«قانون الشيخ الشعراوى»!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الخميس ٢٣ نوفمبر ٢٠١٧
من تانى.. الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى بشر، إنسان أتاه الله علماً فأذاعه، وأصاب وأخطأ، وخير الخطائين التوابون، والشيخ لم يدع عصمة، وما صدر عنه يؤخذ منه ويرد، وكان إذا تحدث استفهم من ملئه يستوثق من تأمينهم على قوله، متفحصاً الوجوه، يبحث فى أعينهم عن علامة استفهام فيزيدهم شرحاً حتى يتيقنوا من قوله الذى هو من فيض الخاطر، وسمى دروسه «خواطر» وجمعها فى كتب تحت عنوان «خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى» حتى لا يحسبها الناس من بعده تفسيراً فيحصّنوه تحصيناً.
مَن ذا الذى خلع على الشيخ العصمة، والعصمة لا تكون إلا لنبى، وفى الأثر الطيب يروى أن امرأة حاذقة راجعت عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى مهور النساء، وذكّرته بما جاء فى الكتاب منزلاً، فقال قولته المعتبرة «امرأة أصابت، ورجل أخطأ».. وزاد فى رواية أخرى «اللهمَّ غفراً، كل النَّاس أفقه من عمر».
ما بال سادة اللجنة الدينية فى البرلمان تقرر «الشعراوى خط أحمر»، ويأمرون الناس بالصمت وهم يصرخون فى الوجوه، مَن ذا الذى وضع خطاً أحمر تحت اسم الشيخ الذى كتب حروف اسمه بالاجتهاد، وفى الاجتهاد يصح قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى معناه: «من اجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر»، والشعراوى مأجور أخطأ أو أصاب، ما بالكم تنزهونه عن الخطأ وهو مأجور عليه، ونقل عنه لا تحرمونى ميراث الأنبياء عندما ولغ أحدهم فى عرضه، فاستاء القوم واستنفروه لمقاضاته، لو الشعراوى كان حياً لاستنكر صنيعكم، ولاستغفر للمخالفين، ودعا لهم.
كنت سميت قانون الرموز بـ«قانون يوسف زيدان» بعد ما استهدف تاريخياً سيرة عرابى وصلاح الدين الأيوبى فاستكره منه، مضطراً لتسميته «قانون الشيخ الشعراوى»، فثورة أعضاء اللجنة الدينية على الأستاذة فريدة الشوباشى ليست لوجه الله، ولا نفرة لسيرة الشعراوى، ولكن لتمرير قانون عصمة الرموز، أو هكذا أرجح، والتحسب هنا وراد، لا يعلم ما فى الصدور إلا العليم الخبير.. سبحانه.
فرصة وسنحت، معقول مقولة لفريدة تقلب البرلمان، وتستهلك وقت نواب الشعب الذين لم تثر ثائرتهم فتاوى نكاح الميتة ونكاح البهيمة، وتلتهب أعصابهم لمقولة سيارة لكاتبة أصابت أو أخطأت فوجهت لوماً للشيخ على سجدة مختلف عليها. لو كانت القضية الشيخ الشعراوى فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، ولكن تمرير قانون عصمة الرموز فى غبار أثارته الشوباشى خطير، تحصين الرموز بقانون يجرى تمريره فى دخان هذه المعركة العدمية التى يخوضها أحباب الشيخ ضد الشوباشى يستأهل التوقف والتبين.
توقف أمام مآلات معركة «سجدة الشعراوى» بعد النكسة، هلا تذكر الناقدون قبل المحبون للشيخ أنه زار قبر عبدالناصر فى 28 أكتوبر 1995 ليقرأ الفاتحة على روح عبدالناصر وطلب من جريدة «الأهرام» أن ترسل معه كبير مصورى الأهرام للتصوير.. طبقاً لما جاء بالكلمة والصورة فى جريدة الأهرام المصرية فى 29 أكتوبر 1995.. وكان الشيخ الشعراوى قد رأى فى الحلم جمال عبدالناصر!!!. أقصد أنها معركة فارغة المحتوى، تستنزف طاقتنا، وتذهب بنا عقوداً إلى الوراء.
وتوقف أمام ترزية القوانين متلمظين للسقطة واللقطة، يستثمرون مثل هذه المعارك الماضوية توطئة لتمرير قانون خرافى يحصن الرموز جميعاً، فيختنق الوطن تحصيناً، وعقل الشعب أولى بالتحصين ضد التطرف والغلو والإرهاب الفكرى.. استقيموا يرحمكم الله.
نقلا عن المصري اليوم