الأقباط متحدون - الممرات الآمنة لداعش في معارك الفلوجة والرقة والموصل وانعدامها في معركة دير الزور
  • ١٨:٥٦
  • السبت , ٢٨ اكتوبر ٢٠١٧
English version

الممرات الآمنة لداعش في معارك الفلوجة والرقة والموصل وانعدامها في معركة دير الزور

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٤٩: ١١ ص +02:00 EET

السبت ٢٨ اكتوبر ٢٠١٧

 داعش
داعش

 المفكر والكاتب ميشيل حنا الحاج.

 
سياسة الممرات الآمنة لداعش، والتي يرجح بأنها تنفذ نتيجة استراتيجية أميركية معتمدة، هدفها تقليم أظافر داعش وليس اجتثاثها  تماما، وذلك لبقاء دور ما لها يسعى لاستخدامها في تقليم أظافر تنظيم القاعدة، وذلك عبر تفكيكها تدريجيا، خصوصا وقد فشلت في القضاءعليها واجتثاثها تماما، رغم ستة عشر عاما من القتال ضدها وضد طالبان التي وفرت الحماية لتواجد القاعدة قي افغانستان....هذه السياسة الغريبة، سياسة الممرات الآمنة المفتوحة لداعش، برزت للعلن للمرة الأولى، اثر معركة الفلوجة التي خاضها الجيش العراقي بمشاركة عشائر الأنبار، ملحقين وللمرة الأولى هزيمة واضحة بقوات الدولة الاسلامية، رغم بقاء جيوب داعشية في الفلوجة كانت لم تزل تقاتل. وهنا رددت الأنباء عن وجود قافلة طويلة تغادر الفلوجة تحت جنح الظلام  وتضم عددا كبيرا من مقاتلي داعش وأسرهم، بل وقيل أيضا، بأنها كانت تضم بعض قياداتهم أيضا.  وجاء خروجها ذاك، كما رجحت الأنباء آنئذ، بأنه كان نتيجة وعد أو تعهد قطعه لهم سىلاح الجو الأميركي الذي شارك بمعركة الفلوجة بتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية على القوات الداعشية.
 
  ولكن ها هو الآن فجأة، وبدون استشارة القيادة السياسية والعسكرية في العراق، يعد رجالات الدولة الاسلامية بخروج آمن من المدينة لمن تبقى منهم، مع تعهد بعدم الاغارة على القافلة المغادرة بهم.  
 
ولكن ذاك الأمر لم يرق للقيادة العراقية التي حققت نصرا باهرا على الدواعش. ونتيجة لذلك الامتعاض من السلوك الأميركي الغريب والغامض، تحرك سلاح الجو العراقي، بمعرفة القيادة السياسية العراقية أو بدون علمها، وقصف تلك القافلة مع بزوغ ضوء النهار. ورددت انباء بأن القافلة قد دمرت بكاملها، وفي أدنى الحالات، دمرت اغارات سلاح الجو العراقي، اكبر  عدد من السيارات ووسائل النقل (بمن فيها) والتي تشكلت منها تلك القافلة. 
وتكررت قضية الممرات الآمنة للدواعش خلال معركة الموصل، ولكن بحدود ضيقة هذه  المرة.   

  فالجانب المرجح منها، بل ويكاد يكون مؤكدا، هو الخروج الآمن من الموصل المحاصرة من قبل القوات العراقية حصارا شبه تام... لأبو بكر البغدادي مع عدد من قياديي الدولة الاسلامية. فما بات يبدو كحقيقة محسومة، هو أن البغدادي الذي تواجد في الموصل خلال معركتها، قد ظل حيا واستطاع بأعجوبة أن يصل آمنا الى موقع يقود منه الأن معارك الدواعش ضد مقاتليها العراقيين والسوريين. فلم تورد أي من الأنباء خبرا يفيد بمقتل البغدادي الذي لو قتل، لبادرت الولايات المتحدة الى الاعلان عن مقتله، وعن وجود دور لها ولسلاح جوها في مقتله، خصوصا وأن سلاح الجو الأميركي قد شارك في معركة الموصل أيضا وذلك بتنفيذ غارات مكثفة على مواقع تواجد مقاتلي الدولة الاسلامية.
 
 
 فالبغدادي اذن وفي أكثر التقديرات ترجيحا، قد بقي حيا واستطاع رغم كون مدينة الموصل خاضعة لحصار شبه تام، من الخروج الآمن عبر ممر آمن لم يتم اطلاقا بعلم الدولة العراقية أو بموافقتها. فالقيادة السياسية العراقية التي كانت تسعى لتحقيق نصر حاسم على الدولة الاسلامية، ما كانت سترحب بخطوة كهذه، بل وربما كانت ستلجأ لو علمت بها، لأن تغير بطائراتها العسكرية على القافلة المغادرة، كما حصل في كيفية التعامل مع قافلة الدواعش التي غادرت قبل عام تقريبا مدينة الفلوجة.  لكن مخطط الخروج الأمن للبغدادي كما يبدو، قد نفذ بمكر أميركي خبيث، نتيجة تخطيط استخباري نجح في تضليل العراقيين، ليتمكن البغدادي من الوصول الى وجهته بسلام وأمان.
 
وتكررت مؤخرا قضية الخروج الأمن لعدد كبير من مقاتلي الدولة الاسلامية، في معركة تحرير مدينة الرقة والتي بدت، رغم كل الدمار الذي لحق بالمدينة التي كانت العاصمة الأولى لخلافة الدولة الاسلامية، وكأنها تنفيذ لمعركة كاريكاتورية أريد بها تعزيز دور جيش سوريا الدمقراطي، ليبدو للعلن كمحرر لمدينة كبرى. وكانت قضية الخروج الآمن عبر ممرات آمنة، نتيجة وعد للدواعش أطلقها لهم المخططون والخبراء العسكريون الأميركيون الذين رافقوا وسهلوا لجيش سوريا الدمقراطي، امكانية الهيمنة على مدينة الرقة.
 
وبدت قضية الممرات الآمنة وكأنها لم ترق لأكثر من طرف هذه المرة.  ففرنسا لم يرق لها الخروج الآمن لمن يرغب من مقاتلي الدولة الاسلامية ، وأصرت على أن يقتصر الخروج الآمن على السوريين من مقاتلي الدواعش، وألا يشمل العناصر من غير السوريين، نتيجة توافر معلومات لديها بتواجد بين أولئك المقاتلين، منفذي بعض العمليات الارهابية التي شهدتها فرنسا، وخصوصا العملية الارهابية الثلاثية النتي نفذت في باريس عام 2016 وحصدت أرواح العديدين من الأبرياء، وخصوصا في الهجمة على مسرح الباتكلان الباريسي الشهير.  ولكن رغم الاعتراض الفرنسي، فان الخروج الآمن في نهاية الأمر، قد تحقق لمقاتلي الدواعش السوريين وغير السوريين، خصوصا وأن الأميركيين ومعهم مقاتلي جيش سوريا الدمقراطي، وكذلك المحققين الفرنسيين، لم يعلنوا عن اعتقال أيا من مقاتلي الدواعش غير السوريين، وعن كونهم يجرون معهم الآن تحقيقا مكثفا عن دورهم في العمليات الارهابية الكثيرة التي نفذها الدواعش في الأراضي الفرنسية. فتحقيق كهذا، ربما كان سيكشف دور جهة استخبارية أجنبية، يرجح بأنها كانت أميركية، وفرت المعلومات الوفيرة للمهاجمين، عن ذاك النشاط الفرنسي، وعن المواقع الفرنسية المستهدفة. فقدرات الدولة الاسلامية في الاستخبار، ربما كانت بدرجة ما من الجودة، لكنها لم تبلغ تلك المرحلة من الكمال والتفوق، دون الاستعانة بعمليات استخبارية لدولة أخرى حصلت  على درجة الامتياز والتفوق في قدراتها الاستخبارية.  
 
وكان الطرف الآخر الذي امتعض كثيرا من الخطوات الأميركية، خصوصا مع تأكده بأن الهدف الأميركي الحقيقي من وراء الممرات الآمنة لمقاتلي الدولة الاسلامية، لم يكن مجرد خروجهم آمنين، بل كان الهدف من ورائه، اتاحة الفرصة للدواعش بتعزيز موقفهم في معركة دير الزور، حيث كانت الدولة الاسلامية تجابه معركة كبرى في مواجهة الجيش السوري الرسمي الذي يخوض معارك أرضية شرسة في مواجهة الدواعش، تعززها اغارات مكثفة من قبل سلاح الجو الروسي المتواجد في حميمين. فهؤلاء المقاتلين الذين وفر لهم ممرا للخروج الآمن من الرقة، قد توجهوا الى محافظة دير الزور، وبالتالي عززوا موقف مقاتلي الدولة الاسلامية المتشبثين في مواقعهم التي ضمت آبارا للنفط، وكانت الدولة الاسلامية تقاتل بشراسة للاحتفاظ بهيمنتها عليها.
 
ولكن رغم الخروج الآمن لهؤلاء، ورغم تعزيزهم لمواقع الدولة الاسلامية في معركة دير الزور،  فقد واظبت قوات الدولة السورية معركتها الدامية في مدينة دير الزور وفي كافة أرجاء محافظتها، دون أن تأذن بأي خروج آمن لأعدائها اسوة بما حصل في الفالوجة والموصل والرقة.  فبعد أن أنهوا الحصار الذي فرضه الدواعش لسنوات على معسكر للجيش السوري الرسمي، وبعد أن توغلوا في داخل مدينة دير الزور، ها هي آخر الأنباء تشير الى تحريرهم محطة T2 النفطية، وحقل غاز في موقع كونيكو، ومدينة حويجة صقر... مع اصرار على المضي بالزحف نحو موقع بوكمال الحدودي مع العراق والقريب من موقع القائم النفطي في الجانب العراقي، والذي تتقدم الآن القوات العراقية أيضا نحوه بغية تحريره، خصوصا وأنه الموقع الأخير لداعش على الأراضي العراقية، مع الأمل والتوقع بعدم تجاهل الحكومة العراقية لوجود خلايا كثيرة داعشية نائمة في داخل بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى، وهي الخلايا التي طالما نفذت تفجيرات كبرى في بغداد وفي مدن عراقية أخرى.  لكن هذا الزحف السوري للقوات السورية الوطنية نحو بو كمال، والتقدم العراقي في الجانب الآخر نحو القائم...الموقع الحدودي القريب من الحدودين العراقية والأردنية، انما يشكل الرد  السوري، ومعه العراقي، الرافضين معا، لنهج الممرات الآمنة ومفهوم الخروج الآمن غير المستوعبة لأسبابه ومبرراته الأميركية... لمقاتلي الدواعش سواء في العراق أو في سوريا. 
 
لكن من الصحيح، ولغايات الدقة، التذكير بأن سوريا قد وافقت في بعض المراحل، على خروج آمن لبعض المقاتلين الذين تواجدوا في أكثر من موقع محاذ للعاصمة في ريف دمشق، وذلك في مسعى منها لابعاد الخطر عن العاصمة السورية. ولكن تلك الخروجات الآمنة من مناطق محاذية لدمشق، قد شمل مقاتلين تابعين لجيش الاسلام وقوات الرحمن ولفرق اسلامية أخرى ممولة من بعض دول الخليج ورغبت في الانتقال الى ادلب، أو الى الشمال السوري وخصوصا لمدينة جرابلس، ولكنها لم تشمل مقاتلين للدولة الاسلامية التي باتت في هذه المرحلة، العدو الأول والعنصر الأهم المستهدف في المعركة ضد الارهاب، والمتفق دوليا على تصنيفها بارهابية رغم الغموض الذي يكتنف الموقف الأميركي مدعي العداء للارهاب وللدولة الاسلامية، ومع ذلك يبارك، بل ويخطط لعمليات الخروج الآمن لتلك القوات ولقياداتها في مواقع كثيرة، كلما ترجح الانتصار الكامل والمطلق على تلك القوات.
 
فالولايات المتحدة التي ردد الكثيرون بأنها واسرائيل، كانتا وراء الظهور الداعشي المفاجئ، ووراء استقوائها الأكثر مفاجئة لكونه قد تم بسرعة كبيرة ومذهلة مكنت الدواعش من التحول الى قوة ارهابية كبرى عاثت في المنطقة العربية، بل وفي العالم كله، فسادا وتدميرا وقتلا للأبرياء، لمجرد كونهم يخالفونهم في الرأي أو في التوجه أو في الانتماء المذهبي، مما اضطر الولايات المتحدة أخيرا لمقاتلتهم، مع المحافظة على نهج الخروج الآمن لبعضهم (أو للكثيرين منهم)...استنادا لمبررات تكتيكية ساذجة، تحاول  التغطية على الاستراتيجية الحقيقية للدولة الأميركية، وهي وجود أكثر من دور واحد للداعشية. 
 
فدورها اسرائيليا يسعى لاستنزاف القوات العسكرية العربية، سواء في سوريا أو في العراق أو في عدد من الدول العربية الأخرى، بغية ضمان أمن اسرائيل وابعاد خطر الجيوش العربية عنها. ودورها أميركيا، ابقاء دول المنطقة بحاجة لشراء الأسلحة الأميركية بمليارات الدولارات، اضافة الى حاجتهم للمساعدة العسكرية الأميركية المباشرة للتغلب على خطرهم. ويرافق ذلك هدف آخر، هو استخدام الدولة الاسلامية، باعتبارها  تنظيما منافسا لتنظيم القاعدة، وهو التنظيم الشرير الذي نفذ في أميركا في الحادي عشر من ايلول 2001، عمليات التفجيرات الكبرى في نيويورك، والهجوم المباغت على البنتاغون، وفشلت أميركا رغم حرب طويلة في افغانستان...فشلت في اجتثاثهم أو حتى في اضعافهم... فلجأت لذلك، كما سبق وذكرت، الى استخدام  الدولة الاسلامية ضمن عملية كونها تنظيما منافسا للقاعدة، لاجتذاب الى صفوفها العدد الأكبر من التنظيمات الارهابية المنتمية للقاعدة، وتشجيعها على فك ارتباطها بالقاعدة، وعوضا عنها مبايعة أبو بكر البغدادي بالخلافة، والتعهد بالولاء والطاعة له، غير مدركين بأنهم على أرض الواقع، انما يبايعون الولايات المتحدة التي تحرص على حمايته دائما من خطر اجتثاثه واجتثاث تنظيمه اجتثاثا تماما. وكانت قضية الممرات الآمنة التي توفر خروج بعض مقاتليه سالمين وأقوياء، واحدة من تلك الأساليب التي تسعى لحمايته والحيلولة دون اجتثاثه هو أو اجتثاث تنظيمه المبارك أميركيا كما يبدو. 
                      
فمن هنا يمكن فهم أو تفسير الحاجة لقيام الولايات المتحدة بتوفير ممرات آمنة للدواعش، والحيلولة دون اجتثاثهم اجتثاثا تاما. ذلك أنه لم  يزل لهم دور ما لم يستنفذ بعد أهدافه. فبات من الضروري اذن حمايتهم، أو حماية بعضهم، لكن مع نقل مقراتهم مؤقتا الى بعض الدول الأفريقية كنيجيريا وتشاد، بل والى ليبيا أيضا، ونقل بعضها الآخر الى آسيا.. الى الفلبين، حيث تواجد أصلا لهم فرع مساند هناك منذ زمن بعيد ممثلا ب "ابو سياف"، وسعي آخر للتوسع بنقل نشاطهم الى أندونيسيا أيضا، الدولة المسلمة التي قد يسهل النشاط فيها. على أـن يكون ذلك انتقالا مؤقتا الى أن تهدأ العاصفة التي أثيرت عليهم في الشرق الأوسط ، وذلك بغية استئناف مهمتهم الأخرى وهي مشاغلة القوات العسكرية العربية، لابعادهم حتى عن مجرد التفكير بمقاتلة الدولة الاسرائيلية.
الاعلامي العربي الأول والمتميز لعام 2017 كما أسماه مجلس اتحاد الاعلاميين العرب.   
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع