلى كل من يستطيعون الإفادة.
 
باختصار: إعادة النظر فى المنظومة الحالية التى اعتادت الولولة تلو الأخرى، وإطلاق الوعود تلو الأخرى، دون تحقيق إنجاز يرضى الطموح الشعبى، على أرض الواقع.
 
على أى حال، لا نجد ما نقول إلا «حسبنا الله ونعم الوكيل» فى هؤلاء الذين لا يتورعون عن استهداف دور العبادة، هؤلاء الذين لا يعيرون اهتماماً لحرمة الدم بشكل عام، ولا نجد ما نقول للمكلومين إلا الدعاء بالصبر، وللضحايا الشهداء إلا الدعاء بالرحمة.. حمى الله مصر من كل سوء.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع