إنى لأعجبُ كيف يمكنُ أن يخونَ الخائنون!
مقالات مختارة | فاطمة ناعوت
الاثنين ٢٣ اكتوبر ٢٠١٧
اللهم اربطْ على قلوب الثكالى أمهات الأبطال، شهداء مصر من أبناء الشرطة، الذين ذهبوا عنّا إلى فردوس الله، فى كمين الواحات. اللهم أحسِنْ عزاءَ مصرَ برحمتك وعوّضها خيرًا فيمن فقدتْ من أنبل وأكرم أبنائها ممن سهرت عليهم مصرُ سنواتٍ حتى تعلّمهم وتدرّبهم على العمليات القتالية الخاصة ليحموا حِماها ويذودوا عن ثراها. وبعد، آن وقتُ الالتفاف حول الوطن ونبذ أيّة مذهبياتٍ وطوائفَ وعنصرياتٍ وتكتلات. آن وقتُ أن نجتمع حول حروف ثلاثة شريفة ليس لنا ملاذٌ إلا بين حضنها، الذى لا نعرف لنا حضنًا غيرَه: مصر. آن وقتُ أن يتركَ كلٌّ منّا أحزانَه الخاصة جانبًا، ونجتمع لنحيط بقلب مصر قبل أن يخفُت، لا سمح اللهُ ولا قدّر، فتخفُت معه قلوبُنا، ونموت.
وبعد. «إنّى لأعجَبُ كيف يمكن أن يخونَ الخائنون!/ أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟/ إنْ خانَ معنى أن يكون/ فكيف يمكنُ أن يكون؟!».
وجدتُ تلك الأبياتُ، لـ«بدر شاكر السيّاب»، تحفرُ حروفَها فى ثنايا قلبى جاريةً مجرى الدم، وأنا أقرأ عن الضابط الذى رجّحت مصادر أمنية تورطه فى العملية الإرهابية الأخيرة، جعلها اللهُ أخيرةً. الضابط السابق، الذى فُصِل من القوات المصرية، لينضمّ لتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى، ثم تنظيم داعش الوحشى. ذلك العميل الذى استغلّ معرفته بمداخل ومخارج الطرق الجبلية الوعرة، وخبرته فى استخدام الأسلحة، التى علمته مصرُ الطيبةُ كيف يحملها ليحميها مع رفاقه، لكنه صار شوكةً فى خصرها، حين سلّم عشرات من جنود مصر النبلاء إلى حتفهم، لتخسرهم مصرُ وتدمى قلوب أمهاتهم الحزانى، وقلوبنا!، كيف أمكنه أن يكوّن خليةً إرهابية حقودة على الأرض الكريمة التى أنجبتهم، فراحوا يُهرّبون الأسلحة والذخائر والنواسف من حدود ليبيا إلى داخل أرض مصر الشريفة، فيكونون نبتةَ عارٍ لا يستحقون شرف الانتساب للجميلة أم التاريخ حاضنة الدنيا؟!.
تصفه التقاريرُ الأمنيةُ بأنه يُعدُّ من أخطر العناصر الإرهابية، بعد التحاقه بالقوات الخاصة، الصاعقة، كفرد تأمين عقب تخرجه، وثارت حوله الشبهات، حين وبّخ ببذىء القول قارئَ قرآن فى أحد المساجد التى كان يصلى بها بسبب خطأ فى التلاوة. ثم فُصل من القوات المسلحة المصرية، بعد محاكمة عسكرية، إثر تحريضه المباشر ضد الجيش المصرى. وسرعان ما كوَّن خلية إرهابية تضم مجموعة من التكفيريين، بينهم أربعة من ضباط الشرطة المفصولين من الخدمة، لعلاقاتهم المشبوهة بالإخوان والجماعات التكفيرية. ثم رصدت الأجهزة الأمنية سفره لتركيا عام 2013، ثم تسلله عبر الحدود إلى سوريا، وتلقيه تدريبات حول «تصنيع المواد المتفجرة والعمليات القتالية»، ليشارك فى عدة عمليات إرهابية، منها مذبحة كمين الفرافرة فى يوليو 2014، ومذبحة العريش الثالثة فى فبراير 2015، واشتراكه فى اعتصام رابعة المسلّح، وغيرها.
هذا الخائن، إن ثبت تورطه فى تلك المذبحة الآثمة، فسوف تتم محاكمته ومعاقبته بما يليق، ولكن، كيف لنا أن نعاقب الشامتين فى دم أبناء مصر، المختبئين كالجرذان فى تركيا وقطر؟!، هل أقل من أن يُحرَموا من شرف هائل لا يستحقونه، هو شرف الانتساب لمصر، ولنا بالتبعية كمصريين، بكل أسف؟، إنى أشعرُ بالعار أن يحمل أولئك الخونة ذات الجنسية الكريمة التى أحملُها ويحملُها أطفالى، ثم أطفالُ أطفالى حين يرون نورَ الحياة كمصريين نبلاء!.
أوجه سؤالى إلى القضاء المصرى وإلى الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وإلى كلّ صنّاع القرار فى بلادى، وإلى تشريع بلادى وصائغى قوانينها: «ألم يئن الأوانُ بعد لتُسقطوا الجنسيةَ المصرية الشريفة عن الشامتين فى دماء جنود مصر النبيلة؟!»، إنى لأتساءل: من أىّ دنس قُدّت أرواحُ أولئك الحاقدين على مصر من أبناء مصر، بكل أسفٍ أقولها؟!، من أية عفونةٍ صيغت قلوبُهم وألسنهم، التى تفرز القيح فى حق مصر كل صباح وكل مساء؟!، ثم سؤال أوجّهه للأزهر: «ألم يحِن الحينُ ليكون خطابكم أكثر تحديدًا وحسمًا بشأن التكفيريين والدواعش، الذين يملأون جنبات مصر على منابرها وشاشاتها وشوارعها وإعلامها؟!».
وفى الأخير، أرسل حبى واحترامى والتحية الراقية لإحدى أيقونات مصر النبيلة. الفنانة الجميلة، الوطنية النبيلة د. إيناس عبدالدايم، التى قررت إلغاء حفلات «دولة الأوبرا» ثلاثة أيام كاملة، بما فى ذلك حفلتها الصولو الخاصة، التى ننتظرها شهورًا طوالاً، حدادًا على شهداء مصر النبلاء. شكرًا لكل نبيل يحمل اسم بلادى وعزاءً طيبًا يا مصر.
نقلا عن المصري اليوم