بطرس الشهيد
مقالات مختارة | أحمد الصاوي
الاربعاء ٢٥ اكتوبر ٢٠١٧
كان بطرس مع غيره من زملائه يؤدى واجبه الوطنى، بقيت أيام معدودات فقط على نهاية مدة تجنيده وخلع رداءه العسكرى، لكن مشيئة السماء أبت أن يخلعه ككل شاب طبيعى يؤدى واجب الوطن ثم ينصرف ليحاول بناء حياته.
فى ردائه الشرطى لفظ آخر أنفاسه، على رمال صحراء الواحات فى مهمة موت جماعية شاركه فيها زملاء كثر كانوا يؤدون الواجب الوطنى، وماتوا لأنهم يؤدونه.
على عكس حوادث إرهابية وطائفية استهدفت الأقباط فى مصر، لم يمت بطرس سليمان لأنه مسيحى، لم يسع قاتله لاصطياده بسبب الصليب الذى يضعه فى باطن معصمه، ولا وقوفه أمام كنيسة تدق أجراسها، وتخرج من داخلها الترانيم. مات بطرس لأنه جندى مصرى، تلك القذائف التى استهدفته مع زملائه استهدفت جنديتهم وأرديتهم العسكرية، وانتسابهم إلى هذه الدولة. هو وغيره من الجنود المسلمين سواء فى ذهن قاتلهم، يستحقون الموت غلى اختلاف عقائدهم، وكلهم لا يتشاركون مع القاتل فى أى عقيدة.
مات بطرس لأنه جندى مصرى، مثله مثل محمد وأحمد وعمرو وغيرهم كثيرين، لكن هناك من سأل كثيراً وكثيراً جداً مستنكراً الجُملة: «الشهيد بطرس!»، لا تجد موقعاً إلكترونياً ينشر أسماء الشهداء إلا وفى التعليقات من يستنكر وصف بطرس بالشهيد، ومن هؤلاء من يعتقد أن القذيفة التى استهدفت الجنود أرسلت المسلمين منهم لمنازل الشهداء، ووضعت المسيحيين فى خانة القتلى الخاسرين، ومنهم من يعتقد أن أى إرهابى كان من الممكن سقوطه برصاص بطرس أو أى جندى وهو يعتدى على الموقع يمكن أن يلحق فى أبديته وهو المعتدى بمنزلة خير من منزلة بطرس المجاهد المدافع عن وطنه ومواطنيه جميعاً.
جدل متكرر مع بطرس سليمان الذى استشهد فى الواحات، ومن قبله بطرس صابر الذى استشهد فى الفرافرة، ومن قبلهما كيرلس الذى استشهد فى كرم القواديس، يجعل تكرار ذات الكلام فى التعليق على ذلك الجدل لا يحتاج لأكثر من تغيير اسم الشهيد فى كل مرة.
كثيرون جداً الذين يستنكرون على بطرس أن يكون شهيداً، وأن يسبق هذا اللقب اسمه فى كل ذكر رسمى، وأن يوضع هكذا «الشهيد بطرس» على أحد الشوارع أو المدارس فى المنيا مسقط رأسه، أو الواحات حيث امتزج دمه برمل الصحراء مع دماء زملائه دون أن تميز الرمال بين دم مسلم ومسيحى.
مثل هؤلاء كثيرون وكثيرون جداً يعيشون بيننا، ليسوا إرهابيين. لم يحملوا السلاح ولم يستبيحوا الأرواح، لكنهم يملكون من أسس الاعتقاد والتفكير ما يجعلهم أقرب ذهنيا لمعسكر الإرهاب، وربما لديهم من التفهم ما يبرر جرائمهم، طالما أنها موجهة لآخر، مسيحى كان أو أى آخر مغاير.
هؤلاء مثلهم مثل الإرهابيين فى كراهية الآخر وازدرائه، والاعتقاد فى رخص حياته، واستباحة دمه وماله، وأيضا مصادرة مصيره فى أبديته. هؤلاء كثيرون جداً فى المدارس والمساجد والمعاهد والنوادى والحكومة والأحزاب.
إنهم يستكثرون على من ماتوا غدراً أن يكونوا شهداء لوطن أراد من قَتَلهُم كسر هذا الوطن وتركيعه.
إنهم يستكثرون عليه أن يكون شهيداً للواجب الوطنى، ربما يمنحون هذا الشرف لغيره فقط بسبب عقيدته، لكنهم لا يكترثون بكونهم ماتوا جميعاً فى المكان ذاته مرتدين الرداء ذاته، مُستَهدفين للسبب ذاته، يواجهون العدو ذاته، ويخدمون ذات العلم.
آمن بطرس بأن آلام المسيح انتصرت للإنسان.. وربما يتمنى أن تنتصر آلامه للإنسان أيضاً كونه إنسانا، ودلالة هذا الانتصار أن يُذكر اسمه موصوفاً بالشهيد، وأن تعتاد الأجيال على هذا الذكر، ولا يكون هناك من يتعجب أو يندهش أو يستنكر.
ما للوطن يمنحه الوطن ولابد أن يمنحه، وما لله يبقى مصيره عند الله العادل وحده.
نقلا عن المصري اليوم