بقلم: عادل جرجس سعد
" خيرت الشاطر " اسم لن يستطيع التاريخ نسيانه أو تجاهله عند التأصيل لأحداث ( ٢٥ يناير ـ ١١ فبراير ) والبحث في محركاتها وآلياتها وقوة الدفع التي سارت بها ، فالأحداث لم تكن وليدة العام ٢۰١١ ولكن تم التجهيز والتخطيط الأولى لها منذ أكثر من خمس سنوات وتحديداً أبان انتخابات ٢۰۰٥ ، والمهندس خيرت الشاطر هو مهندس هذا التخطيط والذي كُشف النقاب عنه بالكشف عن وثيقتي " فتح مصر " و "التمكين" اللتان أعدهما الشاطر في خطة طويلة الأجل للانقلاب على نظام الحكم في مصر والعمل على إيقاعه في قبضة الأخوان المسلمين فالشاطر هو النائب الثاني لمرشد الخوان المسلمين محمد مهدي عاكف حينئذ ، وخطة الشاطر ليست بجديدة ولكنها قامت على فكرة " بروتوكولات حكماء صهيون " والتي بمقتضاها قام الصهاينة باحتلال فلسطين والتوغل من خلال اللوبي الصهيوني العالمي في كل مقدرات هذا العالم فما كان على الشاطر سوى تمصير تلك البروتوكولات وتطويعها لتتلاءم مع الواقع المصري والجموح الاخوانى نحو سدنة الحكم ، وأنا هنا لست بصدد مناقشة تلك الوثائق لأنها نوقشت وقتلت بحثاً ولكنني سوف أرصد في هذا المقام كيف تم تطبيق بنود تلك الوثائق بدقة على مدى سنوات لتحقق نجاحاً مرحلياً زمنياً خطط له بعناية ليتوج هذا النجاح بأحداث ( ٢٥ يناير ـ ١١ فبراير ) غير أن هناك من المفاجآت التي لم يحسب الشاطر حساباً لها قد طرأت على واقع الأحداث مما أستدعى أن يغير من الخطة وهو ما سنوضحه لاحقاً
الأخوان والصدام السياسي المجتمعي
لا أحد يستطيع أن ينكر أن مصر الحديثة والتي بدأت تتضح ملامحها مع تولى محمد على باشا الحكم هي دولة مدنية تبلورت رويداً رويداً في عصر الأسرة العلوية ، ومنذ أن أنشأ حسن البنا جماعة الأخوان المسلمين عام ١٩۲٨ كان الأساس الذي بنيت عليه تلك الجماعة هو تغيير وجهة مصر المدنية إلى وجهه دينية ، وقد تدرجت أساليب الأخوان في ذلك من العنف وحمل السلاح ومحاولة التغيير بالقوة كما حدث في عصر الرئيس جمال عبد الناصر وهو ما لاقت بسببه الجماعة الكثير من الأهوال وزج بمعظم قادتها داخل السجون والمعتقلات مروراً بمحاولة مداهنة النظام كما حدث في عصر الرئيس السادات نهاية بالرقص مع ذئاب النظام والحزب الوطني في عصر الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وخلال تلك المسيرة التي امتدت على مدى أكثر من ثمانون عاماً أدركت الجماعة أن التغيير لن يكون بالقوة كما أن التغيير لن يتم من أعلى أي من النظام ولكنه يجب أن يتم من أسفل أي من خلال الشعب .. هذا الشعب الذي كان محور خطة الشاطر ووثائقه
التسريب السياسي
بينما كان الليبراليون والعلمانيون يقبعون في غرفهم المغلقة يمارسون الببغاوية الحوارية وينطلقون لعقد مؤتمرات كرنفاليه في فنادق الخمس نجوم وانشغل اليساريون بالبحث عن أدوار نضالية مفقودة خونوا فيها بعضهم البعض ببيع القضية تلك القضية التي لم يعد موجوداً منها إلا أسمها فقط، وبينما يستمتع النظام وأعوانه بكرتونية تلك الممارسات الببغاوية و التخوينيه وهو ما سهل لذلك النظام أفساد ما يمكن افسادة في هذا الوطن ، كان الأخوان في تلك الأثناء يغضون البصر عن كل هذا بل أحياناً كثيرة كانوا عوامل حفازة في تأجيج هذا المناخ لإلهاء كل القوى السياسية في بعضها البعض لإضعافها وتفريغها من محتواها ،وهو ما كان فلقد تقزمت كل القوى السياسية ونخر سوس الفساد في نظام الحكم حتى بات آيلاً للسقوط مع أي هزه ، وجنباً إلى جنب مع دورهم في خلخلة النظام السياسي في البلد قام الإخوان بالانفراد بالشارع المصري والتوغل فيه لتغير البنياوية السياسية الفكرية لهذا الشعب ، ومع ذلك لم يعمل الإخوان على الصدام الفكري بالشعب ولكن تبنوا سياسة التسريب السياسي للعقل الجمعي فيجب أن يتم إخلاء هذا العقل من كل ما يحتويه من أفكار حتى يصبح خاوياً مستعداً لاستقبال الحشو الدماغي القادم ، فالديمقراطية كفر بين ، والليبرالية رجس من عمل الشيطان ، والدولة المدنية هي دولة الخلاعة والفساد والانحلال ولا يروا فيها إلا الممارسات الإباحية والشذوذ الجنسي ، وهكذا سقطت الدولة المدنية من العقل الجمعي المصري ليحل محلها الدولة الدينية، سقط الدستور والعقد الاجتماعي وحقوق الإنسان وحلت محلهم فتاوى ليست من الدين ولكنها أعدت لتخدم المخطط الاخوانى .
ولا يجب علينا هنا أن نلقى على كاهل الإخوان كل التهم في الانهيار الفكري للدولة المدنية ولكن كان هناك عاملاً حفازاً أدى إلى التسريع بوتيرة تديين الدولة هذا العامل هو الكنيسة القبطية حيث وقع المجتمع بكاملة بمسلميه ومسيحية أسير ثقافة الجهاد الديني فالأخوان رسخوا فكرة الخروج إلى الجهاد لإعلاء راية الدين هذا الجهاد الذي يؤمن كل من يخرج إليه بالموت في سبيله فهي الشهادة التي ستدخله الجنة وعلى الجانب الأخر فالمسيحي ينتظر من يقتله ومستعد للاستشهاد في سبيل قناعاته والذي يضمن له أيضا دخول الملكوت ، لفظ الجميع حياة الدنيا ـ المدنية ـ وسعوا نحو الحياة الآخرة فالجميع يريد أن يموت ويستشهد ويدخل الجنة أو الملكوت ولا لوم ولا عتب عليهم بعد أن قطع النظام كل السبل الى الحياة الدنيا
الخطة والفكرة
كان ما سبق هو الترجمة الفعلية لوثيقة الشاطر حتى أصبح المجتمع مهيأ للخروج على النظام وهنا يأتي الجزء الأكثر صعوبة في التنفيذ حيث يعتمد بعد الحشد الإعلامي والتوغل إلى كل قطاعات الشعب على ما يعرف بإثارة " ثورة الدهماء" تلك الثورة التي يعمل الإخوان على تأجيجها ولكن من على بعد فهم لا يشاركون في خروجها ولكن إذا ما قويت ونجحت خطفها الاخوان وركبوها وهو ما كان في أحداث ميدان التحرير والذي أشرنا إليه مفصلاً في مقال سابق .. ولكن ما لم يحسب له الاخوان حساب هو عدم سقوط النظام فالنظام لجأ إلى بتر الجزء المتقيح في جسمه ولكنه مازال قوياً ومسيطراً أضف إلى ذلك ظهور بعض القوى الدينية التي تتمتع بمد أكبر في الشارع المصري من الاخوان والتي أعلنت عن رغبتها في تقاسم كعكة السلطة وهو ما ينذر بتقزم الاخوان ومن هنا كان ولا بد من تغيير تكتيكي في الخطة
النفور الثوري
لم يجد الأخوان بداً من أعادة خلط الأوراق مرة أخرى وترتيبها ، وخلط الأوراق السياسية في الوقت الراهن وبعد ما آلت إليه الأحداث لا يكون إلا عن طريق إثارة حالة كبيرة من الفوضى تتضح معالمها في محاولات تقويض كل الجهود الرامية إلى أعادة أحكام الأمن لقبضته على مقادير الأمور فتقوية الأمن تعنى التضييق على الفوضى، ولا مانع في هذا المجال من اتهام قوى سرمدية بأنها هي التي وراء تلك الفوضى مثل " الثورة المضادة" و " فلول النظام السابق" ، والفوضى ليست هي الغاية عند الإخوان ولكنها وسيله لخلق حالة من النفور والجفاء الشعبي لكل ما له علاقة بالثورة والمستهدف الأول من تلك القوى هو الجيش لأنه هو القوه الوحيدة التي لا يستطيع أن يناطحها الأخوان ، وقد يقول قائل لماذا لا يكون وراء تلك الحالة من الفوضى السلفيين ؟ وأنا هنا أستبعد هذا الاحتمال تماماً فعلى الرغم من حوادث العنف الأخيرة والتي نسبت إلى السلفيين إلا أن أصابع الأخوان تظهر في المشهد فليس كل من التحى ولبس جلباباً قصيراً هو سلفي وأظن ـ وبعض الظن أثم ـ أن الأخوان استغلوا حده الخطاب السلفي بعد إحداث التحرير في القيام بعمليات فوضى ونسبها للسلفيين وهنا يضرب الإخوان عصفورين بحجر واحد حيث يتم تأجيج حالة الفوضى والنفور الشعبي من السلفية المتشددين وينسحب هذا النفور إلى الجيش الذي لا يحكم قبضته على الأمور والعصفور الثاني هو التخلص من غريم إسلامي سياسي ألا وهم السلفيين هذا الغريم الذي بات يهدد الكيان الاخوانى بصفته المحتكر والوكيل الوحيد للدين في المنطقة