الأقباط متحدون - لماذا «الأقباط» فى البرلمان البريطانى؟
  • ٢٢:٠١
  • الثلاثاء , ٢١ نوفمبر ٢٠١٧
English version

لماذا «الأقباط» فى البرلمان البريطانى؟

مقالات مختارة | عبد اللطيف المناوي

٤٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢١ نوفمبر ٢٠١٧

عبد اللطيف المناوي
عبد اللطيف المناوي

مساء اليوم أُصدر كتابى الجديد «الأقباط، دراسة فى أسباب الصدع فى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر»، سيكون إطلاق الكتاب فى إحدى قاعات مجلس العموم البريطانى، وذلك بدعوة من النائب المحافظ دانييل كوتشينسكى. اخترت أن يكون حفل التوقيع داخل البرلمان البريطانى لسبب مهم. هذا الكتاب الصادر بالإنجليزية يتوجه إلى جمهور بعينه، وإلى الجزء الفاعل من هذا الجمهور، وهو ممثلوه فى البرلمان. الأمر الآخر أن هذا العمل لا ينتمى لا إلى الدولة بمفهومها الرسمى ولا إلى الكنيسة، باعتبارها معنية بالموضوع. لقد تعاملت مع القضية باعتبارها مسألة مصرية أصابها قدر كبير من التشويه وعدم اكتمال الصورة فى نقلها إلى الآخر، الذى أصر على أهمية التواصل معه، فقدمت هذا العمل ملتزما بأكبر قدر ممكن من الأمانة والموضوعية والرغبة فى تقديم مفاهيم وحدود صحيحة لمشكلة موجودة، سواء اقتنع بعضنا بوجودها أو أنكرها البعض الآخر.

هذا الكتاب يتناول بإيجاز، غير مخل كما أرجو، دخول المسيحية إلى مصر ثم الإسلام، وتطور العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وأيضا بين المصريين والنظم السياسية المتعاقبة، وكيف أثر التطور الاقتصادى والسياسى والاجتماعى على هذه العلاقات المتشابكة، وأيضا كيف انعكس تطور بناء الكنيسة داخليا على إدارة العلاقة مع «شعبها» ومع الدولة.

من بين النتائج، التى خرجت بها من هذا العمل أن العلاقة بين الدولة والمجتمع تمثل أحد المفاتيح الرئيسية فى فهم أوضاع أى نظام سياسى، هناك اتفاق أن المجتمع هو السابق على الدولة. ويمكن القول إن مصر شهدت حالة عدم التوازن بين الدولة والمجتمع فى مراحل متعددة، وهو الأمر، الذى مثل إحدى المشكلات الأساسية للتطور السياسى والاجتماعى فى مصر. وأمام عدم التوازن هذا اتجهت بعض قوى المجتمع إلى تعزيز أدوارها وتأمين مصالحها بعيدا عن الدولة، الأمر الذى أدى إلى تنامى الانتماءات الضيقة، خصوصا أن الدين فى مصر يؤدى دورا لا يستهان به فى كافة مناحى الحياة.

وقد بدا تأثير هذا عندما اتخذت المسألة القبطية أبعادًا جديدة فى العقود الخمسة الأخيرة، حيث اتسمت تلك المرحلة بعديد من التعقيدات التى ألقت بظلها على العلاقة بين المسلمين والأقباط وأوصلتنا إلى حالة ملحوظة من الاحتقان. ففى تلك الفترة، اتخذت الدولة خطوات حاسمة على صعيد تحرير الاقتصاد، والتخلى عن لعب دور اجتماعى. وفى مقابل تخلى الدولة عن هذا الدور، ظهرت المؤسسات الخيرية على الجانبين الإسلامى والمسيحى لتقدم خدماتها، كل لأبناء طائفته، ومن ثم مزيد من الارتباط بين هذه المؤسسات والأفراد. فالمسلم الذى لا تعالجه الدولة يذهب إلى مستوصفات الجمعيات الخيرية الإسلامية أو الإخوان المسلمين، بينما يذهب المسيحى إلى المستوصفات المرتبطة بالكنيسة. وإذا كانت الدولة قد تخلت عن تعيين الخريجين بدرجة ملحوظة، فقد ظهرت الشركات والبنوك الإسلامية التى لا تعين أقباطًا، وحذت حذوهم مؤسسات يملكها مسيحيون. وأدى ذلك إلى نوع من العزلة والانكفاء كل على طائفته. من ناحية أخرى، فقد خلقت تلك المرحلة بتوجهاتها أزمة اجتماعية حادة بسبب البطالة وارتفاع الأسعار وسوء علاقات العمل نتيجة الحرية المطلقة لرأس المال. وأدى هذا الوضع إلى تصاعد الفقر والمعاناة والشعور بالقهر والغضب. ولعل تصاعد دور المؤسسات الدينية فى مصر وقدرتها على تعبئة موارد مالية متعددة زاد من قدرتها على القيام بوظائف اجتماعية ورعائية، ما أدى إلى تديين الحياة الاجتماعية، وظهور ما يسمى السلطة الدينية البطريركية، إسلاميا أو مسيحيا، فى ظل غياب مفهوم الدولة التى تجعل القانون والمواطنة أساسا. إن استبعاد الفئات الوسطى وعدم مشاركتها فى الحياة السياسية والحزبية من جهة، وقدرة الكنيسة على تلبية متطلبات اقتصادية وصحية وتعليمية من جهة ثانية، جعل القبطى ينظر إلى الكنيسة، ليس كمخلص روحى فحسب، بل كمخلص معيشى أيضا. وكذلك الحال مع الجماعات الإسلامية التى ظلت تحقق مكاسب مستمرة على حساب تآكل دور الدولة وحضورها.

وفى ظل هذا الوضع ليس هناك أسهل من أن ينفث المقهورون من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى والمهمشين، الذين تطحنهم كل يوم ظروف حياتهم، غضبهم فى جيرانهم الأضعف، الذين هم من نفس الطبقة ويتعرضون لنفس الأزمات، لكنهم يختلفون فى الدين. وتلك الحالة ليست مقصورة على مصر. فإذا نظرنا إلى الوضع فى الهند، استطاع حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسى المتطرف تأليب طائفة الهندوس على المسلمين- الذين يعيشون نفس البؤس والشقاء- ما أدى إلى قيامهم بالعديد من أعمال القتل والتدمير ضدهم خلال السنوات الأخيرة.

من ناحية ثالثة، برز الإسلام السياسى، متمثلاً فى جماعات الإسلام الراديكالى فى منتصف الثمانينيات، عندما تعاملت الدولة معه بمزيج من الحذر والنفاق، وتركت مساحات واسعة لتتمدد فيها هذه الحركات ويكون لها حضورها المؤثر فى المجتمع.

وعلى صعيد أداء أجهزة الدولة فى تلك الفترة، فقد اتسمت بطائفية كامنة فى أعماق مؤسسات الدولة وأجهزتها كانت نتاجا لتلك الحالة من الاستقطاب الذى عانت منه مصر خلال تلك الفترة، لم يكن ذلك بتوجيهات فوقية ولكنه كان تعبيرا عن توجهات اجتماعية مازالت موجودة فى التكوين القيمى للمجتمع. ومن الخطأ الكبير تحميل المسؤولية للنظام وحده، فقد كان كل ما يحدث تعبيرا عن حالة الخلل التى أصابت المجتمع وتسربت بالطبيعة إلى داخل مؤسسات الدولة التى لم تقم بالدور المناسب لتصحيح هذا الخلل، بل استسلمت له واكتفت بالتعامل أمنيا مع مشكلة هى بالأساس مجتمعية.

هذا بعض مما توصلت إليه فى هذا الكتاب الذى أهدف منه إلى وضع صورة حقيقية لمشكلة يتم تصديرها إلى الخارج بشكل ومستوى وأبعاد تختلف كثيرا عن الحقيقة. أردت أن أقول إن هناك مشكلة، نعلمها ونفكر فيها باعتبارها مشكلة مصرية. ونعلم أننا عندما نصل إلى تطبيق حقيقى لمفهوم دولة القانون وإعلاء شأن المواطنة بحق فإن ذلك يعنى حلاً حقيقياً لهذه المشكلة وغيرها من مشكلات كل المصريين.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع