الأقباط متحدون - هل يتوجه الأمير محمد بن سلمان نحو العروبة التي يحاول الاسلام السياسي المتشدد استئصالها؟
  • ٠٦:٠٢
  • الاربعاء , ٢٥ اكتوبر ٢٠١٧
English version

هل يتوجه الأمير محمد بن سلمان نحو العروبة التي يحاول الاسلام السياسي المتشدد استئصالها؟

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٠١: ١٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٢٥ اكتوبر ٢٠١٧

الأمير محمد بن سلمان
الأمير محمد بن سلمان

ميشيل حنا الحاج
    تشاءم الكثيرون لدى احلال الأمير محمد بن سلمان في موقع ولاية العهد عوضا عن الامير محمد بن نايف، خصوصا وأن الكثيرين منهم قد ظنوا ان الأمير محمد، كان وراء اشتعال حرب اليمن بعد أن كان الأمير بندر بن سلطان وراء اشعال الحرب الدامية في سوريا.

    ولكن الأعوام التي تلت، بدأت توحي أو تبشر بتوجه الأمير محمد بن سلمان نحو الانفتاح والوعي والتوجه نحو الحداثة والتطور الى الأفضل في السعودية، وربما في العالمين العربي والاسلامي أيضا، الآمر الذي نتمناه أن يكون توجها صادقا.

    فقد أتاح الأمير للمرأة السعودية أخيرا، أن تقود السيارة بنفسها، وهناك حديث عن احتمال السماح بفتح دور للسينما في السعودية الأمر الذي يعارضه الفكر الوهابي، كما وضع برنامجا اقتصاديا لتطوير السعودية نحو التوجه الصناعي والابتعاد عن الاعتماد على النفط... خلال الثلاثين عاما القادمة. كما ساهم الى حد ما في محاربة الفكر الاسلامي المتشدد بتحجيم نشاط مطلقي الفتاوى الشرعية المفرطة في غرابتها، والتوجه نحو تحجيم الوهابية باعتقال اثنين من كبار الدعاة لها، وهما الداعية سليمان العودة والدجاعية عوض القرني، علما ان آل سعود قد اضطروا في مرحلة ما للاعتماد على المدرسة الدينية الوهابية للاحتفاظ بعرشهم، وذلك عندما عقد الأمير بن سعود في نهاية القرن التاسع عشر، ذاك التحالف بينه وبين محمد بن عبد الوهاب، والذي تقاسم بموجبه السلطة مع القيادة الدينية، بحيث يكون القرار الخاص بالدين من حق شيوخ الوهابية، بينما تكون السلطة المدنية والسياسية لآل سعود.

    ولكن السؤال يظل قائما ان كان توجه الأمير محمد بن سلمان، رجل السعودية القوي، الذي اطلق شعار الصحوة (دون أن يفهم المقصود بالصحوة ان كانت ضد ايران والشيعة أم ضد شيوخ الوهابية)، سيذهب بعيدا بالابتعاد عن الفكر الاسلامي المتشدد، وبتهميش الوهابية ولو بعض الشيء ان استعصى عليه استئصالها تماما. وهل سيذهب لاحياء الفكر العروبي ليحل محل الفكر الاسلامي المغرق في تشدده، متذكرا بأن العروبة ليست بعيدة أبدا عن الاسلام، خصوصا وأن القرآن الكريم قد أنزل باللغة العربية، لغة العروبة، ولم ينزل بلغة أميركية؟

    وما يشجع على احتمالات انتهاء مرحلة الاسلام السياسي المتشدد، ليس مجرد العمليات القتالية الجارية حاليا ضد الدولة الاسلامية التي شكلت المرحلة الأعلى في الاسلام السياسي المتشدد... فهذه المرحلة القتالية في سوريا والعراق، قد لا تكون جادة تماما في استئصال الدولة الاسلامية بفكرها المتشدد، قدر ما تسعى أميركيا على الأقل، لتحجيمها لتظل تعمل ضمن حدود مرسومة لها. فالدعوة للفكر المقابل، قد تكون أكثر جدية من محاربتها قتاليا، لأن الفكر يقارعه فكر مقابل. ولعل الأمير محمد بن سلمان يفكر فعلا (آمل أن يكون صادقا) بالدعوة للصحوة...الصحوة الساعية للتخلص من القديم، ومن الفكر البالي، وخصوصا الفكر الوهابي العاجز عن التطور ومواكبة النهضة الاعلامية والعلمية التي تزداد انتشارا في العصر الحديث، وستزداد انتشارا ووضوحا خلال القرن الحادي والعشرين.

    ويعزز هذا الأمر، أن التوجه الحديث الذي بدأ يتبلور في السعودية على يد الأمير محمد بن سلمان الذي تتوقع الكثير من الاجتهادات جلوسه قريبا على عرش المملكة السعودية، أن فكرا مشابها متوجها للاعتداد بالعروبة...وفي ادنى الحالات لتجنب الطائفية الى جانب الاعتداد بالاسلام العادل السمح... هذا التصور المشابه بدأ يتبلول أيضا في العراق على يد سماحة السيد مقتضى الصدر (السيد لقب يطلق عليه لكونه يضع العمامة السوداء على رأسه باعتباره طالبا للعلم في الحوزة الدينية لدى الشيعة في العراق) ... الذي يعتد بالعروبة وبالاسلام في وقت واحد، علما بأنه شيعي الانتماء، في وقت كان فيه الأمير محمد بن سلمان منتميا لطائفة السنة، مما قد يشجع قريبا على الالتقاء بين الفكرين الحديثين في تطورهما... التقاء وتطورا قد يضع حدا للخلاف الشيعي السني الطويل والذي أريقت ملايين الدماء البريئة نتيجة له .

    ولكن هذا الانفتاح في السعودية من رجل ذي سلطة يمكن الاعتماد على قدرتها في اجراء التغيير، وما يقابله من انفتاح في العراق على يد رجل دين، ليس ذي سلطة بعد ( لكنه ممثلا تمثيلا جيدا في المجلس النيابي العراقي)، ومنفتح فكرا ويرفض تغليب الطائفية على العروبة، او على العراقية في ادنى الحالات... يقابلهما معا للأسف بعض التشبث بل والمجاملة الناتجة ربما عن الخوف...موقف شيخ الأزهر الشريف الامام أحمد الطيب، الذي يدافع بغرابة تستدعي التوقف قليلا أمامها، عن شروحات "البخاري" التي يعتبرها من المقدسات الكبرى، والتي منها انطلقت افكار كثيرة خاطئة ومنها طروحات "بن تيمية" ، وبعده سيد قطب، والتي شجعت على التطرف في الاسلام. بل ان امام الأزهر يرفض تكفير المنتمين للدولة الاسلامية قائلا بأنه لا يستطيع تكفير أي مسلم، مما يشجع الدواعش في غمرة العجز عن تكفيرهم رغم ابتعادهم كثيرا عن الاسلام الحقيقي... عن الاسلام المعتدل والسمح المتسامح والذي لا يكفر الآخر. ومن هنا ينبغي تشجيع امام الأزهر على التراجع عن بعض مواقفه والتي تأتي مخالفة للتوجه الحالي في السعودية وجزئيا في العراق، والذي نتيجة له تجري محاولات لتحجيم رجال الدين الوهابيين، بل شملت اعتقال بعضا منهم، كما شملت تشكيل مجلس لمراجعة الفتاوى المتدفقة والمتعارضة مع الاسلام السمح (كما سبق وذكرت)، وهي الخطوات التي تواكبها أيضا مظاهرات بين الفينة والأخرى يدعو لها سماحة السيد مقتضى الصدر في العراق تاكيدا لعراقية العراقيين والابتعاد عن الطائفية الذميمة، اضافة الى رفض الاسلام السياسي المتشدد.

    والمعروف أن الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، الداعي أيضا للاسلام الواعي المتسامح والمعتدل، قد أشاد أيضا بمواقف سماحة السيد مقتضى الصدر لدى الالتقاء به مؤخرا في عمان... وهي المواقف الواعية الرافضة للتعصب وللطائفية، مما يعني أننا بتنا بصدد تحرك كهذا في كل من السعودية والعراق والأردن، كما انه متبنى أصلا في سوريا وفي تونس ومصر ...على صعيد الدولة على الأقل في مصر، مع تحفظ حول موقف الأزهر الشريف فيها.

    لكن التحرك في السعودية هو التحرك الأهم. ولو واظب الأمير محمد بن سلمان على توجهه ذاك للانطلاق بعيدا عن هيمنة مشايخ وائمة الفكر الوهابي، فحرر المملكة السعودية من الالتزام القديم الذي باركه الأمير سعود قبل أكثر من قرن من الزمان، متوجها الآن (أي الأمير محمد بن سلمان) نحو تغليب الاسلام المعتدل والسمح الذي لا ينكر أو يتنكر للفكر العروبي الذي أطلقه ابتداء (دون انكار دور قسطنطين زريق وميشيل عفلق وغيرهما من مفكري مصر المتحررين منذ بداية القرن العشرين من الفكر الرجعي) ... أـطلقه الرئيس جمال عبد الناصر الذي تبناه فكرا رائعا منذ انطلاقة الثورة المصرية في يوليو 1952، لحظي الأمير محمد بشعبية كبيرة... لا في السعودية فحسب، بل في العالم العربي كله، ولتحول الى قائد عروبي جديد يقف على قدم المساواة مع ناصر، وربما مع صدام حسين، الذي ذكرت سيئاته كثيرا ولم تذكر أي من حسناته، ومنها ما فعله للعراق، وكونه الأمين العام لحزب البعث العربي الذي كان حزبا عروبيا متشبثا بعروبة العراق، ويرفض الطائفية في بلاد يتكون شعبها من عدة طوائف، أكبرها طائفتين كبيرتين لا تكن الواحدة الود للأخرى، كما يرفض دعوات الاسلام السياسي المتشدد بل ويحاربه بضرواة. ولا ننسى أيضا نظيره في سوريا...الرئيس حافظ الأسد الذي حرر سوريا من الطائفية، وحول كل السوريين الى سوريين طائفتهم الوحيدة هي سوريا، فعندما تسأل السوري ما هي طائفتك، يرد قائلا بأن طائفتي هي السورية أو "سوريتي".

    أتمنى أن يواظب الأمير محمد بن سلمان على توجهه الواعي والتقدمي هذا، وألا نكون في مرحلة الحلم الذي قد نستيقظ منه قريبا، لنكتشف بأنه لم يكن الا حلما.

    المفكر، الباحث والكاتب ميشيل حنا الحاج.
    الاعلامي العربي الأول والمميز لعام 2017 كما اسماه مجلس اتحاد الاعلاميين العرب.
    مستشار في المركز العربي الأوروبي لمكافحة الارهاب - برلين.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع