السّوق السّوداء أكلت الأخضر
زهير دعيم
٢٧:
١١
ص +02:00 EET
الخميس ٢ نوفمبر ٢٠١٧
زهير دعيم
منذ مدّة وبلفوني يحمل لي بين فترة قصيرة وأخرى ملحوظةً تقول : استكمالًا لطلبك منّا للحصول على قرض ماليّ ، نطلب منك ان تعود الينا حالًا ونحن على استعداد تامّ لتلبية طلبك ، فالمبلغ ينتظرك ".
وأضحك في السّرّ والعَلَن ، فأنا والحمد لله لا احتاج الى قرض من هنا أو هناك ، ولم اتوجّه لشركة ما لطلب قرض ، ولو أردتُ قرضًا فعلًا لتوجهت الى البنك الذي اعرفه واتعامل معه سنين طويلة ، فأحصل على المبلغ الذي أريد بفائدة مقبولة نوعًا ، ولا " أسلّم رقبتي" لشركة " لا نعرف قرعة أبوها مين !!".
حقيقة قد يحتاج المرء احيانًا ، فليس الكلّ في بحبوحة ،ولكن علينا أن نحذر وننتبه ونصحوَ ، فالمصارف القانونيّة في مثل هذه الحالات أكثر أمنًا وأمانًا وطمانينةمن هذه الشركات المشبوهة ، التي تستغلّ الظروف الصّعبة للفرد ، فتروح تُجرّده من أرضه وداره وكرامته ، بعد أن حَنَت عليه في البداية فأعطته المبلغ الذي يريد وأكثر، ولكن بالفائدة التي هي تريد، وأقلّها عشرة بالمائة ، فتتراكم المبالغ وتكبر وتنمو وتزداد ويقع المَدين المسكين تحت وطأتها بعد مدّة ما، فلا يجد مناصّا من أن يبيع البيت الذي يسكنه وقطعة الارض التي ورثها عن آبائه، آملا أن ينجوَ بنفسه وروحه من الاخطار المُحدقة.
انّ الذي دعاني الى طرق هذا الموضوع مااسمع ونسمع كلّ يوم فيبلدتنا وبلداتنا من أخبار تقضّ المضاجع وتسرق النوم من العيون ،ففلان باع البيت الذي يسكنه كيما يتسنّى له أن "ينفذ" بريشه من حبال هذه الشركات التي اكلت الاخضر واليابس ولمّا تشبع !
أين الضمير الانسانيّ عند هؤلاء البشر أصحاب هذه الشركات؟
أين الوازع الدينيّ وصوت الله في قلوبهم؟
والأهم : أين التروّي والنباهةوحسن التصرّف والافق الواسع لدينا نحن المحتاجين ؟
أين الحكمة واين العقل والتعلّم من الآخَرين؟!!
قد يقول قائل : انّها الضرورة المُلحّة والحاجة الملحاحة ، فالمصارف أقفلت دونه ابوابها والاقارب احجموا عن مساعدته بعد تهوّره.
مع هذا أقول ، بل ورغم ذلك أقول إنّ الخطر من هذه الشركات أشدّ وأقسى من كلّ الحالات الاستثنائيّة.
والغريب ان يكون الدّيْن المتراكم جاء من طيش ومن ادمان على المراهنات والقشط وما اليه.
دعونا نتعلّم... دعونا نقف ونفكّر.
دعونا نعيش على قدر طاقاتنا فلا نغلو في التبذير ولا نمدّ أرجلنا خارج لحافنا لئلا نبرد!
فالحياة بحاجة الى الحكمة وحسن التدبير في هذا الزمن اللوطيّ ، الذي امتلا فيه بحر حياتنا بحيتان المال التي تأكل وتأكل ولا تشبع.