«سندمر الأفكار المتطرفة اليوم وفوراً، فنحن لم نكن كذلك.. نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه.. الإسلام الوسطى المعتدل المنفتح على العالم، وعلى جميع الأديان، وعلى جميع التقاليد والشعوب»، هكذا تكلم الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى. لا تتساوى عبارة «الأفكار المتطرفة» فيما تدل عليه من معانٍ داخل كل المجتمعات، لأن نهج أصحاب هذه الأفكار يختلف من دولة إلى أخرى. والناظر إلى سلسلة القرارات التى اتخذها ولى العهد السعودى خلال الفترة الماضية يلاحظ أنه أكثر ميلاً إلى التجديد، ومواجهة الأفكار المحافظة التى درج عليها المجتمع. هو شاب فى الثلاثينات يفكر بطريقة الشباب، وما يتمتعون به من حسم وقطعية، وإحساس بالثقة على فعل الكثير، وحسم الأمور «اليوم وفوراً»!.
التطرف فى المملكة ليس مثل التطرف فى مصر. التطرف لدينا جماعات وتنظيمات وخلايا تحمل السلاح، حتى تجبر المجتمع والدولة على أفكارها. المملكة لا تعانى من هذا النوع من التطرف إلا قليلاً، لكن ثمة تجليات أخرى للتطرف هناك، مكمنها «الأفكار المحافظة» التى ترسخت فى وجدان المواطن. من ذلك على سبيل المثال رفض قيادة المرأة للسيارة، وهى فكرة لا تخلو من تطرف وتعسف، وهو ما تحدته السلطة السعودية الجديدة، حين اتخذت قراراً يتيح للمرأة ذلك. قس على ذلك العديد من الأفكار المتطرفة الأخرى التى تجد سنداً لها فى المذهب الوهابى، الذى ظل على مدار عقود طويلة مصدراً من مصادر شرعية الحكم فى المملكة.
فى كل الأحوال، أجد أن مصارعة الأفكار المحافظة ليست بالأمر السهل، فهناك أشخاص وفئات ومؤسسات وقطاعات شعبية لديها الاستعداد للدفاع عنها، قد يكون هؤلاء مدفوعين فى تمسكهم بها بحكم العادة أو المصلحة أو مجرد رفض الجديد، ولعلك تعلم أن أكبر عقبة تقف فى طريق نشر الأفكار الجديدة داخل أى مجتمع، هى كلمة «جديدة» نفسها، فالبشر أكثر ميلاً إلى الاطمئنان إلى القديم الذى جربوه، وأكثر تحفظاً على قبول الجديد الذى لم يخبروه، دون اعتناء كافٍ بالبحث عن سلبيات القديم أو إيجابيات الجديد.
إزاء أية فكرة جديدة، يبدأ الانقسام بين مؤيدين لها وداعمين لترسيخها فى الواقع، وبين رافضين متمسكين بالقديم الذى نشأوا وعاشوا عليه، إنه ببساطة صراع بين ثقافات من الصعب حسمه فى مدى زمنى قصير، الأمر يتطلب وقتاً كافياً، حتى يستطيع الجديد أن يتغلغل فى الواقع الثقافى. الكثير من المجتمعات العربية -وربما غير العربية أيضاً- شديدة التمسك بموروثها الثقافى. ومن الخطورة بمكان أن يبدأ أصحاب الفكر الجديد رحلتهم فى مواجهة الأفكار الموروثة بالتحدى. المسألة تتطلب نوعاً من التدرج والأناة والتمهل فى إقناع الأفراد بالتخلى عن أفكارهم القديمة، وتبنى الجديد. ومن الضرورى أيضاً أن يركز دعاة التجديد على جانب المصلحة والواقعية فى الفكرة. أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه أصحاب الأفكار الجديدة الظن بقدرتهم على «التغيير بقرار». ثقافة المجتمعات لا تتغير بقرار رسمى، بل باقتناع شعبى بضرورة مراجعة الأفكار الموروثة، بصورة تكشف عدم جدواها فى الواقع المعاش.
نقلا عن الوطن