الأقباط متحدون - هل تؤدي التطورات المتسارعة في السعودية الى اقتراب المملكة من بركان ربيع عربي جديد
  • ٠٩:٣٠
  • الجمعة , ١٠ نوفمبر ٢٠١٧
English version

هل تؤدي التطورات المتسارعة في السعودية الى اقتراب المملكة من بركان ربيع عربي جديد

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٠٠: ٠٨ م +02:00 EET

الجمعة ١٠ نوفمبر ٢٠١٧

السعودية
السعودية

الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج
الخطوات التي حث على اتخاذها الأمير محمد بن سلمان منذ توليه ولاية العهد تمهيدا لتتويجه ملكا على السعودية، كانت بلا شك خطوات مباركة ومشجعة من الكثيرين في داخل السعودية، لا بل ومن سياسيين خارجها كالرئيس دونالد ترامب مثلا. اذ تضمنت تلك الخطوات برنامجا لتطوير صناعي واقتصادي في المملكة، اضافة الى مخطط (نيوم) الطموح الذي تضمن انشاء جسر يصل السعودية بكل من مصر والاردن، كما تضمنت خطواته السعي  الفوري للحد من سطوة التيار الاسلامي المتشدد والتوجه نحو الاسلام الوسطي المعتدل، وادت الى اعتقال شيخين من شيوخ الافتاء المتطرف، مع سعي غير حثيث بعد للحد من تأثير الوهابيين في القرار السياسي أو الاداري او الاجتماعي، والذي مثل تحديا له السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة بعد حظر طويل، مما شكل تعارضا واضحا لتوجيهات شيوخ الوهابية المعارضين لخطوة كهذه، كما شكل واحدة من اول سمات هذا التوجه الذي رحب به العديدون في المملكة، وتوقعوا بأنه بانه يشكل خطوة اولى  لتوجه السعودية نحو السعي الحثيث للتحرر من قيود الماضي بما يمثله من تخلف، والسعي للانخراط في حضارة القرن الحادي والعشرين.

ولكن الخطوة الأخيرة اللاحقة رغم عدم تبلورها بعد، وعدم انكشاف اسبابها الحقيقية من كونها مسعى لاجتثاث الفساد في السعودية، ام رغبة في تقليم اظافر كل المعارضين لتبوء الامير محمد عرش المملكة، كونها خطوة تغتال التقاليد التي اعتادها السعوديون في تبوء ابناء الملك عبد العزيز فحسب عرش المملكة، والأحياء منهم كثر ومنهم مثلا الامير طلال بن عبد العزيز، وليس  تبوء بن سلمان العرش....هذه الخطوة وما تبعها مؤخرا من خطوات شملت اعتقال امراء وبعض كبار المسؤولين، رجح بعض المراقبين انها قد تكون خطوة مرتجلة  ومتسرعة، لكونها قد تؤدي الى اجتثاث نسبي للفساد، ولكنها ايضا قد تضع الدولة على عتبة انطلاق الشرارة الأولى لربيع عربي في المملكة، عندما توقع العديدون في الماضي أن السعودية ستظل بعيدة عنه، ولن تطالها موجة الربيع العربي الذي ضرب منذ بداية العقد الحالي من هذا القرن، مصر وتونس وسوريا والعراق واليمن، وها هو يتجه الآن نحو لبنان ايضا.

فالمعتقلون كثيرون، ومع ان المدعي العام قد ذكر أن عددهم 208 فقط،  قالت بعض وكالات الأنباء ومنها سي ان ان، أن عدد المعتقلين أكثر من ذلك، وربما بلغ الخمسمائة معتقل من الأمراء، وبعضهم ابناء ملوك سابقين كابني الملك عبد الله  واحدهما كان الأمير متعب بن عبد الله الذي كان قائدا  للحرس الوطني الذي يضم الوف المقاتلين المسلحين الذين يرجح أن بعضهم قد حافظ رغم الاعتقال، على ولائه لقائدهم الأمير متعب. كما شمل الاعتقال ابن الملك فهد، اضافة الى محمد بن نايف ولي العهد السابق الذي عزل من منصبه كولي للعهد، ليحل محله ولي العهد الثاني أي الأمير محمد بم سلمان. كما شملت الاعتقالات ايضا عددا من الوزراء السابقين،  بل وشملت اربعة من الوزراء الحاليين الذين كانوا قبل يوم او يومين من اعتقالهم، يشلركون  في جلسة لمجلس الوزراء ترأسها الملك سلمان – رئيس الوزراء، كما شارك فيها ولي العهد – نائب رئيس الوزراء. بل وادت العملية حتى الآن لتنفيذ ما قد يكون اجراء عسكريا تمثل بقصف واسقاط الطائرة (كما تقول صحيفة يدوعوت  احرونوت)  التي كانت تضم  الأمير منصور بن مقرن الذي كان يسعى مع آخربن للهروب من السعودية  لتجنب الاعتقال. 

ويعزز القول بأن عدد المعتقلين قد بلغ عدة مئات، أن اللجنة المكلفة بمكافحة الفساد والتي يرأسها ولي العهد، قد امرت الآن باخلاء فندق حياة ريجنسي من المقيمين فيه، لتحويله الى سجن آخر يقيم فيه المعتقلون أو الموقوفون من الأمراء والمسؤلين السابقين بل والحاليين، بعد ان كانت قد اخلت من قبل فندق ريتز كارلتون لتحوله الى سجن يوضع فيه اوائل المعتقلين. 

ويعتقد البعض ان عمليات التطهير من الفساد والفاسدين اذا كانت جادة في خطواتها، يفترض بها أن تتوسع في مهماتها لتشمل اولئك الذين اساءوا استغلال المال العام السعودي، والذي هو مال عائدات النفط السعودي الذي يفترض يه من حيث المبدأ، أنه مال الشعب السعودي وليس مال الأسرة المالكة... أسرة الملك عبد العزيز بن سعود  وابنائه المتعددين، بل واحفاده الذين يزدادون عددا يوما بعد آخر.  فهذا ما يتطلع اليه المحدثون السعوديون المباركون لخطوات ولي العهد باعتبارها خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى تنهي احتكار اسرة الملك عبد العزيز لمال النفط السعودي الذي هو ملك الشعب، رغم تكرمهم  بتكريس جزءا منه  لتطوير الاقتصاد والصناعة وبعض المدن السعودية كمدينتي جدة والرياض، متناسية عشرات بل مئات القرى السعودية المتخلفة عن ركب الحضارةـ، بل ويعيش الآلاف... بل مئات الآلاف من فقراء السعوديين في اكواخ خشبية او معدنية، ويعاني بعضهم من الفقر المدقع الذي يرافقه اسراف (مبدع) لمال النفط السعودي  من قبل امراء الأسرة المالكة السعودية، الذين ينفق بعضهم الكثير من الاموال على موائد القمار في مدن الدول الغربية، وعلى حسناواتها، اضافة الى شراء السيارات الفارهة التي قد يبلغ ثمن بعضها النصف مليون دولار، في وقت ينام فيه بعض السعوديين وهم  جياع... ولا اود ان اقول شبه عراة كي لا اتهم بالمغالاة والتهويل.  كل ما في الأمر، أن خطوات مطورة  كهذه التي اتخذها الامير محم بن سلمان لملاحقة من اساء استخدام مال الشعب السعودي، قد تشمل كل الأسرة المالكة بما فيها ولي العهد ، ولا أود أن أقول بأنها قد تشمل  الملك سلمان نفسه، فالملوك لا يجوز أبدا أن تتطالهم تهم كهذه.

ولكن رغم الجدوى المباشرة التي قد تحققها لجنة التحقيق في الفساد التي تسعى لاسترداد مائة مليار دولار تقول اللجنة انها قد اختلست من المال السعودي، فانها قد اهملت الاحتمال الصغير حتى الآن، بأن هذه العملية رغم شرعيتها وضرورتها، فانها قد تجاهلت التطورات الخفية المحتملة اللاحقة وغير المتوقعة  التي قد  تنجم عن هذا التحرك، وذلك كعادة المخططين الاستراتيجيين  اجمالا، اذ  يفكرون دائما في الانجازات الفورية والمباشرة لاستراتيجيتهم،   متناسين ما قد تؤول اليه أو يطرأ عليها في نهاية مطافها وليس في بدايتها، عندما كان يفترض بالمخطط الاستراتيجي ان يأخذ بعين الاعتبار ما قد تصل اليه استراتيجيته في نهاية مطافها دون الاكتفاء فحسب بتقدير ما قد تنجزه في بداياتها، لان النهايات غالبا ما تكون درامية  بل ودموية أيضا.

 فالأميركيون مثلا عندما خططوا لتقديم الدعم الخفي للامام خميني في مسعاه للوصول الى السلطة في ايران، قدروا فحسب الانجازات  الفورية والمباشرة التي سيحققها تطور كهذا يؤدي لجلوس الخميني على عرش السلطة الايرانية . وكانت الانجازات الفورية تتلخص يالحيلولة دون وصول اليساريين والشيوعيين الى السلطة بعد اسقاط الشاه، بل وقد تؤدي ايضا الى مشاغلة وربما ايضا مقاتلة الاتحاد السوفياتي عبر الحدود المشتركة بينه وبين ايران، خصوصا وأن  الخميني كرجل دين اسلامي يفترض به ان يكون كارها للشيوعيين الملحدين. ولكن اذا كان ذاك هو تصورهم للانجازات المباشرة لمناصرتهم الصامته للخميني، وتقديم العون والتسهيلات لتحقيق حلمه في الوصول الى السلطة، قد تناسوا احتمالات التطورات اللاحقة غير المرئية والمفاجئة وغير المتوقعه، والتي تمثلت لاحقا بمهاجمة انصار الخميني للسفارة الأميركية، بل  ولتوجه الخميني لمعاداة ايران  للولايات المتحدة عداء مباشرا بتسميتها بالشيطان الاكبر.

وتكرر هذا الخطأ الأميركي في افغانستان عندما انقلب عليهم المجاهدون الذين قامت بتدريبهم وتسليحهم لمقاتلة الحكومة الشيوعية  والجيش السوفياتي  السشيوعي الملحد الذي جاء لمناصرتها، اذ انقلب اولئك لاحقا على الأميركيين  وشكلوا تنظيم القاعدة التي قصفت فيما بعد البنتاغون، وفجرت البرجين الشهيرين في نيويورك.

واذا كان ذلك قد حدث في القرن الماضي، فان ذاك النهج المتسرع  في رسم خطوط الاستراجيات على ضوء ما قد تحققه من انجازات فورية دون توقع التطورات اللاحقة عليها، التي تنحرف بالاستراتيجية في نهاية مطافها، نحو نتائج غير متوقعة او مرغوب بها..... هذه الاستراتيجية الأميركية المتسرعة والخاطئةـ، قد  تكررت في القرن الحادي والعشرين، عندما باركت وساهمت في تشجيع بعض الدول في الخليج على اشعال الفتنة في سوريا المستقرة والمكتفية ذاتيا، بغية اسقاط النظام الممانع لبعض المخططات المشبوهة. فقامت بتزويد المرتزقة بالسلاح والمعلومات الاستخبارية في مسعى لاسقاط الرئيس بشار الأسد، واحلال حكومة اسلامية محله غير ممانعة للحلول الأميركية  الاسرائيلبية لقضايا المنطقة وخصوصا القضية الفلسطينية. ولكن ماذا كانت النتيجة؟

لقد كانت تحول سوريا  نتيجة ما تدفق عليها من آلاف المقاتلين من العرب والأفغان والصوماليين والشيشان، الى ماكنة لتفريغ الارهابيين الذين يزرعون الخوف والدمار ليس في البلاد العربية فحسب، بل وفي البلاد الأوروبية والأميركية ايضا، الأمر الذي لم يتوقعه الأمير بندر بن سلطان، المخطط الأكبر لتلك الفتنة (ربما بمشاركة أميركية) بصفته مديرا للمخابرات السعودية. ذلك أن الحرب السورية لم تؤد لاسقاط الرئيس الأسد، المستهدف المباشر من تلك الفتنة، بل مهدت لحصول روسيا الاتحادية عل موطىء قدم عسكري في سوريا غير قابل للانهاء في وقت قريب، اضافة لتزايد النفوذ الايراني غير المرغوب فيه  سعوديا  أو أميركيا، الأمر الذي لم يتوقعه السعوديون او الأميركيون أـو حتى الاسرائيليين  الأكثر استفادة من الحرب في سوريا.

ومن هنا بات على منفذي نهج مكافحة الفساد في السعودية، أن يدركوا بأن المستهدفين بالتحقيق،  ليسوا مجرد افراد او مواطنين عاديين، بل هم قيادات لقبائل وعشائر كل رجالها مسلحين، وربما لا يرتاحون لما يجري لبعض قياداتهم بل وزعمائهم، مما قد يثير نقمة في صدورهم ربما تشعل فتنة لم يتوقعها المخططون السعوديون،  وهي فتنة قد يرتاح لها وربما يغذيها  شيوخ الوهابية الذين يسعى الأمير محمد بن سلمان لتقليم أظافرهم، وبالتالي قد تنحرف هذه الفتنة الصغيرة، لتصبح لاحقا أكبر فأكبر،  خصوصا اذا غذاها مقاتلون من الحرس الوطني الممتعضين من اعتقال اميرهم متعب بن عبد الله، والذي هو ابن ملك، نتيجة اوامر صارة عن ابن ملك هو الامير محمد بن سلمان... لتتحول موجة الغضب هذه  تدريجيا، الى بركان ربيعي عربي جديد.

وقد بدأت تظهر بعض الدلالات على هذا الاحتمال، عندما وقع تبادل اطلاق نار بين ألأمير عبد العزيز بن فهد والذي هو أيضا ابن ملك هو الملك فهد) والجنود القادمين لاعتقاله. ورددت بعض الوكالات خبر مقتل الأمير عبد العزيز، الا ان المسؤولين في السعودية سارعوا الى نفي ذلك مؤكدين بان ابن الملك فهد لم يزل حيا يرزق. فاذا وقعت الفتنة التي نرجو الا تقع، يخشى أ ن يسارع  الحوثيون في اليمن  ذات الحدود الطويلة مع السعودية، الى تغذيتها بالسلاح وربما بالرجال أيضا، بل وقد تغذيها أيضا دولة قطر ذات الحدود القابلة لمرور السلاح عبرها الى أولئك الناقمين، اضافة للمخاطر التي قد تنجم عن فتنة في شرق السعودية ذات الأغلبية الشيعية الناقمة منذ زمن بعيد على الحكومات المتوالية على عرش السلطة في الرياض.

ولعل اشعال النزاع السعودي مع قطر في هذه المرحلة بالذات، وهو النزاع الذي حولها فجأة من دولة صديقة الى دولة معادية... لم يكن خطوة في الاتجاه الصحيح على ضوء ما تبعها من تشكيل لجنة تكافح الفساد بنهج قد يؤدي الى تطورات مفاجئة وغير مرغوب بها، لكنه يشكل فرصة لدولة قطر التي تضررت من المقاطعة السعوديةـ، لتغذية موجة العداء من بعض السعوديين لتوجهات الأمير محمد بن سلمان، المبالغ في تطلعاته الطموحة، وكان منها أولا ترويض دولة قطر عبر عزلها، ولاحقا ترويض عدد بارز من امراء السعودية ورجالاتها عبر اتهامهم بالفساد واساءة استغلال المال العام، رغم ان اساءة استغلال المال العام...مال الشعب السعودي،  يتم  ومنذ زمن بعيد، من قبل الكثير من اعضاء الاسرة السعودية المالكة  لزمام الأمور في المملكة.  

•    ومن هنا، ورغم مباركتي لخطوة مكافحة الفساد في السعودية، بل وفي كل الدول العربية، فاني اتمنى أن ينتبه المخططون السعوديون لاحتمالات وقوع المفاجئات من سعوديين ناقمين، أو من دول جوار ناقمة على المسلك السعودي المنشغل في العديد من المعارك غير المرئية ضد سوريا وضد قطر وضد اليمن،ـ بل ومن نقمة بعض دول الجوار الصغيرة التي حجبت عنها المساعدات المالية السعودية نتيجة انشغال المملكة بحروب كثيرة في سوريا وفي اليمن، وها هي تستعد لاشعال حرب أخرى بالوكالة في لبنان كما قال بصراحة أحد المسؤولين السعوديين  دون أن ننسى انشغال السعودية باشعال وتغذية العداء لايران...فهذه الحروب الكثيرة والتي كان  بعضها حربا مباشرة كما هو حاصل في اليمن، وغير مباشرة، أي حرب بالوكالة عنها كما حدث في سوريا وبات من المتوقع حدوثه في لبنان، مع أمل المحبين للسعودية، بأن تتوقف عن اشعال الحروب التي انهكت ميزانيتها وتسببت بعجز مالي كبير فيها، وأن  تتفرغ امراقبة احتمالات انتقال بركان الربيع العربي الى ربوعها.. فالمملكة السعوية نتيجة التطورات الطموحة لكن المتسارعة، قد تحصد في وقت لاحق نتائج غير مستحبة للأسرة الملكية الحاكمة وللشعب السعودي أيضا، سواء  اتت تلك النتائج من ربيع عربي، أو من تحرك آخر تحت مسمى آخر.

الاعلامي العربي الأول والمتميز لعام 2017، كما أسماه مجلس الاعلاميين العرب الموحد.
المستشار في المركز العربي الأوروبي لمكافحة الارهاب - برلين

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع