بالصور.. حضانات إسلامية تنشر التطرف.. التضامن تلاحقها وخبراء يطالبون بحلها

 

تعددت مشاكل مرحلة رياض الأطفال، فبدأت بانتشار حضانات لمن لم يتجاوزوا أربعة أعوام، بشكل عشوائي وغير مرخص، وغياب الرقابة جعلها عرضة للكثير من التجاوزات بحق صغارنا الأبرياء، فظهرت حضانات الغرفة السكنية بالطوابق العلوية، وبداخل بنايات غير آمنة، ولا تتوافر بها الاشتراطات التى نص عليها قانون الطفل. 

 

واستعان القائمون عليها بأشخاص من حملة المعاهد المتوسطة وخريجي الدبلومات الفنية للتدريس للأطفال، دون الحصول على أى شهادة تربوية تؤهلهم لذلك، واحتوت تلك "السجون" على ألعاب غير آمنة وتحولت لبؤر للأمراض. 

 

ولم تتوقف عند تلك التجاوزات، بل أصبحت وكرا لتنشئة الأطفال على الفكر الوهابي والتكفيري، من خلال ما يسمى "الحضانات الإسلامية"، قاصرة الدخول على المسلمين فقط، بمخالفة صريحة لشروط وزارة التضامن التى وضعت للموافقة على فتح حضانة لمرحلة رياض الأطفال.

 

 

يشرح كمال مغيث، الخبير التربوي، ما تقوم به تلك الحضانات قائلًا إن تلك الحضانات تتبع الجمعيات الشرعية وبعض السلفيين، وربما حضانات خاصة ومملوكة للأفراد، وأغلبها تأسست بدون ترخيص، لأنه غير مصرح طبقا لقانون الطفل أو اشتراطات وزارة التضامن، بأن تكون هناك حضانات قائمة على العنصرية والتفرقة بين الأطفال، فتلك المرحلة هى مرحلة اللعب والفنون والابتكار والتعلم، وما تقوم به تلك الحضانات من تعليم قرآن وتجويد وأحاديث، هو أمر مخالف علميًا وتربويًا لطبيعة تلك المرحلة للطفل، وللأسف يقبل عليها الكثير من الأهالي ظنا منهم أنها تؤهلهم ليكونوا أشخاصا صالحين، خاصة أنها تؤهل لدخول المدارس الأزهرية اللغات والخاص، لأنها تقوم بتدريس اللغات في الحضانات "الفايف ستار" منها.

 

 

حضانة "براعم الإسلامية"، إحدى الحضانات المتواجدة بحي شبرا، وتعلن عن خدمتها بأنها تقوم بتقديم بيئة تعليمية هادفة لإعداد طفل متوازن فى جميع المجالات، وتعتمد على تحفيظ القرآن الكريم والسلوك الإسلامى وثنائية اللغة (العربية والإنجليزية) والرياضيات والأنشطة لتؤهل الطفل للحياة الدراسية من البداية.

 

يواصل "صدى البلد" مع مسئول الحضانة المتواجدة بجوار ميدان فيكتوريـا، وخلال الاتصال قال: "الحضانة تقبل الأطفال من سن 3 أشهر وتقدم الرعاية اللازمة والأنشطة التعليمية والترفيهية المختلفة من الساعة 7.30 صباحًا حتى الساعة 7مساءً، كما يتوفر بالحضانة نظام الاستضافة بأسعار مناسبة للجميع، وقائمة على منهج "نور البيان" وهو تعليم القرآن بالتجويد والأحاديث وتعليم الأطفال الصلاة وأسس الاسلام، وهناك اشتراك شهري بقيمة 250 جنيها والمواعيد حتى الثالثة عصرًا".

 

سألنا مشرفة الحضانة عن إمكانية حضور طفل غير مسلم، فردت: "من الممكن إحضاره ولكن لن يستطيع الاندماج، خصوصًا أن الأطفال يتعلمون الصلاة في مواعيده وأغلب أوقاتهم يقضونها في حفظ القرآن وتعاليم الدين الإسلامي".

 

بالمثل "مجموعة حضانات بيبي مسلم"، وهي حضانات تؤهل للمدارس الدولية، وتتواجد بأكثر من حي، وتعلن أن دورها هو بناء شخصية الطفل المسلم، وتقوم على تحفيظ القرآن الكريم، وقاصرة على أبناء المسلمين فقط، وتهتم بتعلم الأناشيد الدينية والأحاديث النبوية، وتدرس المنهج التجريبى لمدارس اللغات والمدارس الدولية، بالإضافة لمنهج "نور البيان" الذى يقوم أساسا على استخدام قواعد القراءة فى المصحف الشريف والمنهج القرآنى والأناشيد الإسلامية، وحفظ القرآن والأذكار يوميًا شرط إجبارى، والإرشادات الأخلاقية الدينية والسلوك الأخلاقى والصلاة وكل مظاهر الشريعة الإسلامية، وسعر الاشتراك 3 آلاف جنيه شهريا.

 

 

وتنتشر هذه الحضانات بالمحافظات بشكل كبير، حتى أن أغلبها يحمل أسماءً إسلامية كحضانة "أبي بن كعب" بالغربية وهي حضانة تعليمية تقوم بتعليم الأطفال من سن 3 إلى 5 سنوات بطريقة "نور البيان"، وترفع شعار "تعليم أبنائك طريقك للجنة". 

 

وعندما تواصلنا معها أعلن القائم عليها وهو أحد شيوخ الجمعية الشرعية الملحق بها الحضانة، أنها "للمسلمين فقط" لأنها قائمة على تعاليم الدين الإسلامي ومناهج القرآن والحديث وعلوم الإسلام، وتعمل على تخريج جيل من المسلمين، وتخصص وقتا طويلا لتحفيظ القرآن، والتجويد، وتحفيظ الأحاديث الشريفة.

 

وهناك حضانات أخرى بمحافظات المنيا وسوهاج، ومنها حضانة "نور الإسلام" و"التقوى الإسلامية"، وتعلن عن شعارها "علموا أطفالكم خلق النبى وكيف يكونون رجاﻻً مثل سيدنا حمزة بن عبد المطلب، ولتخرجوا أجياﻻ تنحنى لكم احترامًا، نسعى لتنشئة ابنك فى ظل القرآن والسنة، ليسعد فى الدنيا والآخرة، وأيضا حضانة "البراعم الإسلامية" بمحافظة المنصورة، وتعلن أنها تخرج طفلا تربويًا وقرآنيا، وسيكون في ميزان حسنات والديه، وسبب فى دخولهم الجنة، وبسعر رمزي 150 جنيها.

 

 

حدد قانون الطفل المصرى رقم 126 لسنة 2008 فى الباب الثالث فى الرعاية الاجتماعية، خلال المادة 31، أن دار الحضانة هى "كل مكان مناسب يخصص لرعاية الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرابعة، وتخضع دور الحضانة لإشراف ورقابة وزارة الشئون الاجتماعية "التضامن"، وتهدف إلى تحقيق رعاية الأطفال اجتماعيا وتنمية مواهبهم وقدراتهم، وتهيئة الأطفال بدنيًا وثقافيًا ونفسيًا وأخلاقيًا تهيئة سليمة بما يتفق مع أهداف المجتمع وقيمة الدينية، وتلبية حاجة الأطفال للترويح ومزاولة الألعاب والأنشطة الترفيهية والفنية المناسبة لأعمارهم.

 

 

وطبقا لقول منيرة محمد، مسئولة إحدى الحضانات المرخصة بالحي الحادي عشر بمنطقة الشيخ زايد، فإن شروط الترخيص تبدأ بعد التوجه للحي التابع له الحضانة، والتقدم بطلب لمديرية الشئون الاجتماعية للبت فى الطلب حسب حاجة المنطقة لدار جديدة لرياض الأطفال، وفى حالة الموافقة على طلبه، يتم إعداد جميع مستلزمات تشغيل الحضانة وإخطار مديرية الشئون الاجتماعية بمجرد انتهائه من ذلك، وفي خلال خمسة عشر يوما تقوم المديرية بالتحقق من استيفاء الدار لجميع المواصفات من خلال المعاينة ويتم إصدار الترخيص، وهناك لائحة داخلية للعمل داخل الحضانة وسجلات ودفاتر اللازمة لتنظيم العمل بدار الحضانة من النواحى الفنية والمالية والإدارية، طبقا للنماذج التى تضعها وزارة الشئون الاجتماعية، ويحتفظ بها بمقر الدار، وتتم الرقابة عليها من مفتشي التضامن كل فترة زمنية.

 

ويشرح هاني هلال، الخبير الحقوقي، شروط إنشاء حضانات رياض الأطفال قائلا: "تخضع الحضانات لإشراف ورقابة وزارة التضامن الاجتماعى طبقًا لأحكام قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، ولا يجوز إنشاء دار حضانة أو التغيير فى موقعها أو فى مواصفاتها قبل الحصول على الترخيص بذلك من مديرية التضامن الاجتماعى، وكل دار لها الحق فى وضع الشروط الواجب توافرها فى الأطفال المقبولين لديها، طبقًا لنوع الخدمة التى حددتها فى طلب الترخيص لفتح الدار، وذلك من حيث الحالة الصحية والسن وفترة الرعاية والظروف الاجتماعية للطفل وتحديد نظام سداد الاشتراك وسعره طبقا للخدمات المتوفرة بالحضانة".

 

وأوضح: "وهو ما يعنى أن القانون لم ينص على الترخيص على أساس الدين، ويشترط أن يكون مدير الحضانة ذا مؤهل عال مناسب فى الخدمة الاجتماعية، أو غيره من المؤهلات التربوية، بالإضافة إلى خبرة فى ميدان العمل مع الطفولة مدة لا تقل عن عامين، مع الحصول على دورة تدريبية فى مجال الطفولة والخدمة الاجتماعية، ويكون مكان الحضانة مناسبا، وتتوافر فى المبنى الشروط الصحية كالتهوية والإضاءة والصرف الصحى، وهو ما تتجاوزه تلك الحضانات التى تقوم على كونها "إسلامية" وتستعين بحملة مؤهلات متوسطة وغير مؤهلات للتعامل مع الأطفال بتلك المرحلة المهمة".

 

وأضاف: "من أهم اشتراطات الحضانات هو وجود مساحات للأنشظة ولا يزيد عدد الاطفال في اى حجرة عن 25 طفلا، وبها مقاعد ومناضد كافة والعاب داخلي وخارجية، مع وجود حديقة للعب، وألعاب داخلية لتنمية القدرات العقلية وألعاب خارجية للمرح، وطبيب بالحضانة ومكان لتناول الوجبات، ولابد ان يكون مدير الحضانة مصرى الجنسية كامل الأهلية، لم يسبق الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية فى جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة وحسن السيرة ذو سمعة اجتماعية طيبة و غير قائم بعمل أو بمهنة تتعارض مع العمل الاجتماعى أو التربوى".

 

طبقا للأرقام الصادرة عن وزارة التضامن، يوجد في مصر 11 ألفا و900 حضانة تحت سن الأربع سنوات، وتشرف عليها إدارة الطفولة بوزارة التضامن والشئون الإجتماعية، وتتنوع ما بين حضانات خاصة وحضانات جمعيات أهلية وشركات ومصانع، ومنها من يتبع الجمعيات الأهلية الخدمية وتكون أسعارها معقولة، وهناك من تتبع مصنع أو شركة وتستقبل أبناء العاملين بجانب الحضانات الخاصة.

 

 

ولا علاقة لوزارة التربية والتعليم بالرقابة على محتوى المناهج بالحضانات التابعة لوزارة التضامن، أو مؤهلات المعلمين بها، وهو ما انتقده الناشط الحقوقى هانى هلال، رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، قائلًا: "للأسف تحولت حضانات رياض الأطفال لسبوبة، من يستغل غرفة ويحولها لحضانة وآخر يستعين بشقة سكنية متهالكة بدون نوافذ، من أجل أن يحصل على ربح مادي، دون توفير اشتراطات الحضانات من إضاءة ودهانات ورسوم وألعاب وأنشطة ملائمة للطفل، وزاد الأمر تدهورا بعمل منتقبات وملتحين مع الأطفال وإطلاق أسماء إسلامية على الحضانات، لتتحول لأوكار لغرس أفكار متطرفة داخل وجدان الأطفال".

 

وأضاف هلال: "وجود حضانات للمسلمين فقط، يخالف مواد قانون الطفل، والذي نص على عدم التمييز، واحترام المواثيق الدولية لحقوق الطفل، لأنها تقوم على أساس طائفى، ومنع فكرة قبول الآخر وحب المجتمع، وغرس الفكر المتشدد".

 

 

ويقول كمال مغيث، الخبير التربوي، إن مرحلة رياض الأطفال تقوم على فكرة المواطنة وعدم التمييز على أي أساس، جنس أو لون أو دين، وما يحدث يبرر انتشار الإرهاب، وبالأخص من قبل المحافظات التى تنتشر بها هذه النوعية من الحضانات التى تربي الطفل على أفكار الإرهاب والتطرف، ولا تغرس الفنون وحب الحياة والإبداع وتقبل الآخر داخل الطفل، لابد من ملاحقة تلك الحضانات وغلقها لأنها تدعو للإرهاب، وهي مفتاح نشر فكرهم، واستغلوا تلاعب الأحياء وغياب الرقابة، حتى تعدى أعدادها آلاف على مستوى الجمهورية.

 

ويتساءل مغيث: "أين لجان حماية الطفل بكل حى ومحافظة، والتي نص قانون الطفل عليها، ومن المفترض أن ترصد أى انتهاك أو تمييز وتتدخل لغلق الحضانات المخالفة، طبقا لما نص عليه قانون الطفل، وتعاقب بالغلق للحضانة التى يثبت تورطها وتجاوزها".

 

وأكد: "لابد من نقل حضانات رياض الأطفال لتبعية وزارة التربية والتعليم، بدلا من تبعيتها لجمعيات إسلامية وجماعات تدعو لنشر أفكارها، ولابد أن يكون لها منهج موحد قائم على الفن والإبداع والتعلم والابتكار وما ينص عليه قانون الطفل، حتى لا تصبح الحضانات وكرا لأصحاب الفكر المتشدة".

 

 

وخلال تصريحات صحفية، قالت الدكتورة عزة عبدون، مدير إدارة الأسرة والطفل بوزارة التضامن الاجتماعي، إن الإدارات الاجتماعية بكل منطقة ومتواجدة داخل كل حي، وتقوم بالمرور والرقابة للتفتيش على تراخيص الحضانات ومطابقة الحضانة لاشتراطات الترخيص، من شروط للمكان ومساحة واسعة وألعاب ترفيهة وغرف للأنشطة، وتوافر معلمين مدربين وحاصلين على دورات تدريبية، وهناك خطة زيارات شهرية لمراقبة كل الحضانات في المنطقة التي تتبعها لرصد الشكاوى والمخالفات ثم إرسالها للمديرية، وتقوم إدارة الطفولة بوزارة التضامن بالإشراف الشامل على جميع المحافظات وتتدخل في حالة الشكاوى والمشكلات التي يصعب حلها من خلال مديرية التضامن بالمحافظة ومتابعتها حتى حلها، بالغلق الفوري أو الإنذار".

 

وأضافت "عبدون": "مرحلة رياض الأطفال من المفترض أنها بلا منهج وتعتمد على الألعاب والأشكال والدوائر والصور والمهارات، والنطق فقط، وتم إغلاق العديد من الحضانات المخالفة والتى تتواجد داخل شقق سكنية أو عقارات آيلة للسقوط ويديرها أشخاص غير مؤهلة تربويا".

 

 

وحول عقوبة تلك الحضانات التى تحمل أسماءً دينية ويقتصر دخولها على المسلمين فقط، أوضحت: "تغلق الحضانة إذا كانت غير مرخصة أو ذات توجه دينى، ويحال القائم عليها للتحقيق بعد إبلاغ الجهات الأمنية عنه، وعلى أولياء الأمور أن يمتنعوا عن إلحاق أطفالهم بها، ويسارعوا للإبلاغ عن تلك الحضانات، وقد طالبنا المحافظين بإمدادنا بأماكن الحضانات المخالفة من أجل التفتيش عليها وإغلاقها".

 

جدير بالذكر أنه توجد في مصر 10943 حضانة أو ما يسمى مرحلتي "كي جي وان" و"كي جي تو" تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، موزعين كالتالي: 716 في المدارس التجريبية، و8202 في المدارس الحكومية، و2028 في المدارس الخاصة، يدرس بها ما يقرب من 1269977 طالبا.

 

 

وحول مخاطر تلك الحضانات على الأمن القومي للبلاد، أفاد اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمنى، بأن المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف الجديد، والذي يعتبر من أهم وسائل مكافحة الإرهاب، أكد أن مواجهة الإرهاب لابد أن تبدأ من مواجهة الفكر الديني المتعصب والمتطرف، المكون الأساسي للإرهاب، وشدد المجلس على ضرورة الاهتمام بالتعليم والتنشئة بمختلف المراحل التعليمية بما يدعم مبدأ المواطنة وقبول الآخر ونبذ العنف والتطرف وبالأخص في الحضانات.