وهو يبدأ دور الانعقاد الثالث .. مجلس النواب .. ما له وما عليه
يوسف سيدهم
السبت ٧ اكتوبر ٢٠١٧
يوسف سيدهم
في مستهل هذا الشهر بدأ دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب وعادت مصر -حكومة وشعبا وإعلاما- تعيش وتتابع فعاليات الأداء البرلماني بكل ما يتضمنه من جلسات ومناقشات ومهام تشريعية ورقابية… وبقدر ما يمثله البرلمان من العمود الفقري للمنظومة الديمقراطية يظل معيار النضج الديمقراطي وإدراك أسس الدولة المدنية الحديثة مرهونا بالأداء والممارسة والقيادة تحت القبة.
إن كل ما يتغني به رئيس مجلس النواب والأعضاء من حصيلة الأجندة التشريعية التي تم إنجازها في دوري الانعقاد الأول والثاني لا يمكن لمنصف إنكاره, لكن يبقي المسكوت عنه هو المناخ المسيطر علي الحياة البرلمانية والعصبية التي تتسم بها المناقشات والتخبط في المواقف السياسية نتيجة التشرذم الحزبي وعدم وضوح الكتل البرلمانية… كل ذلك وغيره الكثير ألقي بظلاله علي الأداء حيث كانت سخونة وحدة المناقشات وانفلات وعنف الصراعات السمات المسيطرة علي إدارة الاختلاف, فكان ما شهدناه من تدني لغة الحوار وشيوع التشنج واستباحة التشهير بالمختلفين في الرأي وتجريحهم مما أدي في بعض الحالات إلي فقدان السيطرة علي الجلسات وانفجار التجاوزات اللفظية والاشتباك بالأيدي… ولا يخفي علي أحد أن تفادي تردي الأمور إلي تلك المهازل يعتمد في الأساس علي قيادة المجلس ورئاستها للجلسات وامتلاكها الخبرة السياسية والبرلمانية التي تجعلها تستشعر التجاوزات في مهدها فتتدخل في الوقت المناسب لتلعب دور صمام الأمان متسلحة باللائحة تارة وبالحصافة السياسية تارة أخري وبقيادة دفة المناقشات بالحنكة والصرامة تارة ثالثة.
ويؤسفني القول إنه من العسير والمؤلم علي نفسي أن أعترف أن ما تخلفه معايير إدارة ورئاسة الدكتور علي عبدالعال للجلسات الملتهبة لمجلس النواب يدفعني لعقد المقارنات بينه وبين الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في عهد مبارك, وأن تلك المقارنات جميعها ترجح كفة سلفه, بل هي في الحقيقة تشير بوضوح إلي سلسلة متعاقبة حلقاتها من الشخصيات التي ترأست البرلمانات المصرية عبر العصور ونجحت بامتياز في ترسيخ تقاليد عريقة محترمة لآليات المناقشة والاختلاف وحسم الأمور بالمنطق والحجة والجدية.
ولعل من الأمور التي يجب التصدي لها بشجاعة وحسم نحو ضبط الأداء تحت القبة العمل علي ترتيب التشرذم السياسيي بين الأعضاء… أعرف أن هذا التشرذم إنما هو نتيجة خريطة حزبية غزيرة التعدد لكن ضعيفة التكتل وفاقدة الهوية, الأمر الذي انعكس علي الانتخابات البرلمانية التي جرت منذ أكثر من عامين بشبه غياب للبرامج الحزبية والكتل السياسية واجتياح الأسماء من كل حدب وصوب مما ترك الناخبين في حيرة من أمرهم واضطروا إلي إعطاء أصواتهم انحيازا للأسماء الفردية والشخصيات العامة ورؤساء العشائر والقبائل والعائلات, وكانت الضحية اختفاء البرامج السياسية والتكتلات التي تشغل اليمين والوسط واليسار تحت القبة, وبات الأداء البرلماني مرهونا بالهوي الشخصي عاجزا عن المساندة وحسابات الأغلبية والأقلية مما أفرز العصبية في النقاش وضياع الحجة أمام التشنج والانفلات إزاء تراجع القيادة والقدوة.
لكن إذا كان ذلك المشهد المؤسف هو نتاج الواقع المريض… وإذا كان أمامنا ثلاثة أدوار انعقاد ماتزال متبقية قبل الانتقال إلي انتخابات برلمانية جديدة… ألا يوجد أمل في مبادرة من داخل المجلس الحالي لدعوة النواب للاصطفاف في كتل سياسية واضحة وقوية تبعا لقناعاتهم وانتماءاتهم السياسية؟… ألا يوجد أمل في إعادة تشريح أعضاء المجلس في ثلاث كتل لليمين والوسط واليسار وبناء عليه يتم بلورة رؤي سياسية واضحة لموقف كل كتلة من العمل البرلماني والأجندة التشريعية؟… إن ذلك لو حدث من شأنه تصحيح مسار الأداء البرلماني علاوة علي غرس البذرة نحو ضبط التشرذم الحزبي في الخريطة السياسية تمهيدا لإفراز
كيانات حزبية قوية تغذي انتخابات برلمانية صحية وعفية مستقبلا.
وأخيرا نأتي إلي الأجندة التشريعية التي تنتظر المجلس في دور انعقاده الثالث حيث أفاد الدكتور علي عبدالعال في حواره مع جريدة الأهرام في 29 سبتمبر الماضي أنها تتضمن قانون حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة, وقانون تنظيم الصحافة والإعلام, وقانون الإجراءات الجنائية, وقانون حماية المستهلك, وقانون الإدارة المحلية, وقانون العمل, وقانون المنظمات النقابية العمالية وقانون الشباب… وغيرها من مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة أو الأعضاء طبقا للائحة… لكن ما استرعي انتباهي أن رئيس المجلس لم يذكر -أو لم يتذكر- مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين تنفيذا لنص الدستور في مادته الثالثة والذي أعرف أنه تمت صياغته ووجد طريقه إلي الحكومة لتتقدم به للبرلمان… أقول ذلك وأصارحكم القول إني غير آسفعلي عدم ذكره ضمن الأجندة التشريعية لأني مازلت متشبثا بالأمل أن يتم تضمينه باب المواريث الذي يرسخ مساواة نصيب المرأة بنصيب الرجل قبل إرساله تحت القبة.