محمود الكردوسى يكتب: يجعلها آخر «الواحات»
أخبار مصرية | الوطن
٤١:
١٠
م +02:00 EET
الأحد ٢٢ اكتوبر ٢٠١٧
آلة الموت ما زالت تضخ، فوقودها كثير.
حادث الواحات ليس الأول، وقد لا يكون آخر الأحزان.
كل الكلام مكرر: «الإرهاب الأسود لن يزيدنا إلا إصراراً»!.
كل المشاعر مستهلكة: بكينا وعزّينا وتألمنا وشتمنا وسألنا: من المسئول؟. لا تخلينا عن الأمل، ولا فقدنا الثقة فى قيادتنا. لكن حلمنا بأن تكون كل مجزرة زيارة أخيرة للموت.. لا يزال بعيداً.
كل الأسئلة بلا إجابات.. إلا سؤالاً واحداً: كم ضابطاً وجندياً ينبغى أن يموت لتستعيد مصر عافيتها واتزانها وهيبتها؟. كم سرادق عزاء يكفى لتستعيد مصر ضحكتها وروحها المرحة وخفة ظلها؟. كم موتاً يكفى لتستعيد مصر حياتها الطبيعية؟
المصريون الآن ينامون على موت.. ويستيقظون على موت.
بين الشهيق والزفير يموت جندى هنا وضابط هناك.
بين وجبة الإفطار ووجبة الغداء. بين الخيط الأبيض والخيط الأسود. بين أول المقال وآخره. بين صيحة «الله أكبر» ويقين «لا إله إلا الله» فى كل أذان. بين طابور الصباح وحصة الألعاب فى كل مدرسة. بين ضربة الفأس وأنين الأرض فى الغيطان. بين ابتسامة الشهيد واحتقان وجه حامل النعش فى كل جنازة: يمارس شرفاء الجيش والشرطة مهنتهم المقدسة: «الموت»!. يقضون بقية أعمارهم فى الآخرة، فرحين بلقاء ربهم، لكنهم يتحسرون على أنفسهم وقد أصبحوا «بلا وظيفة».
أصبح الموت فى حياة المصريين طعاماً يومياً.
أصبح يمشى إلى جوارهم، ويتحرك بينهم بكل حرية.
أصبح خبراً عادياً، لا يثير فضولاً ولا حزناً ولا قلقاً، بل يزيدهم عناداً وإصراراً على هزيمته.
كان الموت - عندما كانت إسرائيل عدواً تقليدياً - قدراً وامتحاناً. أما وقد أصبح «الإخوان والذين معهم» أشد عداوة للمصريين من إسرائيل، فإن الموت لا يعدو أن يكون خلاصاً أو براءة من ذنب!. نحن الذين سكتنا على هؤلاء القتلة، الخونة، حتى تحولوا إلى ورم خبيث لا بد من بتره. وقال لى صديق إن مصر أجرت جراحة ناجحة فى 30 يونيو، وكل ما حدث ويحدث من يومها «توابع» أو مضاعفات. مصر نزفت كثيراً، وستظل تنزف، وليس أمامها سوى أن تتألم وتبكى وهى تنظف جرحها، فكم جندياً وضابطاً ينبغى أن يموت قبل أن تستعيد عافيتها؟.
أتأمل صور ضباط الجيش والشرطة وأتحسر على خروجهم المبكر وغير الآمن من الدنيا. أسأل صديقاً منهم: هل أنت محبط؟.. فيقول: «بالعكس.. أنا شغلتى أموت». أفكر فى حال زوجاتهم وأبنائهم وقد «تعرّوا» من «ونس» رب البيت: ما الذى يعوضهم؟.
أتأمل صور الجنود الغلابة: المتزوج حديثاً، والذى يقف على عتبة الدنيا، والذى يحلم بفرصة سفر بعد انتهاء خدمته، والذى «عزق» الأرض وتركها تنتظر أن يبث فى رحمها قبساً من روحه البريئة، والذى وضع دبلة الخطوبة فى إصبع ابنة عمه ويقرأ القرآن وهو قابع فى برج المدرعة، وبين كل آيتين يتذكر ليلة زفافه فيبتسم.
أتأمل صور هؤلاء وقد عادوا إلى ذويهم فى صناديق يلفها علم مصر، فأسأل نفسى: كم ضابطاً وجندياً ينبغى أن يموت قبل أن يتوقف الخونة عن التطاول على جيش مصر وشرطتها، ويتوقف «دببة» الداخل و«مهابيل» إعلامه عن نزيف النفاق؟. كم ضابطاً وجندياً ينبغى أن يموت ليتأكد المصريون أن بلدهم عاد إليهم معززاً، مكرماً، لا ينقصه سوى كرتونة زيت وسكر؟. كم ضابطاً وجندياً ينبغى أن يموت لكى نسمع «ليبرالياً» أو «نخبوياً» يتحدث - مرة واحدة وأخيرة - عن ضرورة التمييز بين دم القاتل ودم الضحية، ويقرأ فاتحة الكتاب (إن كان يحفظها) على روح الشهيد؟. كم ضابطاً وجندياً ينبغى أن يموت ليدرك نحانيح الدولة المدنية أن «الفاشية» فى حرب طاحنة كالتى تخوضها مصر.. ليست شراً مطلقاً؟.
هى الحرب إذن، لكنها ليست «أهلية» كما أرادها المترفون والمرتجفون والمتعاطفون، بل حرب المصريين ضد أقذر وأحط من أنجبت مصر. هى الحرب، لكنها حرب «الدولة» ضد شراذم كافرة، لا تفرق فى كفرها بين الله والوطن. وما دامت حرباً.. فلا حرج فى سلاح: من الإقصاء إلى الإبادة. وليكن شهداء الداخلية والجيش ثمناً لـ«مصر نظيفة». ليكن الثمن باهظاً وموجعاً.. لكنهم - جيشاً وشرطة - جديرون به.
الكلمات المتعلقة