حتشبسوت: المرأة التي حكمت كفرعون لمدة 20 عاماً
منوعات | raseef22
الاربعاء ١٥ نوفمبر ٢٠١٧
أول امرأة تربعت على عرش مصر
بالرغم من شهرة النساء القويات على الحكم في مصر، ككليوبترا ونفرتيتي، إلا أن حتشبسوت التي عاشت بين عامي 1479–1458 ق.م.، تعدّ أول امرأة تمكنت من أن تصبح فرعوناً وتحكم مصر القديمة بنجاح، فكانت خامس ملوك الأسرة الثامنة عشرة المصرية القديمة.
ولكنها، رغم ذلك، من أكثر الشخصيات الفرعونية غموضاً، فليس بين أيدينا ما يكفي لنعرف لماذا تمّت محاربة آثارها، وحتى وقت قريب، كان موتها كذلك لغزاً محيراً.
The Temple
ولدت حتشبسوت أو "غنمت آمون حتشبسوت" (أي خليلة آمون المفضلة) في العام 1479 قبل الميلاد وهي الاِبنة الكبرى لفرعون مصر الملك "تحتمس الأول" والملكة "أحمس"، من الأسرة الثامنة عشرة، خلال عصر الدولة الحديثة.
ومع أنها كانت الخليفة الشرعية لوالديها، إلا أنّ العرش كان من نصيب أخيها غير الشقيق "تحتمس الثاني"، الذي تزوجت منه، وهكذا أصحبت ملكة مصر وعمرها 12 سنة.
وهكذا أصبحت الملكة وصية على ابن زوجها، إلا أن دورها لم يتوقف عند ذلك، فقد جلست على العرش لبقية حياتها، ولم يستلم تحتمس الثالث الحكم إلا بعد موتها.
من السنوات السبع الأولى لحكمها كوصية، شيدت تماثيل تجسد الوريث الطفل في هيئة ملكية، تسانده حتشبسوت. ولكن بعد السنة السابعة، بدأنا نجد تماثيل تجسد حتشبسوت بهيئة ملكية واضحة، وبلحية مستعارة، وقوة وهيبة.
في رأي جيل أقدم من الباحثين، أن تفسير ذلك يعود لكونها امرأة، حاولت أن "تتمسكن" حتى تمكنت. ولكن الدراسات الأجدد تشير إلى احتمال وقوع أزمة سياسية، وتهديد للسلطة من فئة منافسة للحكم، وكما تقول كاثرين روهريك، القيمة على قسم الفن المصري في متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، أنّ إعلان حتشبسوت نفسها كحاكم، وليس كوصية، ربما كان هدفه الحفاظ على العرش لصالح ابن زورجها تحتمس الثالث.
عهد مليء بالإنجازات
من الصعب تحديد مسار حكم حتشبسوت بدقة، غير أن الخبراء أجمعوا على أنّ حتشبسوت تمكنت من إقناع الكهنة بقدرتها على تولي الحكم، وأنها أقامت حكماً مستقراً، وأصبحت بشكل رسمي أول امرأة تقوم بدور الفرعون.
شهدت البلاد في ظل حكمها ازدهاراً ملحوظاً وتميّز عهدها بقوة الجيش والبناء، إلا أنها لم تحاول أن توسع رقعة حكمها ولم تكن مهتمة بالغزو، كما فعل تحتمس الثالث بعدها.
وبدلاً من ذلك، حرصت الملكة على تعزيز الوضع الاقتصادي واهتمت ببناء وترميم المعالم الأثرية في جميع أنحاء مصر وبخاصة معبدها الذي خصصته لعبادة الإله آمون، كما أنها قامت بتطوير قطاع التجارة من خلال إنشاء أسطول تجاري يخدم البعثات التجارية شرقاً وجنوباً.
كما أنّ حنكة حتشبسوت السياسية تجلت في اختيار وزرائها، حيث أحاطت نفسها بعدة مساعدين مخلصين استطاعوا الفوز بثقتها، كان على رأسهم المهندس "سنموت" الذي بنى لها معبدها العظيم في الدير البحري وحفر نفقاً بين مقبرتها ومقبرته، لهذا اعتقد بعض المؤرخين أن علاقة حب "أفلاطونية" كانت تجمعه مع ملكته.
حتشبسوت تحكم البلاد بزي رجل
لم يكن من المألوف في عهد حتشبسوت أن تجلس المرأة على العرش وأن تحكم البلاد، إذ أن هذا الأمر فسّر على أنه مخالف للمعتقدات الدينية التي كانت سائدة في حينها، فقد كان كل ملك من ملوك مصر يمثل بحكمه إله الشمس الذي كان يرمز إلى الخير والعدل.
وبالتالي كان من المتوقع أن يلعب الرجل دور الفرعون. ومن هنا كان وصول حتشبسوت إلى العرش بمثابة تحدّ للأفكار التقليدية وقد اعتبر مغايراً للمعتقد الديني.
قد تكون هذه الظروف هي التي دفعت حتشبسوت للقيام بخطوات هدفها طمأنة من حولها أن المفاهيم المتعارف عليها حول السلطة، ومباركة الآلهة لن تتغير. أولها أنها أخذت لنفسها لقب "معات كا ري" والذي يدلل على العدل وروح رع.
كما أنها كانت تصوّر نفسها في هيئة الملك التقليدي مع تاج ولحية مستعارة وذلك بهدف تأكيد سلطتها.
محاولة محو التاريخ
خلال فترة حكمها، واجهت حتشبسوت الكثير من الصعوبات والتحدي لسلطتها، وقد وصل ذلك لذروته مع قيام أحد الأشخاص بمحاولة إلغاء ذكرها من التاريخ ومحو اسمها من الآثار التي تركتها.
كثرت النظريات بشأن محاولات تشويه صورة حتشبسوت، وشاعت لعقود نظرية مفادها أنّ تحتمس الثالث، قد حاول إلغاء وإخفاء ملامح حكمها وذلك بهدف جعل الناس تنسى هذه الفترة من مصر القديمة، من هنا قام باستبدال تماثيل "حتشبسوت" بتماثيل أخرى تعود لزوجها المتوفي "تحتمس الثاني"، وأن ذلك جاء كنوع من الانتقام لأنها استولت على حكمه.
إلا أنّ هذه النظرية ليست أكثر من "قصة رائعة"، كما تقول رينيه دريفس، القيمة على قسم الفن القديم في متحف سان فرانسيسكو، فهي تفسير نابعٌ من نظرة (ذكورية) متحيزة سادت مجال الآثار والتنقيب في فترات معينة.
والنظرة إلى حكم حتشبسوت قد تغيّرت مع انفتاح الدراسات الإنسانية، فبعد أن كانت تعتبر "زوجة الأب التي استولت على الحكم"، أصبح هناك مجال لدراسة انجازاتها وحكمها الذي اعتبر فعالاً وناجحاً.
توفيت الملكة "حتشبسوت" في العام 1458 قبل الميلاد، وحتى فترة قريبة لم يكن أحد يعلم كيف انتهت حياتها وبقي موتها لغزاً يحيّر العلماء خاصة في ظل اِختفاء المومياء الخاصة بها.
كما راجت نظرية تتهم "تحتمس الثالث" بأنه من قتلها بدافع الغيرة والغضب بعد أن "سلبت" منه العرش، إلا أن العلماء استبعدوا هذه الفرضية، ورجحوا أن يكون سبب وفاتها مرتبط بمرهم يحتوي على مكونات سامة كانت تستخدمه لحل مشكلة جلدية مزمنة تعاني منها.
وفي العام 2007، بعد بحث مكثف لتتبع أثرها، تمكن الدكتور زاهي حواس وفريق المشروع المصري لدراسة الموميات الملكية من فحص مومياء اتضح من خلال فحص ضرس كان موجوداً داخل صندوق أحشائها، أنها تعود للملكة حتشبسوت، والتي تبيّن أنها ماتت في سن الـ55 بسبب مرض السرطان.
في كتابها "حتشبسوت: المرأة الفرعون"، قدمت الباحثة في علوم الآثار، جويس تلديسلي سيرة المكلة، وفيه تقول أننا عندما نقرأ عن حتشبسوت، نعتقد بأننا نعرف الكثير، ولكن كلما دققنا بما بين أيدينا، تبين لنا أن هناك الكثير مما لا نعرفه عنها، ومن هنا يأتي الغموض في شخصيتها وسيرتها.
كما اقترحت تلديسلي فرضية أنّ حتشبسوت كانت مدركة لفرادة حكمها، وأنّ "ربما كان لديها تخوفٌ من أنْ يُمحا ذكرها من التاريخ، أو أن يُساء فهمها"، ففي آخر سنوات حكمها أمرت ببناء مسلتين في الكرنك، نقش على إحداها:
"الآن يتطلع قلبي إلى هنا وهناك، وأنا أفكر بما سيقوله الناس، أفكر بهؤلاء الذين سينظرون إلى آثاري بعد سنين، وسيتحدثون عما أنجرته".