الأقباط متحدون - حرب أكتوبر والتسوية السياسية
  • ١٦:١٧
  • السبت , ٧ اكتوبر ٢٠١٧
English version

حرب أكتوبر والتسوية السياسية

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٣٠: ١٠ ص +02:00 EET

السبت ٧ اكتوبر ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

أصابت حرب السادس من أكتوبر 1973 القيادات والمجتمع فى إسرائيل بصدمة شديدة، أدت إلى تشكيل لجنة تحقيق مع القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية لتحديد المسئولية عن هذه الهزيمة التى أسقطت أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وكشفت حقيقته أمام الجيش المصرى رغم الجسر الجوى المباشر من مخازن سلاح حلف شمالى الأطلنطى فى جنوب أوروبا، وتحديداً من إيطاليا. ونجحت القيادات السياسية فى تحميل القيادات العسكرية المسئولية عن الهزيمة، لذلك وجّهت لجنة التحقيق الاتهامات بالتقصير إلى القيادات العسكرية، وعلى رأسها رئيس الأركان ديفيد بن اليعازر الذى اعتبر ما حدث معه نوعاً من التضحية به، وسرعان ما أصيب الرجل بالأمراض القاتلة ورحل سريعاً بعد توجيه الاتهام إليه.

المهم أن حرب أكتوبر 1973 أصابت المجتمع الإسرائيلى بصدمة كبيرة، فقد سقطت أوهام أن لإسرائيل جيشاً لا يُهزم، وذراعاً طويلة تضرب فى أى مكان، وهى القوات الجوية. وعموماً أسقطت حرب أكتوبر أوهام قادة إسرائيل بأن العرب باتوا جثة هامدة وأن إسرائيل بإمكانها فرض ما تريد من شروط عليهم، وبات المجتمع الإسرائيلى فاقداً الشعور بالأمن، وتسبّبت الحرب والهزيمة فى حالة من فقدان اليقين، ومن ثم بدأت ظاهرة الهجرة العكسية، أى مغادرة إسرائيل باتجاه أوروبا والولايات المتحدة، وهو الأمر الذى سبّب قلقاً بالغاً للقيادات الإسرائيلية، فى تلك الفترة، من التوتر والخوف وعدم اليقين، الذى اجتاح المجتمع الإسرائيلى، وأدرك الرئيس الراحل أنور السادات أن حالة الترنّح وعدم اليقين هى اللحظة المناسبة لاسترداد باقى الأراضى المحتلة على مائدة المفاوضات، ومن ثم كان قراره المحسوب بدقة، بطرح مبادرته بزيارة القدس وإلقاء كلمة أمام البرلمان الإسرائيلى، وهى المبادرة التى أصابت القيادة الإسرائيلية بحالة من الاضطراب الشديد، لدرجة أنهم أعدّوا العدة للتعامل مع قناصة وانتحاريين قادمين من مصر فى الطائرة التى كان يُقال إنها تقل الرئيس السادات، وبمجرد فتح باب الطائرة وخروج الرئيس السادات منها تنفّس قادة إسرائيل الصعداء، وإن ظلت الصدمة تلف الجميع. كان «السادات» يدرك أنه ما لم يطرق الحديد وهو ساخن ويستغل حالة عدم الاتزان التى يمر بها المجتمع الإسرائيلى وقياداته فإنه لن يتمكن من تحرير باقى التراب الوطنى المصرى والأراضى العربية التى احتُلت فى عدوان «يونيو 1967». رفضت القيادات السورية والفلسطينية والأردنية واللبنانية مسايرة «السادات»، وقاطعوه وقاطعوا مصر، وتشكلت جبهة الصمود والتصدى، وكانت النتيجة أن استعادت مصر أراضيها حتى المتر الأخير، فى حين انتشرت المستعمرات اليهودية فى باقى الأراضى العربية المحتلة، حيث تم تهويد القدس الشرقية التى احتلت فى عدوان يونيو، واعتبارها مع الشطر الغربى العاصمة الأبدية للدولة العبرية، كما انتشرت المستعمرات اليهودية فى أنحاء الضفة الغربية والجولان السورى المحتل، على نحو يصعب معه تصور تصفية هذه المستعمرات فى أى صيغة للتسوية السياسية، فإذا كانت الحرب امتداداً للسياسة بوسائل أخرى، فإن «السادات» نجح فى توظيف هذه المقولة تماماً، حقق أقصى ما يستطيع تحقيقه بالسلاح فى حرب أكتوبر، وأكمل التحرير بالسياسة، بعد أن جهّز الطرف الآخر لطلب التسوية السياسية والسير فى طريقها إلى المتر الأخير.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع