عن تهريب مخطوطات مسيحية قديمة من سوريا... لكن هل هي فعلاً أصلية؟
منوعات | raseef22
٠٦:
٠٤
م +02:00 EET
الخميس ١٦ نوفمبر ٢٠١٧
حين عُرضت مخطوطات مسيحية قديمة على علي دياب، كان همه الوحيد أن تقع في اليد المناسبة، وهي الكنيسة، أو أن يتمّ توثيقها من خلال عرضها على مختصين، في الأقل.
فهو لا يملك أي سلطة على مالكي هذه المخطوطات ليفرض عليهم تسليمها إلى أصحابها الأصليين.
لكنه تساءل: هل هي فعلاً مخطوطات أصلية؟
يتحدث دياب، الناشط السوري من منطقة القلمون، والذي يعمل اليوم طبيب أسنان في تركيا، عن 3 حالات لقطع أثرية ومخطوطات وصلت إليه حين قصده أصحابها لمساعدتهم في بيعها، بعدما ادّعوا أنهم عثروا عليها في القلمون وفي ريف حلب وريف درعا.
تواصل الطبيب الشاب مع مختصين بالمخطوطات والآثار من السوريين المقيمين في لبنان، ليتبين أن توقعاته كانت في محلها: المخطوطات والقطع الأثرية كلّها مزورة، ومنها ما هو مزور تزويراً رفيع المستوى، ما يدل في رأيه على مدى احتراف من يقف وراء الأمر.
قصة تتكرر
للمخطوطات مفهومان. المفهوم الأول يدلّ على كل عمل مكتوب بخط اليد وغير منشور للعامة، ويستخدم عادة في مجال التأليف والطباعة والنشر.
أما الثاني، وهو المقصود في هذا المقال، فهو الكتب والكراسات المنسوخة يدوياً، وهي الطريقة المتعارف عليها لنشر المعرفة قبل اختراع الطباعة، أو قبل انتشارها انتشاراً واسعاً. وتعتبر هذه المخطوطات تحفة قديمة وأثرية لها ارتباط بالعلم والتاريخ.
قبل قرابة عام، نشرت وسائل إعلام لبنانية خبر إلقاء السلطات اللبنانية القبض على مواطن لبناني أثناء محاولته تهريب مخطوط إنجيل مذهب وبيعه، سُرق من كنيسة معلولا في سوريا وفق قولها، وأوردت صوراً لما قالت أنه المخطوط وهو مشابه لآخر تم ضبطه في تركيا أخيراً.
ومنذ أسابيع، وصل الموضوع إلى الإعلام التركي، حيث نشرت صحيفة "يني شفق" خبر إلقاء السلطات القبض على مواطن سوري في حوزته مخطوط إنجيل أثري، محاولاً تهريبه إلى خارج الأراضي التركية، وقد أورد الخبر أن المخطوط المزين بزخارف ذهب يعود إلى العصر البيزنطي، وتبلغ قيمته التقديرية مليون ونصف المليون دولار أميركي.
هذان المخطوطان في حقيقة الأمر مزوران، كتلك المخطوطات التي عرضت على دياب، بحسب خبير اطّلع على الصور المنشورة في وسائل إعلام لبنانية وجريدة "يني شفق" التركية.
بدأ هذا النوع من المخطوطات يظهر منذ منتصف عام 2012، تزامناً مع تطورات أمنية وعسكرية في منطقة القلمون السورية وهي منطقة تضم أديرة تاريخية وأثرية مثل دير مار موسى الحبشي في النبك، ودير مار سرجيوس وباخوس في معلولا، ودير مار يعقوب المقطع في قارة.
كانت القصص التي يرويها مروجو المخطوطات متعددة، منها أن بعضها وُجد إثر تنقيبات غير شرعية قرب أحد الأديرة أو إحدى الكنائس في القلمون، أو أن فصيلاً مسلحاً معارضاً أو فرقة من شبيحة النظام السوري سرقته من مكتبة دير أو خزانة كنيسة وتريد بيعها.
ويعمد المروجون الأساسيون أو الثانويون غالباً، إلى اللعب على وتر العاطفة الدينية نظراً إلى العنوان المفترض للمخطوطات ومحتواها المزعوم، وأيضاً على وتر قيمته المادية الكبيرة، مستهدفين العواطف الدينية وإغراء الكسب السريع لدى الزّبن المحتملين.
تزوير فاضح
بالعودة إلى المخطوطات التي عُرضت على دياب، كان التزوير واضحاً جدّاً، وأي خبير يستطيع كشفه في أقل من دقيقة.
يروي الخبير في علم المخطوطات والتوثيق مكاريوس جبور ما حصل معه في هذا السياق، إذ توجه مزوروها أو المروجون لها إلى الجهات الدينية المسيحية أولاً، حيث إنّ جبور المرجع الملائم لهذه الجهات لتقرير أصالة أي مخطوط وتخمينه. بعد الاطلاع على صور ليست واضحة لها لم يستطع البت في أمرها، فسافر من حلب إلى دمشق، حيث تم نقله إلى حي شعبي لا يعرفه، وبعد فحصها هناك اكتشف أنها مزورة.
قصص هذه المخطوطات تكررت مع جبور 6 مرات بين عامي 2012 و2017، منها 4 مرات عاين فيها المخطوطات المزعومة مباشرة، أما في المرتين المتبقيتين فكانتا من خلال صور، ودوماً لمخطوطات مزورة من النوع عينه.
يشرح جبور ما استند إليه لمعرفة التزوير، بدءاً من أنواع الجلود الاصطناعية والأحبار المستخدمة، وصولاً إلى الكلمات المكتوبة بالأحرف اليونانية بشكل سيئ وغير دقيق ولا صحيح، ما يعني أن المزور نسخ حروفاً يونانية بجوار بعضها بعضاً من دون أن تشكل كلمة صحيحة لجهله هذه اللغة.
ويشير إلى أن المخطوطات المزورة التي صنعت كلها من مادة أشبه بالجلد تثير الشك أيضاً، لأن الأصلية تكون في الغالب في منطقتنا ورقية، والجلد عادة يستعمل في تغليف المخطوط لا في تشكيل صفحاته.
ولتفسير الشكل القديم لهذه المخطوطات، يشرح جبور أن المزورين عمدوا إلى دفن المزورة في التراب لفترة، وعرّضوها للعوامل الطبيعية المختلفة كي تأخذ شكلاً عتيقاً ومستهلكاً.
لا شك في الأمر...
خلاصة القول، إن تزوير هذه المخطوطات لا شك فيه على الإطلاق، ولا تتوافر معطيات حتى الآن تفيد بتورط أحد في شرائها من مزوريها، فالجهات الرسمية دينية كانت أم حكومية لم تنطلِ عليها الخدعة، إذ لجأت إلى خبراء معتمدين.
أما المؤمنون فلن يقْدموا على شراء مخطوطات مشابهة سواء بدافع ديني أو تجاري من دون التحقق من أمرها، بخاصة أن المروّجين لها طلبوا مقابلها ملايين الدولارات. وهي غير حقيقية، ولا تساوي إلا قيمة المواد المصنوعة منها، وإن كانت تبدو قديمة المظهر.
أغلب الظن، أن مجموعة من المحتالين أرادت استغلال الظرف الحاصل في سورية، فزوّرت هذه المخطوطات من دون بذل جهد كاف في ذلك، ثم عملت على الترويج لها على أمل أن يلتقط أحدهم الصنارة ويعلق في الفخ.
قد تظهر في وسائل الإعلام لاحقاً أخبار مشابهة لمروجين أو مهربين تم القبض عليهم، وفي حوزتهم مخطوطات مشابهة، لكن الخوف أن يتكرر الأمر فيكتب عنها أنها مخطوطات أصيلة بينما هي مزورة لا تساوي شيئاً.