الأقباط متحدون - تحية لقواتنا الباسلة على تحريرها كركوك
  • ٠٣:٢٢
  • الخميس , ١٩ اكتوبر ٢٠١٧
English version

تحية لقواتنا الباسلة على تحريرها كركوك

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٥٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ١٩ اكتوبر ٢٠١٧

ارشيفية
ارشيفية
د.عبدالخالق حسين
 
لا شك أن يوم الأحد 16/10/2017، يعتبر يوماً حاسماً في تاريخ العراق الحديث، حيث تم فيه تحرير مدينة كركوك ومناطق أخرى من هيمنة وطغيان مسعود بارزاني، وهذا التحرير لا يقل أهمية عن تحرير الموصل من دنس داعش، حيث أعادت الدولة هيبتها، كما وأعاد الجيش العراقي معنوياته التي حاول مسعود وأمثاله من أعداء العراق تدميرها يوم تآمروا مع داعش بتسليم المناطق الغربية مقابل تسليم كركوك لحكومة الاقليم.(1)
 
و تحية إلى رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لقراراته الحكيمة والشجاعة، وقيادته للسفينة العراقية وهي تواجه أعنف وأخطر وأشد العواصف التاريخية عربدة، وقد تسلح بالحكمة وصبر أيوب في التعامل مع الطاغية الصغير مسعود بارزني الذي ركبه الغرور، فكلما تساهل معه العبادى، تمادى وأمعن أكثر في غروره وطلباته وتجاوزاته على الدستور، وراح يملأ الدنيا صراخاً وعويلاً أن "حكام بغداد" يتجاوزون على الدستور، وأنه لم يبق أي أمل للكرد للتعايش في عراق موحد. وراح يعزف على الوتر القومي والعنصري والطائفي لإثارة الكرد وكسبهم إلى جانبه لتحقيق أغراض شخصية وحزبية.
 
والجدير بالذكر، والأدهى والأمر، أن مسعود بارزاني الذي خلق كل هذه المشاكل لشعبه وللعراق، هو رئيس غير شرعي، وجميع قراراته تعتبره مخالفة ليس للدستور العراقي فحسب، بل وحتى لدستور الإقليم، إذ انتهت رئاسته عام 2013، فمدد له برلمان الإقليم رئاسته لمرة واحدة ولسنتين، أي لنهاية عام 2015 غير قابلة للتمديد، وعلى برلمان الاقليم اختيار رئيس جديد. إلا إن مسعود قام بتعطيل البرلمان، ومدد رئاسته إلى أجل غير مسمَى (يعني رئيس مدى الحياة). ولذلك فهو غير شرعي وبالتالي قراراته غير شرعية. ولهذا السبب راح يلعب على الوتر القومي والطائفي ليكسب الشعب الكردي إلى جانبه.
بارزاني ركبه الغرور، وتحدى النصائح من جميع الجهات، الكردية، والعراقية، والدولية التي طالبته بعدم إجراء الاستفتاء، لأن الوقت غير مناسب، ولكنه تحداهم جميعاً، على أمل أن يكسب الشعب الكردي إلى جانبه ويحرج منافسيه الكرد، ويعلن إمارته البارزانية، ويدخل التاريخ كمؤسس للدولة الكردية المستقلة.
وهو الذي تعاون مع داعش عام 2014 في تقسيم الغنائم، موصل والمناطق العربية السنية لداعش، مقابل كركوك لحكومة الإقليم. وهذا ما حصل يوم 10 حزيران 2014، مخالفاً بذلك الدستور الذي أقر تبعية كركوك وجميع "المناطق المتنازع عليها" للعراق، وخصصت المادة 140 من الدستور لحل هذه المشكلة سلمياً في عراق فيدرالي موحد. إلا إن مسعود ألغى من جانب واحد هذه المادة من الدستور وأعلن أن (كل ما تحقق بالدم لن يتنازل عنه إلا بالدم)، وأن مشكلة داعش هي صراع سني- شيعي لا علاقة للكرد فيه. والمعروف أن بارزاني هو الذي امر بسحب قوات البيشمركة من سنجار وتسليمها لداعش التي قامت بعملية إبادة الجنس وهتك الأعراض ضد الأيزيديين، ولم يتحرك بارزاني ضد داعش إلا بعد أن وصل الدواعش إلى تخوم إربيل، وعندها أدرك أن داعش هي ليست صراع سني- شيعي، بل مسألة حياة أو موت لكل العراق بما فيه الكرد.
 
لقد أثبت بارزاني جهله بالسياسة والثقافة والتعلم، وأنه مجرد بندقية للإيجار لتدمير العراق. فتعليمه المدرسي لم يتعدى الصف الأول متوسط، ويتباهى أنه ترك الدراسة وحمل الكلاشنكوف وهو في عمر 16 سنة. فماذا تتوقع من هكذا قائد سياسي شبه أمي، استلم القيادة بالوراثة لأنه ابن الملا مصطفى بارزاني ليس إلا. ولذلك جازف بالقضية الكردية العادلة وكرسها لأغراض عائلية وحزبية. 
لقد نال الكرد من مكتسبات باهرة ضمن الفيدرالية العراقية الديمقراطية أكثر مما لو كانت كردستان دولة مستقلة. فحكومة الاقليم كانت ومازالت تحكم كردستان كدولة مستقلة إضافة إلى حصتها في حكم العراق ووارداته المالية. ولكن مسعود لم يتخلص من حقده الأسود على العراق وشعبه، إذ لم يترك مناسبة إلا وراح يصرح ضد العراق، وأخيراً تبنى نفس النغمة الطائفية النشاز بأن العراق قد أنتهى، ولا أمل في الشراكة مع حكومة بغداد "الطائفية"(2)، ويقصد طبعاً السياسيين الشيعة، وجعل من كردستان ملاذاً آمناً لفلول البعث وأيتامهم من الذين تآمروا على العراق الديمقراطي، بل شارك حتى في مؤتمر عمان الذي مهد لاحتلال داعش للموصل عام 2014.
 
وعلى الضد من بارزاني، فقد أثبت الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء، حنكة سياسية، متسلحاً بالحكمة والصبر في التعامل مع مسعود بارزاني وبشكل عجيب. وكلما قدم العبادي تنازلاً لمسعود، تمادى الأخير أكثر فأكثر في غيه وتجاوزاته على سيادة الدولة العراقية إلى حد أنه رفع علم الإقليم على جميع الدوائر في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، متجاهلاً  الدستور ونصائح العبادي في الكف عن هذه التجاوزات ولكن بلا جدوى، وراح أتباعه في الدول الغربية يذرفون دموع التماسيح والادعاء بأن الحكومة المركزية هي أسوأ من عهد صدام، وهي التي تتجاوز على حقوق الكرد، وتخالف الدستور. وقام مسعود بتجويع شعبه، حيث أوقف دفع رواتب العاملين في الإقليم من أجل تحريض الشعب الكردستاني، وكسب العطف العالمي ضد الحكومة المركزية، واتهامها بتجويع الكرد وعدم دفع رواتبهم، علماً بأن مسعود كان يصدر نحو 900 ألف برميل من النفط الخام، خلافاً للدستور، فأين ذهبت الواردات؟ 
لقد استغل مسعود انشغال القوات العراقية في معاركها ضد داعش، حيث انتصرت قواتنا المسلحة بجميع فصائلها على قوى الظلام والتوحش، واستعادت هذه القوات هيبتها التي حاول أعداء العراق من أمثال بارزاني تدمير معنوياتها، مدعياً أن الجيش العراقي أنهزم أمام داعش، بينما الكل يعرف كيف تم تسليم هذه المناطق بمؤامرة محلية ودولية لتحقيق غايات سياسية مؤقتة، وها هو الجيش نفسه يحرر الأرض والعرض من دنس الدواعش، كما حان الوقت يوم 16/10/2017 لاسترجاع كركوك ومناطق أخرى من هيمنة مسعود، وإلحاق الهزيمة به، وتركه يلعق جراحه، ولم يبق له من صديق سوى إسرائيل التي تعتبر صداقتها لمسعود خزي وعار عليه.
 
وأخيراً أثمرت حكمة العبادي وصبره، بينما مسعود بارزاني الآن لم يبق له سوى إلقاء اللوم على القيادات الكردية المعارضة له واتهامها بالخيانة. وهكذا ينطبق عليه قول الشاعر:
 
إذا كان الغراب دليل قوم.... فسيدلهم إلى أرض الخراب
وها هو مسعود فقد تسبب في عرض كل ما حققه الشعب الكردي من مكتسبات عبر عشرات السنين من النضال المرير، إلى الضياع. وقد أدرك بعض القادة الكرد هذه الحقيقة، فقد شن مسؤول جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان لاهور شيخ جنكي طالباني، هجوما على رئيس كردستان المنتهية ولايته مسعود البارزاني، لافتا اننا "لن ندفع ابنائنا" للموت من أجل كرسيه(3). كذلك قال السياسي الكردي المعروف، د. محمود عثمان أن (العبادي ذبح البرزاني بسكين ناعم)(4). كتعبير عن انتصار حكمة وصبر العبادي على غرور وتهور مسعود.
 
لقد أصر بارزاني على إجراء استفتائه سيئ الصيت رغم معارضة حكومات مناصرة للقضية الكردية، مثل أمريكا على لسان وزير خارجيتها تلرسون، الذي أبدى استعداد بلاده دعم طموح الشعب الكردي بما فيه إقامة دولته المستقلة، فقط أن يؤجل الاستفتاء إلى وقت مناسب في المستقبل، لأن إجراءه الآن يشكل عقبة في الحرب على داعش(5). إلا إن بارزاني أصر واستكبر، لذلك خسر حتى أصدقاءه في الداخل والخارج، والآن يلعق جراحه، وراح مثقفو الكرد يطالبونه بالتنحي(6). 
 
وكما تفيد الحكمة: (رب ضارة نافعة). فبإصراره على إجراء الاستفتاء، فقد أوقع مسعود نفسه في الفخ، وعلى العبادي الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية، بأن يفرض حكم الدستور، وعدم التخلي عن أية فقرة منه. فكردستان تتمتع بالحكم الذاتي، وحصتها من الموازنة 17% لدفع رواتب جميع العاملين في الاقليم بمن فيهم قوات الشرطة والبيشمركة، خاصة وأن البيشمركة هي مليشيات حزبية ولاؤها ليس للحكومة المركزية، ولا حتى لرئيس الإقليم، بل للقيادات الحزبية السياسية. لذلك على الدكتور العبادي الثبات على موقفه الذي أعلنه في رده القاطع على دعوة الاقليم للحوار(7 و8) ودون أية تنازلات عن حق الشعب العراقي، ويجب معاملة جميع أبناء الشعب بالعدل والمساواة وفق ما أقره الدستور، لا أقل ولا أكثر.
ــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ 
 
2- سالم مشكور: سلاح الطائفية.. كرديّاً!
 
3- طالباني: لن ندفع بأبنائنا للموت في سبيل كرسي مسعود
 
4- محمودعثمان : العبادي ذبح البرزاني بسكين ناعم
 
5- نص الرسالة التي وجهها تيلرسون إلى البارزاني قبل يومين من إجراء الاستفتاء
 
6- شيرزاد شيخاني: آن لبارزاني أن يريح ويستريح
 
7- رد قاطع من مكتب العبادي على دعوة الإقليم للحوار
 
8- العبادي يدعو البيشمركة في كركوك الى أداء واجبها تحت القيادة الاتحادية
 
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع