الأقباط متحدون - على هامش أزمة كنائس المنيا.. الفقه الإسلامي وبناء الكنائس!
  • ١٧:٥٠
  • الاثنين , ٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

على هامش أزمة كنائس المنيا.. الفقه الإسلامي وبناء الكنائس!

د. ماجد عزت اسرائيل

مساحة رأي

٠٣: ٠٤ م +02:00 EET

الاثنين ٦ نوفمبر ٢٠١٧

كنيسة_أرشيفية
كنيسة_أرشيفية

  د.ماجد عزت إسرائيل 

  أن تاريخ المسيحية في مصر، هو من تاريخ المسيحية نفسها، والتي بدأت في القرن الأول الميلادي، والكنيسة القبطية على مر التاريخ نموذج فريد للمجتمع المتدين، الذي عاش في مواجهه التميز العنصري، والمتاعب من كل نوع، بما فيها الاضطهاد والظلم الفادح للأقباط. ونحن مدينون للقديس "مار مرقس الرسول " الذي سميت أول كنيسة في بلادنا على أسمه، وفيها دفن جسده الطاهر، ومن عند ذلك الجسد، كان البطاركة يختارون، وكان أول عمل لهم هو التبرك بمزاره، واحتضان رأسه الطاهرة وإلباسها كسوة جديدة.

وأصبحت الكنيسة مركز القيادة – يوم الأحد – رائعة في طقوسها القديمة، التي لا تزال تدل على تمسك الكنيسة المصرية الرسولية والرهبانية الأولى، كما قاد بطاركة الإسكندرية المجامع المسكونة، ووضعوا المبادىء القانونية للأيمان المسيحي، وشاركوا في التعليم المسيحي لكل العالم. ويقال إن الكنائس القبطية اضطرت –بصفة خاصة في الإسكندرية في عام 539م – عندما تم طرد الأقباط الأرثوذكس من كنائسهم بواسطة القوات البيزنطية، لبناء كنائس خاصة بهم مثل كنيستي "الإنجيليون   Angelion   " قزمان و دميان ،وأصبحتا من مراكز العبادة القبطية بالإسكندرية ،في تلك الفترة الصعبة .
 
   ومع بداية الغزو العربي (641م) لمصر، اعتمد على القاعدة الفقهية الأكثر شيوعاً في مصر في إبقاء الكنائس القديمة قبل الفتح الإسلامي،بل الكنائس والأديرة الموجودة ،مع عدم جواز بناء كنائس جديدة ،وأجازات تجديد وترميم الكنائس القديمة ،وعدم قبول بناء كنيسة جديدة في كل مكان بدلا من كنيسة قديمة في مكان أخر.وعلى الرغم من منع الفقه الإسلامي، لإقامة كنائس جديدة، أو أجراء توسعات في الكنائس القديمة، وكراهية الأقباط لهذا الشرط – وهو ما تنادى بها كل الأوساط المسيحية بإصدار قانون دور العبادة الموحد  وليس قانون خاص بالأقباط   وهذا ما نتمناه – فقد شهدت مصر الإسلامية العديد من المحاولات الناجحة للأقباط في إنشاء كنائس جديدة، وفى العصر العثماني، حاول الأقباط الالتفاف حول هذا الشرط يشتى الطرق، فإذا كان الفقه الإسلامي، قد اشترط عدم استحداث كنيسة جديدة، فلقد لجاء الأقباط إلى بناء كنائس وقاعات صلاة جديدة داخل الكنائس والأديرة القديمة، أو بجوارها وأحيانا داخل أسوارها، وبذلك لا يكون بناء كنيسة جديدة في منطقة جديدة، مع ملاحظة مخالفة ذلك لأحكام الفقه الإسلامي.
 
    وخير مثال على ذلك، قام البابا "مرقس "البطريرك رقم (101) في سنة 1370ش/1653م، ببناء قاعة للصلاة في كنيسة السيدة العذراء، بحارة زويلة بالقاهرة، كما سمح للأرمن بإقامة صلواتهم فيها حتى تبنى كنيستهم في شارع السورين، وأيضا بنى المعلم إبراهيم الجوهري في عام 1773م كنيسة باسم مرقوريوس "ابوسفين "بجانب كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة بالقاهرة.
 
     وهذا المثل الأخير دليل على صدق الاستنتاج القائل بأن الأقباط لجأوا إلى الالتفاف حول شروط بناء الكنائس عن طريق بناء كنائس جديدة، بجانب الكنائس القديمة أو في داخل أسوارها، لان المعلم إبراهيم الجوهري كبير المباشرين الأقباط بما له من صلات وطيدة بالإدارة، لم ينجح في بناء كنيسة جديدة في حي المقسم (المقس أي الإزبكية) الذي يعيش فيه، بينما نجح في بناء كنيسته الجديدة في حي أخر بجانب كنيسة قديمة مع أن حي المقسم ظل طيلة العصر العثماني بلا كنيسة، وهو اكبر الأحياء القبطية بالقاهرة.
 
  وأخير نجح أحد الأراخنة الأقباط وهو المعلم "إبراهيم الجوهري " في الحصول على فرمان لبناء الكنيسة المرقسية بالإزبكية عام (1800م)، وربما يتساءل البعض كيف حدث ذلك ؟ 
   هنا قصة حقيقية وراء الحصول على فرمان بناء الكنيسة المرقسية، حيث يرجع الفضل إلى المعلم إبراهيم الجوهري؛ فقد حدث أن أحدى أميرات البيت السلطاني (العثمانى)، قضت في مصر فترة من الزمن وهى في طريقها إلى الحج، وتعين عليه أن يكون في خدمتها طول فترة بقائها في بلادنا، فلما أزمعت على الرحيل أرادات أن تعبر له عن شكرها لما قام به من خدمات، فسألته عما يريد.فطلب إليها أن تصدر له الفرمان بالبناء، وفعلاً استصدرته له، على أن الله تعالى لم يسمح له بأن يعيش الكنيسة التي سعى إلى أقامتها، فبدأ فيها ثم استكملها أخوه "جرجس الجوهري"، وقد أصبحت منذ ذلك المقر البابوي إلى ختام حياة البابا "كيرلس السادس "البطريرك (116)(1959- 1971م ).
 
     وبناء الكنيسة يتطلب أموال كثيرة، ولكن الله دبر ذلك عن طريق أحبائه، الذين وهبوا أموالهم وأرواحهم ومحبتهم له، فقد أوقف الكثير من الأراخنة ومنهم المعلم " إبراهيم الجوهري"و "جرجس الجوهري " والمعلم "انطون أبو طاقية "والمعلم "ملطى "، وغيرهم أوقفوا من أملاكهم على خدمة الكنيسة المرقسية ،حتى بلغ عدد الحجج(عقود) المثبتة لتقدماتهم ما يقرب من مائتين وثماني وثلاثين حجة محفوظة الآن بالمكتبة البابوية بالازبكية . ومع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبمجي أبو الإصلاح البابا "كيرلس الرابع " البطريرك (110) (1854- 1861م )، وبتأييد والى مصر "محمد سعيد باشا " (1854- 1863) قام بهدم الكنيسة المرقسية القديمة، وأعاد تجديدها لكي تتحلى بثوبها الجديد ليجعلها لائقة بصدارتها، وبالفعل كان يوم الخميس 29 برمودة سنة (1575ش/1859م )الموعد الذي حدده لإعادة افتتحها، بحضور رو ساء الكنائس وكبار ورجال الدولة والعلماء المثقفون، وكان احتفالاً له روعته.
 
     على آية حال، كان ذلك ضمن سلسلة من إنجازات أبو الإصلاح الذي أنشاء المدرسة الكبرى، ومدرسة البنات، وعنايته بالغة القبطية وبالألحان الكنيسة وشراؤه مطبعة، وتنظيمه المكتبة البابوية واهتمامه بالكهنة وإنشاؤه ديوان الأوقاف القبطية إضافة إلى موافقة السياسية نحو الوطن.
 
   كما لعبت الكنيسة دورا اقتصاديا هاما في انتعاش حي الازبكية وخاصة بشارع كلوت بك (أحد أشهر الأطباء الفرسين )حيث انتشرت المتاجر التجارية والوكالات والخانات (الفنادق) وأصبحت ظاهرة ديمغرافية في تركز السكان بجوارها، علاوة على قربها من السكك الحديدية (محطة باب الحديد ) وسهول المواصلات، مما جعلها منارة للعلم ومقصد المؤمنين للصلاة بها، ولا تزال تقوم بهذا الدور حتى يومنا هذا، بالرغم من نقل الدار البطريركية إلى العباسية. وظلت الكنيسة المرقسية مقراً للبطريركية، ومكانا لاستقبال الوفود المحلية والعالمية، كما أنها مقراً لديوان الأوقاف القبطية، ومكاناً لاجتماع المجلس الملي العام ومناقشة قضايا وهموم الأقباط، حتى حصل البابا "كيرلس السادس "البطريرك (116)على قرار من الرئيس "جمال عبد الناصر "(1954-197.م) بمنح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية أرضا لبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (حاليا )  وبعدها أصبحت المقر الرسمي للبطريرك حتى يوما هذا.
 
   وفى عهد الرئيس السادات (1970-1981م) استمر مسلسل عدم بناء الكنائس وحدثت العديد من الفتن الطائفية والتى كان اشهرها فتنة الزاوية الحمراء، والتى قتل فيها  كثيرن من الأقباط. أما عهد مبارك(1981-2011م) فكان يصدر قرار ببناء كنيسة بين الحين والآخر، ومعظم ما تم بنائه من كنائس كانت فى بدايتها أما منزل أو قاعة اجتماعات تخضع للشئون الاجتماعية. وجاء عصر محمد مرسى (2012-2013م)  الذى حكم نحو عام وفى نهاية حكمه حرقت جماعته ومعاونه نحو 104 مؤسسة كنسية ما بين أديرة وكنائس ومدار وقاعات. ومع بداية عصر الرئيس "عبد الفتاح السيسى" صدر قانون دور العبادة للأقباط، كما قام بوضع حجر أساس كاتدرائية جديد بمدينة القاهرة الجديدة. وعلى الرغم من صدور قانون دور العبادة قام محافظة المنيا بغلق أربع كنائس بحجة عدم حصولها على تصاريح بترخيصها دور للعبادة، وتعند بعد افتتاحها إلا بعد حصولها على تصريح. بحجة أن مجلس الوزراء لم يصدر قرار بالعمل بقانون بناء الكنائس. والسؤال متى يتم تطبيق قانون بناء الكنائس الجديد؟. 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع