الأقباط متحدون - الأنبا إغريغوريوس رجل الرؤى
  • ٠٠:٠١
  • السبت , ٢١ اكتوبر ٢٠١٧
English version

الأنبا إغريغوريوس رجل الرؤى

أوليفر

مساحة رأي

٥٧: ١١ ص +02:00 EET

السبت ٢١ اكتوبر ٢٠١٧

الأنبا إغريغوريوس رجل الرؤى
الأنبا إغريغوريوس رجل الرؤى

 Oliver كتبها 

 
عيناه ناظرتين دواماً إلى فوق كمن يأخذ المعاني من الرؤي.إذا صلىت معه تشعر أنه يخاطب إلها يراه والسماء قدامه مفتوحة.إذا جلست تتعلم من عظاته تجد نفسك كأنما أنت عند قدمي الآباء الكبار القديسين كيرلس و أغسطينوس و يوحنا الدرجى تتعلم.هذا المبارك نقل إلينا تعليم العصور الدسمة بكلمات تحتاج إلى وعى لإستيعابها و أفكار تحتاج إلى إستنارة روحية.
 
           -أخذ شهادتي دكتوراه في فلسفة الآداب و علم القبطيات من جامعة مانشيستر فصار هو أحد علماءها عبر عقود .أخذت منه رسائل الدكتوراه و هو يتقدم ليأخذها.كان الطالب الأستاذ.و بقي الأستاذ في بلاد كثيرة يعلم في جامعاتها حتي بعد رتبة الأسقفية التي نالها عام 1967 بيد القديس البابا كيرلس.فصار الأسقف القبطي الوحيد الذى يعلم في جامعات أوروبا المختفة.كان في ذاته سفيراً مشرفاً لمصر و للكنيسة المصرية.كان مدرسة متنقلة يجمع في معرفته كنوزا تفوق ما في الكتب.هذا العملاق الروحى طاف جميع كنائس مصر واحدة فواحدة .الصغيرة و المجهولة و الكبيرة المشهورة.في القري علم كما في المدن.لم يكلفه أحد سوى قناعته بأن الله يعمل به للتنوير الروحي و التعليمي.ففاقت عظاته 8600 عظة . بقي الأنبا إغريغوريوس أول أسقف للدراسات العليا اللاهوتية و البحث العلمي و الثقافة القبطية و ظل كنزاً من كنوز المعرفة في كنيستنا القبطية و لم يشغل  أحد  كرسيه حتي اليوم.
 
- في زمن كان التعليم شحيحاً و البحث  العلمي متوقفا ًصار المبارك اسقفا لأسقفية غير موجودة في تاريخ الكنيسة كلها.فشعر بالمسئولية الثقيلة لتأسيس أسقفية ذات  دور متفرد و تأثير و برع في الصلاة التي بدونها لا يثمر أحداً.و أعاد الإكليريكية إلى الحياة مع أنها لم تعد تتبعه بمجرد رسامة البابا شنودة أسقفا للتعليم.فصار في كنيستنا مدرستان الأولي الأنبا إغريغوريوس يخاطب ذوى الفكر االعالى و العلم الراسخ و الثانية مدرسة البابا شنودة في تبسيط التعليم و مخاطبة الجميع بلغة لائقة لكل المستويات. و مع أن الرمزين العظيمين إختلفا في الآراء لكن إختلافهم كان شهادة روحية لكل منهما .لم يكن الخلاف مثل إختلافات الصغار بل كما يختلف القديسون معاً.هذا يكمل ذاك لذلك إنتعش التعليم في جميع المستويات.
 
- كتب كتبا كثيرة فاقت 161 كتاباً  كانت ملهمة للدارسين و شجعهم في دراساتهم بكتابة مقدمات لكتبهم فأضافت قيمة لكل كتاب تزين بإسمه لكن أكثر الكتب مدعاة للجدل كان كتابه عالم الروح.الذى عكس جانبا غامضا في شخصية الرجل.فهو رجل الرؤي في زمن كانت فيه الرؤي عزيزة.
 
 - أما عن كتاب عالم الروح فبدأ هكذا: كان البعض لا يكتف بما يسمعه من عظاته الطويلة الدسمة بل يتحلقون حوله بعد إنتهاء العظة و يسألونه اسئلة خاصة وصعبة و كانت كثير من الأسئلة حول الأبدية والحياة بعد الموت و ما فيها و عالم الروح  و روح النبوة و مواهب صارت غير معروفة في كنيستنا لعدم ممارستها.كان يشعر أنه يحيي أفكاراً تكاد تندثر و تبحره في المعارف يدله علي أصولها.فتحدث الأسقف النوراني كمن ير السماء مفتوحة.آخذا في كتابه صحبة من مدرسة التعليم الرؤوي مثل القديسين إكليمندس و أغناطيوس .و المعلم الفذ أوريجانوس و كتابات من الكنيسة الروسية و السريانية.كان منفتحاً غير هياباً لما يراه صحيحاً.
 
- لم يكن ممن يسمحون بنطق كلمة بغير نطقها الصحيح و هو الذى يجيد الكلام بثمان لغات.كان يوقف الكاهن في القداس لكي يصحح ما يصلي به و يشرح الخطأ و الصواب.فهكذا بنفس التدقيق كان يري عالم الأرواح.و لأنه عالم آخر لا نعرف عنه الكثير صار كتابه جدلياً و أثر علي إنتشار بقية كتبه.فخسرنا من علمه الكثير ليتنا لا نكرر أخطاءنا.
 
- كان الأنبا أغريغوريوس  أب إعتراف نادر الوجود.علمني الكثير و كنت أفتخر بأبوته منذ تعاملت معه.كان يتابع أولاده الروحيين أينما سافروا فلا يشعرون باليتم في زمن كان التواصل فيه عسيراً.بالروح كان ينقاد و يقود و يصل إلى ما لا يستطيع الجسد تحقيقه.لهذا كان حديثه عن عالم الروح تعايشاً حقيقيا أكثر من مؤلفاً أكاديمياً.و لهذه الموهبة إختاره البابا كيرلس رئيساً للجنة تقصي الحقائق التي حققت و أعلنت ظهور القديسة مريم أم الله في كنيستها بالزيتون.
 
- حدث في السنين العشرة  الاخيرة من عمره أن عقله لفظ كل العلم و نسى الوجود كله و عاش هذه السنوات بعقل آخر بدير القديس مارمينا لم يتركه حتي عامه الأخير ال82 من العمر يوم تنيح فى 22أكتوبر 2001  .عاد للدير و سكنه الدير لا يخرج منه بل يقتات علماً ليس في الكتب..فكان مدرسة للرهبان في نسكه و هو حامل للإسكيم و صار البارع فى الكلام صامتاً فكما تعلمنا من كلامه تعلمنا من صمته.كما أجاد فى شبابه بالعلم العميق أجاد في شيخوخته بالصمت العميق.
 
الكبار لا تختزلهم المقالات.حياتهم أغزر من الكتب كلها.هؤلاء أرسلهم الله لكي يضعوا بصماتهم فوق الصخور فلا تزول.طوباها الكنيسة التي تجد من هؤلاء الكثيرين.طوباكم أيها الكبار و معكم الطوباوي الأنبا إغريغوريوس و البابا شنودة و الأب متي المسكين.طوباكم كلكم الرب يستخدمكم للعمل السمائى كما كنتم أمناء في القليل على هذه الأرض.
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع