تعمق الثورة
بقلم: د.حمدي الحناوي
أتى أمر الله، وتوالت أحكام حبس من كانوا بمثابة أنصاف آلهة، ووصل الأمر إلى الحكم بحبس الرئيس السابق هو وأبنائه، وفى الانتظار آخرون. هكذا يتعمق التحول السياسى، فمتى يتعمق التحول الاجتماعى؟ لا تقوم الثورة لتغير فقط أجهزة الدولة ونظمها بل لتغير حياة المجتمع ونظمه قبل كل شئ. وقد ظهرت مؤشرات لهذا التحول حين احتشد الملايين فى طوابير الاستفتاء، وفيهم من النساء مثل أعداد الرجال.
تلك إشارة إلى أن المرأة لم تعد كائنا هامشيا، بل مواطنا قادرا على الفعل. والمؤكد أن الثورة المضادة ليست سعيدة بهذا، رغم أن طوابير النساء كان يغلب عليها الحجاب. ذلك لأن تعمق دور المرأة يمر من خلال منظومة القيم الاجتماعية، ولا بد من تغير فى تلك المنظومة لتتسق مع التعمق اللازم. وقد انتصرت الحرية السياسية، والحرية نداء غلاب يوسع نطاق اختيارات الناس ويشدهم إلى آفاق لم تكن فى أحلامهم.
تدفع الحرية المجتمع إلى نقد ذاته ومواجهة مشكلاته، وإزالة ما يعترض هذه العملية من قيود. ويقتضى هذا إعادة فرز منظومة القيم السائدة، وعزل ما تقادم منها ولم يعد صالحا، وإحلاله بقيم جديدة. أما من أين تأتى القيم الجديدة، فهنا مربط الفرس. وقد انقسم المجتمع المصرى منذ عقود ما بين شرائح تتبنى قيم الحضارة الحديثة، وأخرى نكصت واختارت أن تعود إلى الوراء ألف عام. وبين هذا وذاك ملايين حائرة لم تحسم أمرها، المعركة دائرة لضم هؤلاء.
يعلم أعداء الحرية أنهم لا يمكن أن يكسبوا معركتهم فى مواجهة مباشرة، ولهذا يناورون دائما للالتفاف. والمناورة الآن تستخدم أسلحة قديمة لكنها ما زالت مؤثرة، تخصص كثير من مفرداتها لإثارة النعرة الدينية. والآن تخلط نعرة الدين مع بهارات الجنس التى تشد المصريين لتضاف نكهة خاصة للإثارة. وهكذا يخرج كل حين تجمع غاضب يتحدث عن علاقة بين قبطى ومسلمة. وملايين التعاملات اليومية بين أبناء الوطن الواحد لا بد أن تشمل قبطيا ومسلمة، ولا بد أن يكون هذا قد تكرر ما لا يحصى من المرات قبل ذلك، لكنه يبدأ رصده الآن فقط.
على أى حال، لا تهمنا مراجعة التفاصيل، وكيف يبدأ أو ينتهى لقاء عابر أو علاقة دائمة. ويهمنا أولا أن نزيح جانبا تلك الكلمة المثيرة التى تزيد طعم البهارات قوة، وهى كلمة "قبطى". لو ذهبت امرأة مسلمة إلى بيت رجل مسلم غير متزوج فالمنظر لا يختلف، والثقافة السائدة ترفض ذلك، والزج بالقبطى فى الحكاية يوسع فقط أبعاد الإثارة. وهنا ركن مظلم فى بنية المجتمع الثقافية، يشوه صورة العلاقة بين الرجل والمرأة.
تكاد الثقافة السائدة لا تصور رجلا إلا أن يكون باحثا عن المتعة، أو امرأة إلا أن تكون شيئا يستمتع به أى رجل دون أن يكون لها اختيار. وهذه صورة زائفة لرجال مصر ونسائها. وصورة الزواج الحلال ليست أفضل، فهو عقد لممارسة الجنس. يكاد يكون عقد بيع، يتولى التفاوض لإتمامه من يسمى ولى المرأة. كأنما هو صاحب البضاعة، يتفق على قيمة الصفقة وشروطها، ويبلغ صاحبة الشأن أنه قد جاء لها بأفضل الشروط.
توضع المرأة فى وضع أدنى فى جميع الأحوال، فهى دائما مطمع للرجل، ومجرد هدف جنسى. ويقف الرجل دائما معتزا برجولته، وستعتز المرأة أيضا بتلك الرجولة، ولكن ما هى الرجولة؟ أهى قدرة على مضاجعة النساء؟ هذه ذكورة فحسب، والرجولة شهامة قبل كل شئ. ومن الرجال شبيه ببطل قصة قصيرة حمله نجيب محفوظ، إلى عربة بائع للروبابيكيا كان يمر فى لحظتها.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :