انصهار الشباب في شرم الشيخ .. درس يجب أن تعيه مصر
يوسف سيدهم
السبت ١٨ نوفمبر ٢٠١٧
بقلم: يوسف سيدهم
استضافت مصر هذا الشهر منتدي شباب العالم في شرم الشيخ وعشنا جميعا نتابع بكل شغف وفخر فعالياته وندواته وتنظيمه حتي أسدل الستار عنه بتوصيات طموحة ثرية في شتي المجالات محليا ودوليا, ولعل من أهم الأمور التي أتوق لمتابعتها ما سيتم تنفيذا لتوجيه الرئيس السيسي في الجلسة الختامية للمنتدي حين طالب الشباب بإيداع توصياته الختامية كوثيقة لدي هيئة الأمم المتحدة لتشارك الأسرة العالمية في تفعيل تلك التوصيات ولا تكون مقصورة علي مصر وحدها.
حقا كان المنتدي جهدا مشرفا لمصر لما فيه من مبادرة حضارية عظيمة نحو الاعتراف بقدر وقيمة الشباب ودعوته للتعبير عن نفسه وتمكينه من المشاركة في تسيير حاضر بلده وصناعة مستقبله… ولعل انتهاء فعاليات منتدي شرم الشيخ منذ نحو عشرة أيام لم يغلق الباب علي احتلال مساحة غالبة في الإعلام لأن مازال هناك الكثير من الرصد وقياس الأثر ينبغي أن يأخذ حقه في التسجيل والتوثيق لذلك الحدث المهم جدا الذي حرك مياها راكدة في حياتنا وفي وعينا وفي حركتنا
الوطنية.
وبينما يجتهد الزملاء في وطني في مهمة قياس الأثر للمنتدي في المجالات المختلفة سياسيا واقتصاديا وسياحيا وثقافيا علاوة علي رصد نبض الشارع المصري تجاهه, أجدني مدفوعا بشدة لتناول تجربة وحصيلة المنتدي في خلق وعاء إنساني يدعو ويجمع ويصهر الشباب متجاوزا كل الاختلافات الحياتية بينهم في الجنس واللغة واللون والشكل والثقافة والعقيدة, وهو لم يكن تجاوزا يعني غض النظر عن الاختلافات أو التسامح بشأنها, لكنه كان إدراكا لقيمة وثراء التنوع واستثمارا لما يفرزه من إبداع إنساني لصالح المجتمعات البشرية, وتلك قضية تعنينا جدا نحن المصريين فلا يجب أن نزهو بمنتدي شرم الشيخ كعرس جميل استضافته أرضنا وندعه يمضي دون أن نتأمل كيف نرسخ نظرة جديدة راقية للتنوع في حياتنا.
لقد تعبنا سنين طويلة في مجال العمل الوطني مبشرين بمبدأ قبول الآخر وكثيرا ما تعثرنا وقليلا ما نجحنا لكن حتي النجاح كان مبتورا لأنه كان قبولا علي مضض لاستيفاء شكل سطحي زخرفي دون الغوص في تعايش فعلي واختلاط حياتي وتمكين مجتمعي, وظل الآخر معزولا مهمشا سواء كان امرأة أو قبطيا أو شابا أو معارضا أو أي شكل من أشكال الآخر المختلف عن السياق السائد أو الأغلبية المستبدة.
وحسنا قال الرئيس السيسي في تعقيبه علي الاختلاف بين البشر عندما أقر بحق كل إنسان في الاعتداد بخصوصياته وثوابته وانتماءاته لكن مع احترام وتقدير خصوصيات وثوابت وانتماءات الآخرين وعدم اشتراط تخليهم عنها للاندماج معهم… إننا في أمس الحاجة أن نعيد النظر في كثير من جوانب حياتنا نحن المصريين لنعيد ترتيب بيتنا من الداخل بناء علي هذا التوجه, وليكن لنا في تجربة منتدي شرم الشيخ أسوة حسنة فقد أثبت الشباب المشارك قدرة ملفتة وروحا عظيمة علي إذابة الاختلاف وحماسا كبيرا علي التواصل والتعايش والعمل المشترك, فكان الانصهار بينهم رائعا ومثمرا.
إن مصر أمامها طريق طويل وشاق حتي تدرك مثل هذا الانصهار الحقيقي بين شرائح شعبها… أمامها تحد كبير في ترسيخ الاختلاط بين البنت والولد… بين الفتاة والشاب… بين المرأة والرجل… بين المسلم والقبطي… بين الديني والدنيوي… بين كل واحد وآخر… بين كل أغلبية وأقلية… بحيث ينصهر الجميع ويذوبون حياتيا في وعاء الوطن مصر.