الأقباط متحدون - التجربة اليابانية فى مواجهة البيروقراطية المصرية!
  • ١٨:٠٣
  • الجمعة , ٢٠ اكتوبر ٢٠١٧
English version

التجربة اليابانية فى مواجهة البيروقراطية المصرية!

مقالات مختارة | منى مكرم عبيد

٤١: ٠٨ م +02:00 EET

الجمعة ٢٠ اكتوبر ٢٠١٧

منى مكرم عبيد
منى مكرم عبيد

كثيرا ما تحدثنا عن تطوير التعليم، وتم طرح كثير من المقترحات، ومع ذلك ظلت إشكالية التعليم مستمرة، ونزيف موارد الأسرة المصرية فى الدروس الخصوصية مفتوحا، وضعف المواد التعليمية وبالتالى الجرعات العلمية المخصصة للتلاميذ، ويستمر الخلل فى المنظومة التعليمية، ومع ذلك يبدو أننا فى مرحلة مختلفة بقيادة وزير التربية والتعليم طارق شوقى، فهو وزير من نوع خاص له رؤية مختلفة، اخترق كثيرا من القوالب الصلبة ولم يخش عش الدبابير، وأعتقد أنه سوف تنعكس خطواته الإصلاحية الأخيرة على أوضاع التعليم للأفضل مستقبلا.

ووصلتنى مؤخرا شكاوى عديدة من بعض التلاميذ فى المدارس الحكومية يشكون فيها من إجبار المدرسين لهم على الالتحاق بالمجموعات المميزة أو الدروس الخصوصية، وإلا الرسوب فى العام الدراسى، وتقديم نماذج لهم رفضت الدروس ورسبوا، وهى قمة الفشل والإهانة للمنظومة التعليمية، التى أصبحت مليئة بالمشكلات، ولم يعد الأمر يقتصر على تطوير المناهج التعليمية، بل هناك تكدس فى المدارس وغياب التأهيل الجيد للمعلمين، إلى جانب غياب تطوير المناهج بشكل يتماشى مع التغيرات التى شهدتها الدول المتقدمة.

أعتقد أنه فى مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن ينصلح حال التعليم، ومثل هذه الممارسات تشوه المنظومة التعليمية ولا تبعث الأمل بالنفوس فى عام دراسى خالٍ من الممارسات الضارة أو السلبية، وتجعل من المدرسة مكانا روتينيا لا يتلقى فيه التلاميذ أى جرعات تعليمية، ويصبح مكانا قاسيا لأولياء الأمور الذين يتفرغون لإنفاق ميزانية فوق تحملهم على الدروس الخصوصية والمجموعات، ومن ثم لابد من البحث عن أفكار غير تقليدية وخارج الصندوق، إذا كانت هناك حاجة لتطوير التعليم فعليا.

وأنتهز زيارتى لليابان هذه الأيام بدعوة من جامعة الأمم المتحدة بطوكيو لزيارة عدد من الجامعات، وإجراء مقابلات مع رؤساء جامعة طوكيو، ناجويا وصوفيا، للاطلاع على أحدث نظم التعليم باليابان، خاصة أنها دولة متقدمة فى التعليم ولها إسهامات كثيرة نتمنى أن نستفيد منها، خاصة أن الحكومة اليابانية لا تدخر أى جهد فى التعاون مع مصر فى هذا المجال وتقديم كل الإسهامات المتاحة.

واطلعت مؤخرا على تصريحات وزارة التربية والتعليم بشأن نيتها التوسع فى تطبيق التجربة اليابانية فى المدارس المصرية بعد تعميم تطبيقها فى 12 مدرسة فى العام الدراسى السابق فى بعض المحافظات، ليشمل التطبيق 100 مدرسة جديدة تطبق عليها التجربة فضلا عن بناء 212 مدرسة أخرى تخصص للتجربة اليابانية خلال 4 سنوات قادمة، بعد أن أكدت نتائج التجربة اليابانية فى المدارس المصرية، تغييرا جذريا فى أداء العملية التعليمية، وتحقيق الإصلاح الشامل لقطاع التعليم العام من خلال مشروع «الشراكة المصرية اليابانية للتعليم»، الذى يتضمن التركيز على مستحدثات التعليم والإدارة المدرسية فى اليابان وتطبيقه فى مدارس مصر اعتمادا على الخبرة اليابانية فى التعليم بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد زيارته مدارس يابانية فى طوكيو.

فنظام التعليم فى اليابان يعتمد على التنمية الشاملة للتلاميذ، من خلال العمل الجماعى بين الطلاب، والأنشطة الصيفية واللاصيفية، ولتعزيز مستوى وقدرات الطفل، حسب كل سنة دراسية، وتلاحم الطالب فى داخل مدرسته مع أقرانه وتأكيد المساواة دون التمييز من خلال التعاون فى المواقف مع تقديم الخدمة التعليمية المتميزة، لتحسين المستوى الدراسى للطفل، وتنمية العلاقات الإيجابية بين التلاميذ، وشعور الطالب بحب الدراسة والمدرسة والعملية التعليمية، بما يحقق ارتباطه بالمدرسة، والانطلاق فى الرغبة فى التعلم، ومنه يمكن تشكيل مجتمع متماسك وقوى، وبما يحقق نهضة المجتمع، فضلا عن تخريج مواطن لديه احترام للآخرين، ينتمى لبلده يثق فى نفسه.

هذا النموذج ذكرنى بما قدمته خلال رئاسة جمعية النهضة بالتعليم، حيث كنت حريصة على تنظيم معسكرات صيفية للتلاميذ لصقل قدراتهم الحرفية، واستلهام نموذج «معهد دون بوسكو» الإيطالى الذى يخطف عقول رجال الأعمال وأصحاب الشركات لما له من دور كبير فى الاهتمام بالتعليم الفنى ورفع قدرات التلاميذ، وكنت حريصة أيضا على نشر أفكار المواطنة والتربية المدنية، خاصة فى ظل عدم توفر أماكن بديلة لتدريب التلاميذ على المشاركة الإيجابية فى المجتمع.

كذلك خلال عضويتى بنادى الجزيرة وتولى منصب السكرتير الشرفى للنادى، خاطبت وزير التربية والتعليم آنذاك حسين كامل بهاء الدين لتوفير تعليم للأطفال المتسربين، وبالفعل طلب منى مراسلة اللواء صالح المسؤول عن محو الأمية، واتخذنا من فيلا «ميجور مراد» الشهيرة مكانا لتأهيل التلاميذ العاملين بالنادى، ونجحنا فى تعليم عدد من التلاميذ بعد توفير المعلمين والمناهج الدراسية والكتب من الوزارة، وهناك من وصل من هؤلاء الأطفال إلى التخرج من الكليات فى خطوة نالت استحسان الكثيرين فى هذا الوقت.

لذا أعتقد أن هناك ضرورة لمنح المجتمع المدنى فرصة القيام بهذا الدور لدمج التلاميذ بالمجتمع، ورفع قدراتهم ومنح الفرصة للتربية المدنية للتوغل فى المدارس، بعد أن اكتفى القطاع الخاص ببناء كثير من المدارس كمبان دون الاهتمام بدورها فى المشاركة المجتمعية.

فى النهاية.. أعتقد أنه آن الأوان للاستفادة من التجربة اليابانية، والوصول إلى نموذج مختلف لنظام التعليم فى مصر يقوم على تطوير المناهج وتأهيل المعلمين وتدريبهم والاهتمام بالتلاميذ لتفجير طاقاتهم الإبداعية والرياضية والفنية، ولكن هل تتكاتف كل مؤسسات الدولة لإنجاح هذا النموذج بما يعود على المجتمع من تطوير هو بحاجة إليه، أم تنتصر البيروقراطية بوجهها القبيح؟!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع