ثقافة الطائفية بمحافظة المنيا وكراهية الأقباط وغلق كنائسهم!
د. ماجد عزت اسرائيل
١٧:
٠٨
ص +03:00 EEST
الثلاثاء ٣١ اكتوبر ٢٠١٧
د.ماجد عزت إسرائيل
الثقافة تعني التذوق فى مجال الفنون الإنسانية، والتكامل فى مجال المعرفة البشرية والسلوك الإنساني، والذي يعتمد على القدرة على التفكير العلمى والسلوك الاجتماعي. وتشكل جميعها مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما. وثقافة أي مجتمع محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، وتظهر هذه الثقافة في السلوك الجمعي للمجتمع والمظاهـر الاجتماعية المختلفة، إضافة إلى درجة التعليم في هذا المجتمع ومحصلته، ومدى اتساق هذه الثقافة مع البيئة الجغرافية والمجتمعية التي يعيشها. ولكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تؤثر فيها عوامل عديدة. ولكل ثقافة جذور ضاربة في أعماق التاريخ تختلف من شعب إلى آخر وفق الظروف والأحداث التاريخية التي يمر بها كل مجتمع. وتشكل هذه الظروف العديد من مكونات ثقافة أي مجتمع. وأما مفهوم كلمة كراهية فتعني مشاعر إنسانية انسحابية لدى بعض أفراد المجتمع، يصاحبها اشمئزاز ونفور شديدان، وعداوة وعدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتى ظاهرة معينة، تنتهى بتدمير الشيء المكروه بشتى الوسائل المتاحة. وغالبا ما يستخدم لفظ كراهية لوصف إجحاف أو حكم مسبق على طبقة أو فئة أو أقلية داخل المجتمع. ويمكن أن تتسبب هذه الكراهية في تدمير كل البشر إذا استقرت في القلوب الكارهة. وحيثما تكون هناك ثقافة كراهية وعدم تقبل الآخر، تولد فكرة الإبادة وممارسة العنف والتطهير لاستئصال الآخر المختلف جنسيًا ودينيًا وثقـافيًا.
ومحافظة المنيا أحدى محافظات مصر، وتقع جنوب مدينة القاهرة (عاصمة مصر)،ويحدها من الشمال محافظة بنى سويف وجنوبها محافظة أسيوط وشرقها نهر النيل وتمتد بنحو 135كم على هذا الساحل والصحراء الشرقية وغربها الصحراء الغربية،وتبلغ مساحتها بنحو32279كم ،ويصل تعداد سكانها نحو خمس ملايين نسمه، نصهم من المسلمين والنصف الآخر من الأقباط ويرجع تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى مرضعة الملك خوف مِنعه والتى عرفت فى اللغة القبطية باسم منه وتعنى المنزل، ومن هذا الاسم اشتق اسم المدينة الحالى " المنيا "كما اشتهرت بعروس الصعيد، وتباركت هذه المدينة بزيارة العائلة المقدسة وتأسيس أول كنيسة بمنطقة جبل الطير، ومازلت هذه الكنيسة حتى كتابة هذه السطور، و سبب بركة لشعب المنيا من أقباطها ومسلميها. ويوجد بذات المدينة العديد من المناطق الآثرية الفرعونية والقبطية، التى تعد من أهم مصادر الدخل القومى لمصر.
على أية حال،منذ سبعينات القرن المنصرم،وأقباط محافظة المنيا يعانون من التعصب الطائفى، بمنع بناء الكنائس وتغير اسماء بعص المدارس والشوارع، بالإضافة لفساد المحليات وطائفيته كل ذلك أجبر شباب الأقباط من محافظة المنيا على الهجرة سوى داخل مصر أو خارجها لدرجة وصلت إلى خلو المدينة منهم،وتعرض بعضهم للقتل ونذكر على سبيل المثال قتل 20 قبطياً بليبيا فى 2015م على يد الدواعش، وقتل 28 من الأقباط وهم فى طريقهم لزيارة دير الأنبا صموئيل المعترف فى مايوم 2017م ورفض تعين قبطية مديرة مدرسة صناعية، بالأضافة إلى، قضية الأطفال الأقباط بذات المدينة بتهمة ازدراء الأديان فى ابريل 2014م، وتعرية سيدة الكرم، بالأضافة لحالات خطف نساء الأقباط.
وقام المحافظ "عصام البديوى" محافظ المنيا بأصدار تعليماته خلال شهر أكتوبر2017م بغلق أربع كنائس قبطية وتم الإعتداء على أفراد الشعب القبطي وإتلاف ممتلكاتهم وتعرض بعضها للنهب، وقام سيادته باستخدام أسلوب المساومة والتوازنات تحت مسمى” التعايش السلمى ” ودائماً ما يدفع الاقباط ثمن هذا التعايش وليس المعتدين .وتأتى ردود أفعال المسئولين مُخيبة للامال، وعندما يشب أى خلاف أو يحدث إعتداء ، فالبديل الأول هو غلق الكنيسة والضغط على الأقباط . وقد بدأت الأحداث الطائفية فى 15 أكتوبر 2017 حيث هاجم مجموعة ففى المتشددون .ولم يتخذ المسئولين أية خطوة لإعادة فتحها ، وفى يوم 15 اكتوبر أعاد الأقباط فتح الكنيسة والصلاة فيها مع مئات من الشعب ، ولكن فى عصر اليوم ذاته تحرش البعض بالمكان ، وجاءت الشرطة وأغلقت المكان من جديد ولم يُسمح إلا للكاهن بالتواجد ، حتى كتابة هذه السطور. وبعدها ففى 22 أكتوبر 2017 تم التسحب نحو كنيسة الأنبا موسى بقرية القشيرى حيث قام المتطرفون فى مساءً ذات اليوم بقذف المكان بالحجارة ونتيجة لذلك أصابوا أربعة أقباط، وتم عُقد ” جلسة صلح ” بين الأقباط والمسلمين كالعادة،وانتهت الجلسة بغلق الكنيسة. وبعدها بترة وجيزة فى ذات اليوم تم غلق كنيسة أبو سيفين بقرية الكرم، على الرغم من عدم وجود أى أحداث عنفف بين أقباط ومسلمى القرية. وففى 27 أكتوبر 2017م أصدر الحافظ الهمام تعليماته بغلق كنيسة مارجرجس بعزبة زكريا، بعد أن قام مجموعة من المتشددون بالهجوم عليها أثناء الصلاة،واُصيبت سيدة قبطية، وفى مساء ذات اليوم قاموا بالتعدى على ممتلكات بعض الأقباط .
للأسف الشديد فبدلاء ما يصدر المحافظ قرارته لصالح المعتدى عليه. قام سيادته بغلق الكنائس، مع العلم أن من واجباته حماية حقوق المواطنين ومنحهم الحرية فى ممارسة الشعائر الدينية، وبدلاء ما يقوم بتطبيق القانون لجاء إلى عقد الجلسات العرفية،وأيضًا بدلاء ما يقبض على المعتدين.قام بحل سهل معتاد وهو غلق الكنائس الأربعة بمحافظته. ومن الجدير بالذكر أن سيادته أصدر اليوم 30 أكتوبر 2017م، تعقيبًا على البيان الذى أصدرته مطرانية المنيا أكد فيه إن محافظة المنيا بكافة أجهزتها ومسئوليها ومحافظها يؤمنون إيماناً راسخاً بحق كل مصري في أداء شعائره الدينية بكل حرية ويسر. هذا كلام جيد السؤال فلماذا قمت بغلق الكنائس الأربعة؟ تعبير عن الحرية الدينية أو زيادة الطائفية. ويؤكد سيادته أن من أولويته تيسير الصلاة بالمحاففظة وبخاصة المسيحية، والأكثر من ذلك أنه أكد على المكانة الرفيعة التي يحظى بها نيافة الأنبا مكاريوس الأسقف العام لمطرانية المنيا وأبوقرقاص في نفوس أهالي محافظة المنيا- أكيد من حادثة سيدة الكرم ياسيادة المحافظ ! ومن الطريف فى خبث البيان التأكيد على أن ما تم غلقه ليس كنائس وإنما منازل هذا شعور طيب- من واجب المحافظ توفير مكان لكل مواطن أى كانت طائفته للمارسة شعائر الصلاة!!!. كما أكد على تنفيذ المحاففظة طلبات مطرانية المنيا بدليل نحو 25 كنيسة مغلقة . ويختم المحافظ كلامه بأن بالمنيا العديد من الأديرة والكتائيس أى هذا يكفى للصلاة للأقباط.
اعتقد أن سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما شرع فى بناء مصر الحدثية أكد على المساواة بين جميع طوائف الشعب، وبالطبع هذا الرجل الذى نحترمه ونقدر دوره كأقباط داخل مصر وخارجها فى أنقاذ مصر فى يوليو 2013م، وعندما قام ببناء العاصمة الأدارية الجديدة قام بأنشاء أكبر جامع وأكبر كاتدرائية فبعث السرور والراحة النفسية لدى جميع المواطنين والطمأنية. وسيادة الرئيس عندما يعين محافظ فى محافظة من المفترض أن يكون نموذجاً لسيادته،بالطبع المشكلة هنا ليست مشكلة مؤسسة الرئاسة ولا الحكومة، المشكلة مشكلة محافظ غير قادر على تطبيق القانون. ويعشق الأنشاء والتعبير وكتابة البيانات أكثر والشعارات الوهمية أكثر من الواقع.
ولحل مشكلة ثقافة الطائفية بمحافظة المنيا، لابد من معالجة الطائفية من جذورها وتطهيرها واعتقد من الممكن تقسيم محافظة المنيا من الناحية الإدارية ـ لا اتحدث هنا عن التقسيم الدينى ـ إلى محافظتين ،وتقسيم المراكز التابعة لهما، مع تعين محافظين وروساء مراكز مشهود لهم بالخبرة فى مثل هذه الأمور، وتطهير المحليات من فساد التعصب والطائفية، وتنفيذ القانون على الجميع دون تفرقه أو تميز، ولا نسمح بالجلسات العرفية لحل المشاكل الطائفية ،ومنح مساحة متساوية فى تولى الوظائف السيادية بالمحافظة،ومعالجة الخطاب الدينى، وأستغلال وسائل الأعلام بشتى أنواعها فى نشر الثقافة التى تدعو إلى نمو الشعور القومى ،الذى هدفه فى النهاية بناء مصر الحديثة.