نقد أم تصفية حسابات سياسية؟ (رداً على الدكتور كاظم حبيب)
بقلم : د. عبد الخالق حسين
"النقد أساس التقدم"- ماركس.
لا شك أن الحوارات الفكرية والسياسية هي إحدى الوسائل التي يستخدمها المثقفون للوصول إلى الحقيقة، ودليل على حيوية المجتمع والحراك السياسي والاجتماعي، فالمجتمعات التي لا يثار فيها الجدال، هي مجتمعات راكدة كالمستنقعات الآسنة.
لذلك يحتد الجدال في المجتمعات التي تمر في فترة التحولات الاجتماعية والسياسية العاصفة، كالمرحلة الراهنة التي يمر بها العراق خاصة، والعالم العربي عامة. وكوني أخوض في الشأن العام، فلا بد من حصول اختلاف في الرأي بيني وبين الآخرين من الذين يختلفون معي في الرأي، وهذا الاختلاف يثير الجدال الذي يجب أن نرحب به، خاصة إذا كانت الغاية منه إزالة الغموض والوصول إلى الحقيقة التي هي نسبية على أي أحال.
وجاء التأكيد على أهمية النقاش الفكري من قبل الأستاذ الدكتور كاظم حبيب الذي نشر مقالة مطولة في خمس حلقات، يرد بها على مقالات لي نشرتها خلال الأسابيع الماضية، وقد استبشرت خيراً بمشروع حواره معي، خاصة وقد أكد في الأسطر الأولى من مقاله على " شرط أن يتسم الحوار بالهدوء والرصانة والموضوعية، والابتعاد عن الغمز واللمز أو التجريح." ولكن مع الأسف الشديد خيَّب ظني به، إذ لم يلتزم الأخ المحاور بهذا الشرط الذي وضعه بنفسه، فراح يكيل لي اتهامات ما أزل الله بها من سلطان، وبتشنج واضح، حيث اتهمني بالإدعاء باحتكار الحقيقة، وأن أسلوبي في مناقشة الآخرين تتسم "بطريقة هجومية استفزازية " واصفاً مقالي الموسوم (يسيرون إلى الهاوية وهم نيام) بسيئة الصيت! وقوله: "هل يحتاج الإنسان إلى تشريح مثل هذا المغالطة والمقارنة الفجة"
لا أعتقد أن هذا الأسلوب ".. يتسم بالهدوء والرصانة والموضوعية، والابتعاد عن الغمز واللمز أو التجريح."، وكنت أتمنى على الدكتور كاظم لو تجنب هذا الأسلوب التجريحي، إذ كما تفيد الحكمة: "لا تنهِ عن خلق وتأتِ مثله". إضافة إلى اعتماده أسلوب التحريض والتأليب، لا لشيء إلا لأني اختلفت معه في طريقة التعامل مع الأزمة العراقية الراهنة.
والغريب أن الدكتور حبيب نصب نفسه ناطقاً رسمياً باسم الشعب، فأعتبر نقدي له ولأمثاله هو هجوم على الشعب العراقي وأن عليّ أن أعتذر للشعب!! معتقداً أن الذين تظاهروا، ومنهم الغوغاء البعثيون الذين أحرقوا منشآت الدولة في الموصل والكوت والديوانية، هم يمثلون الشعب العراقي، ويجب عليَّ الاعتذار لهم، وبذلك فقد ساوى الدكتور حبيب بين الغوغاء والشعب، وهذا خطأ فضيع أوقع الدكتور نفسه فيه إضافة إلى أخطائه الأخرى. وسوف أوضح ذلك في مقال آخر، ولكن يكفي أن أشير هنا إلى ما قاله الراحل علي الوردي في هذا الصدد: "كان حكام العهد البائد يصفون الشعب كله بأنه غوغاء وصار البعض منا في عهد الثورة يصف الغوغاء كلهم بأنهم يمثلون الشعب. وقد ضاعت الحقيقة الوسطى بين هؤلاء وأولئك".
الأسباب الأولية للنقاش!!
نشر الدكتور كاظم حبيب يوم 11/3/2011، وعلى مواقع الانترنت، مقالاً بعنوان (ماذا يراد للعراق) تضمن خبراً ملفقاً لا يصدقه العقل السليم، مفاده أن رئيس الوزراء السيد نوري المالكي أهدى أربع فرق عسكرية إلى الصدريين!!!! مقابل دعم الأخير له في السلطة. وكما تفيد الحكمة (حدِّث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له). لذلك وبعد يومين، نشر الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي مقالاً بعنوان(ماذا يُراد للعراق يا كاظم حبيب؟!! )، ونشرت أنا في نفس اليوم مقالاً بعنوان: (حول "إهداء" أربع فرق عسكرية إلى الصدريين!! )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=250588
طالبناه بتقديم الدليل على إدعائه. فرد علينا بمقالين مطولين، كل منهما في خمس حلقات، مجموع صفحاتها يقارب المائة!! ورغم كل هذا الإسهاب، لم يستطع أن يقدم لنا أي دليل معقول لدعم الخبر الذي ورد في مقاله المشار إليه في أعلاه، والذي كان ملفقاً من الأساس، وما أكثر التلفيق في هذا الزمان خاصة في عصر التكنولوجية المتطورة.
يبدو أن هناك بعض النصابين من أعداء العراق الجديد، استغلوا موقف الدكتور كاظم حبيب السلبي من المالكي، فدسوا له هذا الخبر الملفق، والذي كان بمثابة طعم أو لغم، ومع الأسف الشديد، نجح النصابون في إيقاعه في المأزق، حيث صدقهم وقام بنشر الخبر على شكل مقال مختصر وعلى أوسع نطاق.
وفي نقاشه معي بعنوان: (نقاش فكري وسياسي مع السيد الدكتور عبد الخالق حسين) تطرق الدكتور حبيب إلى خمسة محاور، خصص لكل منها حلقة كاملة، وهي:
1 . ما الموقف من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي؟
2 . ما الموقف من حكومة المحاصصة الطائفية وقضايا الفساد والمشكلات الاجتماعية والخدمات العامة ...الخ؟
3 . ما الموقف من الحريات العامة والتجاوزات الفظة عليها وأساسها الفكري والسياسي؟
4 . ما الموقف من المظاهرات الشعبية التي انطلقت يوم 25/2/2011.
5 . على ماذا برهنت مواقف المتظاهرين ومواقف الحكومة وأجهزة الأمن والقوات المسلحة العراقية؟
واستغل الكاتب هذه المناسبة، وقبلها خمس حلقات في تعليقه على مقال للأخ الأستاذ العقابي، على أعادة الكثير من مقالاته السابقة التي خصها للهجوم على المالكي وحكومته، وتعليق كل مشاكل العراق عليه وحده، ولكن في نفس الوقت ترك لنفسه خط الرجعة إذ ذكر وبشكل عابر في الحلقة الأخيرة أن مشاكل العراق كثيرة لا يمكن لرئيس الوزراء، أياً كان حلها بعصا سحرية!!
كذلك لاحظت أنه لم يسمح بنشر أي تعليق ناقد له من قبل القراء على مقالاته في قسم التعقيبات على موقع (الحوار المتمدن)، ومنها تعليق الكاتب المتميز الأستاذ حسن حاتم المذكور، بل سمح فقط للتعليقات التي تكيل له المديح، والشتائم لعبدالخالق حسين. وهذا لا يتسم مع الروح الديمقراطية واحترام الرأي الآخر المختلف. نعم أنا مع منع التعليقات المسيئة، ولكن لا أعتقد أن كاتباً محترماً مثل الأستاذ حسن حاتم المذكور كان يقصد الإساءة لأحد، فلماذا منع نشر تعليقه، مما اضطر على نشره كمقال فيما بعد.
لا أريد الخوض في كل ما جاء في حلقات مقالة الدكتور كاظم حبيب، لأني تطرقت إلى معظمه بشيء من التفصيل في مقالات سابقة، لذلك أكتفي هنا بردود موجزة، مع ذكر روابط مقالاتي السابقة التي تخص كل موضوع، لأضعها بين يدي القراء الكرام.
1- ما الموقف من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومن حكومته؟
معظم خصوم المالكي يعتقدون خطأً أني أدافع عنه وعن حكومته، بينما الحقيقة أني أختلف عنهم فقط في أسلوب التعاطي مع الأزمة العراقية. أنا أترفع عن المشاركة في حملة التحريض والتسقيط، والتخوين وتشويه السمعة، وإلقاء جميع كوارث العراق المتراكمة عبر قرون على رأس شخص واحد من سوء حظه أن وضعته الأقدار في موقع رئاسة الحكومة. وهذا العداء ضد رئيس الحكومة ليس جديداً أو خاصاً بمعارضة السيد نوري المالكي، بل هو جزء من الموروث الاجتماعي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وإلى اليوم، ولم يسلم منها حتى أنظف إنسان تورط في حكم العراق مثل، الزعيم عبدالكريم قاسم، ورغم تمتعه بأوسع شعبية في تاريخ العراق، فهاجموه وقتلوه مع رفاقه الأبرار ولم يتركوا له حتى قبراً يحتضن جسده الممزق بالرصاص. لذلك أنا أعتقد أنه آن الأوان للعراقيين أن يتخلوا عن ثقافة العنف، ويعملوا على إصلاح ما تحقق بدلاً من تدميره، إذ هناك جبال من المشاكل المتراكمة الموروثة، ولا يمكن مطلقاً حلها بعصا سحرية بين يوم وليلة. وللمزيد عن موقفي من السيد نوري المالكي أرجو قراءة مقالي الموسوم: هل من بديل للمالكي؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=224825
2 . ما الموقف من حكومة المحاصصة الطائفية وقضايا الفساد والمشكلات الاجتماعية والخدمات العامة؟
لقد أشبعتُ موضوع حكومة الشراكة أو المحاصصة نقاشات مطولة في عدة مقالات سابقة لي، ولكن مع الأسف وقع كلامي على أذن صماء. وخلاصة القول أن ما يسمونه (محاصصة طائفية وعرقية) هو (مشاركة وطنية)، وهي مفروضة على العراق بحكم التعددية القومية والمذهبية لمكونات الشعب، وتوزيعها جغرافياً، ولتراكمات الماضي من مظالم، وتشكيل الأحزاب على هذه الأسس.
يقول الدكتور حبيب: "يرفض المتظاهرون تشكيل الحكومة العراقية على أساس المحاصصة الطائفية". ويضيف في مكان آخر "الغريب إن رئيس الوزراء نفسه يدين المحاصصة الطائفية." وأؤكد للسيد الكاتب أني أيضاً أدين المحاصصة الطائفية، ولكن كما بينت أعلاه وفي مقال سابق أن هذه المحاصصة شر لا بد منه في المرحلة الراهنة على الأقل. إن المتظاهرين الذين يرفضون المحاصصة الطائفية هم جزء من الشعب وليسوا كل الشعب، ومطلبهم هذا لن يتحقق إلا بعد أن يصبح رافضو حكومة المحاصصة هم الأكثرية ويصوتوا لمرشحي الأحزاب العلمانية الديمقراطية عابرة القومية والمذهبية. وحتى في هذه الحالة، سوف لن تنتهي المشكلة، لأنه من الآن هناك من يقول: حكم الأكثرية باطل. (راجع مقال الدكتور قاسم حسين صالح في الحوار المتمدن.) فكيف تحل المشكلة؟
فالمحاصصة لا يمكن التخلص منها إلا بعد استقرار العراق، والتخفيف من عامل التخندق القومي والمذهبي، وتشكيل أحزاب علمانية ديمقراطية عابرة القوميات والطوائف، يضم كل منها أعضاء من مختلف مكونات الشعب وليس على أسس الانتماء المذهبي والقومي. ففي الظروف الراهنة حتى الحزب الشيوعي العراقي المفترض به أن يكون عابراً للقوميات والطوائف، انفصل عنه الشيوعيون الأكراد وشكلوا حزباً شيوعياً خاصاً بهم. وقد حصل هذا الانفصال قبل أن نسمع بنوري المالكي وبول بريمر بنحو عشرين سنة. وهذا يدل على أن الصراع القومي والطائفي في العراق اخذ الأولوية على الولاء الوطني، والصراع الطبقي الذي تعول عليه الماركسية في تفسير حركة التاريخ. أؤكد مرة أخرى أن هذا التخندق القومي والطائفي ليس من صنع شخص أو أشخاص، بل هو نتاج ظروف موضوعية خاصة بالعراق لا تنتهي إلا بتغيير الظروف المادية التي أوجدتها، وليس بكيل الشتائم والاتهامات والتظاهرات الاحتجاجية.
والمفارقة أنه حتى الذين يتظاهرون ضد "المحاصصة" هم متمسكون بها ويمارسونها، بل ويطالبون بها بشكل غير مباشر، ولمكونات معينة، إذ ما معنى الدفاع عن حصة المرأة 25% في الحكومة مثلاً؟ أليست هذه محاصصة؟ كما وأرجو أن لا يفهم من كلامي هذا أني ضد مشاركة المرأة في الحكومة، فالعكس هو الصحيح، إذ أني من أصار المرأة في نيل كامل حقوقها ومساواتها بالرجل، ولكن المطالبة بحصة المرأة هي الأخرى تأكيد على المحاصصة على أية حال، سواءً كانت على أساس المذهب أو القومية أو الجندر. ومع ذلك أسأل، أيهما أفضل للمرأة في الحكومة: امرأة إسلاموية تؤمن بمقولة (النساء ناقصات عقل ودين) و(للرجل مثل حظ الأنثيين) وتقبل بضرب الرجل لزوجته، وتطالب بفرض الحجاب والنقاب، أم رجل من أنصار الحركة النسوية يدافع في الحكومة والبرلمان عن حقوق المرأة؟ ومع ذلك، أضم صوتي إلى المطالبين بوجوب الحفاظ على نسبة 25% لحصة المرأة في الحكومة كما أقرها الدستور كحد أدنى، ولكن في نفس الوقت يجب توجيه اللوم في غياب المرأة في الحكومة للقوى السياسية المشاركة في السلطة، التي امتنعت عن ترشيح النساء للحقائب الوزارية، وليس لنوري المالكي وحده.
ولمعرفة المزيد عن موقفي من المحاصصة أرجو فتح الرابط التالي: حول إشكالية حكومة المشاركة أو المحاصصة
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/29muh.htm
أما الموقف من قضايا الفساد والمشكلات الاجتماعية والخدمات العامة، فهي الأخرى مشكلات معقدة، و نتاج تراكمات الماضي، وقد نشرتُ عنها بحثاً مطولاً في أربع حلقات بعنوان: (الخراب البشري في العراق)، أكدت فيه أنه خلال حكم التيار القومي- البعثي الفاشي، حصلت ردة حضارية، والتي لا بد وأن يرافقها إنهيار فكري وأخلاقي وتفتيت النسيج الاجتماعي، وإضعاف روح المواطنة والوطنية. وما يجري في العراق الآن من فساد ومشاكل اجتماعية ونقص في الخدمات...الخ، كله نتاج هذا الانهيار الذي لا يمكن حله بين عشية وضحاها. ومسؤولية الإصلاح تقع على عاتق الجميع. أرجو فتح الرابط التالي: الخراب البشري في العراق
http://www.aliraqi.org/forums/showthread.php?p=147835112
كذلك يجب التوكيد على أنه لا يمكن القضاء على الفساد الإداري إلا برفع الوعي الجماهيري، وبتعاون أبناء الشعب جميعاً، وبالأخص منظمات المجتمع المدني في محاربة هذا الفساد، أولاً، بامتناع المواطن عن دفع الرشوة، إذ كما جاء في الحديث الشريف: (لعن الله الراشي والمرتشي)، وثانياً ، فضح المرتشين من الموظفين في الإعلام كما يحصل في الغرب (name and shame)، وهذه مسؤولية المواطنين والصحافة، وثالثاً، تقديم الفاسدين المرتشين إلى المحاكم لمحاسبتهم. بدون هذه الإجراءات لا يمكن القضاء على هذا الفساد المستشري في أجهزة الدولة. أما التظاهرات فربما المرتشون أنفسهم شاركوا فيها وأدانوا الفساد.. من يدري!!
3 . ما الموقف من الحريات العامة والتجاوزات الفظة عليها وأساسها الفكري والسياسي؟
من واجب المثقف أن يدافع عن الحريات العامة ويدين التجاوزات الفظة عليها، سواءً كانت من قبل السلطة أو بعض القوى السياسية أو الاجتماعية أو الدينية. لكن المشكلة والمفارقة الغريبة أن الجهات التي تتجاوز على الحريات تتمتع بقاعدة شعبية عريضة، فالتيار الصدري مثلاً الذي فرضت مليشياته أحكاماً قرقوشية على المجتمع، مثل فرض الحجاب حتى على غير المسلمات، ومنع الموسيقى والغناء وغلق محلات بيع الخمور...واضطهاد أتباع الديانات من الأقليات وغيرها من الأعمال الإجرامية المدانة، أن هذا التيار حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة على 40 مقعد في البرلمان، بينما القوى العلمانية التقدمية، غير المنضمة إلى التحالفات الكبرى، فشلت في الحصول حتى ولو على مقعد واحد في الانتخابات الأخيرة. فماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن الأزمة هي اجتماعية عميقة ضاربة جذورها في أعماق الشعب العراقي نفسه. وعليه، لا يمكن حل هذه الأزمة عن طريق كيل الشتائم لرئيس الحكومة، أو حكومة المحاصصة، أو بريمر، والمالكي... بل يجب التعامل مع هذه المشاكل على إنها جزء من التخلف الذي ورثه العهد الجديد من النظام الساقط. ومع ذلك، يجب مواصلة مطالبة الحكومة بلجم الجهات التي تتجاوز على الحريات العامة. ولكن رغم ما قيل وما حصل من تجاوزات، فهناك الكثير من مساحة للحريات، فلولاها لما حصلت هذه التظاهرات الاحتجاجية والهجوم على الحكومة.
4 . ما الموقف من المظاهرات الشعبية التي انطلقت يوم 25/2/2011.
5 . على ماذا برهنت مواقف المتظاهرين ومواقف الحكومة وأجهزة الأمن والقوات المسلحة العراقية؟
حاول الدكتور كاظم حبيب وبعض الكتاب الآخرين الذين كتبوا مقالات وتعليقات على مقالاتي، إظهاري كما لو كنت ضد التظاهرات الشعبية وممارسة الحريات العامة التي أقرها الدستور لأبناء الشعب. وهذا غير صحيح. ففي مقال لي في هذا الخصوص بعنوان: (نعم للتظاهرات ضد الفساد..لا لتسلل البعثيين)
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/18v115.htm
أكدت فيه دعمي للتظاهرات السلمية، ولكني في نفس الوقت حذرت من اندساس البعثيين وغيرهم من الإرهابيين والفوضويين الذين يستغلون هذه المناسبات لأغراضهم الدنيئة. والمعروف أن الدعوة للتظاهرات يوم 25 شباط الماضي، لم تخص تلك التي حصلت في ساحة التحرير في بغداد فقط، بل في كل مدن العراق. ولكن في نهاية المطاف، لم تمر بسلام كما تصور الدكتور كاظم حبيب وغيره، إذ كانت الحصيلة، وحسب ما أوردته وكالات الأنباء، 13 قتيلاً، بينهم شرطي، و75 جريحاً بينهم سبعة من الشرطة. كما وحصل تفجير إرهابي في الرمادي، أودى بحياة ثلاثة مشاركين في التظاهرة وعدد من الجرحى. إضافة إلى إشعال الحرائق في مؤسسات الدولة في محافظة الديوانية، وإحراق مبنى محافظة الموصل وتخريب محتوياته وأثاثه وسرقة مليار ونصف مليار دينار. هذه التجاوزات لم يذكرها الدكتور كاظم حبيب وغيره من الذين حشدوا للتظاهرة لمدة شهر تقريباً، وإذا ما ذكروها فبشكل عابر مع إلقاء اللوم على الحكومة والأجهزة الأمنية، فالاتهامات ضد الحكومة والشرطة جاهزة في جميع الأحوال.
والجدير بالذكر أن دعاة التظاهرات راحوا يحشدون لها لمدة، وكانوا يتوقعون أن يشارك في تظاهرة ساحة التحرير وحدها نحو مليون شخص، بينما لم يحضر أكثر من ثلاثة آلاف في يوم "جمعة الغضب"، ونحو خمسين شخصاً فقط يوم "جمعة الكرامة". في حين يستطيع مقتدى الصدر وحده أن يجمع نحو مليونين لاستقباله ولسماع خطبة من خطبه وبدون أي تحضيرات مسبقة. هذه ظاهرة اجتماعية خطيرة جديرة بالدراسة من قبل المثقفين وخاصة علماء الاجتماع، وليس مجرد كيل الشتائم والمتاجرة بمعاناة الناس.
المشكلة وكما يبدو، أن الأخوة لم يدركوا أن البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة أحالوا العراق إلى غابة مليئة بالوحوش البشرية الضارية، وقد دفع الشعب العراقي بسببهم عشرات الألوف من الضحايا. لذلك فمعاملة العراق كالسويد أو أية دولة غربية ديمقراطية عريقة مستقرة، خطأ فظيع، فلكل بلد ظروفه الخاصة حسب استقرار ذلك البلد ودرجة تحضر شعبه وعمر الديمقراطية فيه.
وعلى سبيل المثال، بدعوة من إتحاد النقابات البريطانية (TUC) انطلقت يوم السبت 26/3/2011، أضخم مظاهرة في لندن، شارك فيها نحو نصف مليون شخص احتجاجاً على قرارات التقشف التي اتخذتها حكومة الإئتلاف من حزب المحافظين والأحرار، برئاسة ديفيد كاميرون، وكانت التظاهرة سلمية وهادئة أشبه بمهرجانات الربيع، ولكن في النهاية استغل الفوضويون(anarchists) الفرصة وقاموا بأعمال الشغب، فهجموا على محلات تجارية وكسروا واجهاتها، ونهبوا بعضها، وأضرموا النيران فيها، واعتدوا على الشرطة بإلقاء الأصباغ (بويه) عليهم، مما تطلب الأمر تدخل مواجهتم، وحصل صدام جرح من جرائها نحو 20 شرطياً وتم اعتقال أكثر من 200 من الفوضويين مثيري الشغب، ووجهت تهمة ارتكاب الجرائم لـ 149 منهم. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد، أنه لم ينتقد أحد رئيس الوزراء البريطاني ولا الشرطة على موقف الشرطة من الفوضويين، بل كالت الصحافة ، وحتى قيادة اتحاد النقابات الثناء للشرطة على قيامهم بواجبهم لحماية أرواح الناس وممتلكاتهم، ودورهم المشرف في مواجهة الفوضويين، وصبوا غضبهم عليهم. هذه في بريطانيا المستقرة. ولكن في العراق الذي صار مرتعاً للمجرمين والإرهابيين، يتهجم بعض الكتاب والصحفيين على رجال الأمن إذا ما تدخلوا وأوقفوا الفوضويين من ممارسة التخريب، رافعين عقيرتهم بالصراخ (الحريات أولاً)، وكأن الحرية تعني الفلتان الأمني من قبل الذئاب البشرية.
نعم، تحصل تجاوزات فظة على الحريات من قبل بعض المسؤولين ومليشيات القوى السياسية، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا نستهين بما تحقق في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، صحيح أن رئيس الوزراء دعا إلى عدم التظاهر، ولكنه لم يصدر أمراً بمنعها. فحرية التظاهر مكفولة ونشاهدها كل يوم جمعة تقريباً. كذلك ما تكتبه الصحافة من نقد حد الهجوم والتسقيط والتشنيع بالمسؤولين، وهذا العدد الهائل من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالألوف، والصحافة بالمئات، وكذلك وسائل الإعلام الأخرى من فضائيات وإذاعات وإنترنت، معظمها ملكية القطاع الخاص، كلها دليل على توفر الحريات العامة. وإذا كانت هناك مشاكل تواجه هذه الحريات فلأن الديمقراطية والحرية جديدة على الشعب، ولم يمارسها من قبل، والحل هو في مواصلة ممارستها والتعلم من الأخطاء.
نقد أم تصفية حسابات؟
كما بينت في المقدمة، أن النقد ضروري للإصلاح فبدونه لا نعرف أخطاءنا ولا يمكن إصلاحها، وبالأخص أخطاء الحكومة. ولكن المطلوب في هذه المرحلة العاصفة أن يكون النقد بناءً، نثمن الإيجابيات، وننتقد السلبيات ونضع البديل الصحيح، وإرشاد المسؤولين بما هو أصلح. ولكن ما يحصل هو ليس النقد بل كيل الشتائم والتحريض والمتاجرة بمعاناة الناس واستغلاها لتصفية حسابات سياسية ضد الخصوم السياسيين، ولذلك أطرح الملاحظات التالية في هذا الصدد:
أولاً، كنت أتمنى على الذين يتهجمون على الحكومة وبالأخص على شخص السيد نوري المالكي بالذات لو التزموا الموضوعية وتقديم الأدلة المادية لإثبات اتهاماتهم، وأن تكون كتاباتهم نقدية هادئة بغية الإصلاح، لا كيل الشتائم والتهم بغية تصفية حسابات سياسية. إذ نلاحظ أن الدكتور كاظم حبيب خصص عشرة مقالات مطولة حافلة بالاتهامات ضد المالكي، ومنها تهمته الشهيرة أن المالكي أهدى أربع فرق عسكرية إلى التيار الصدري مقابل دعم الأخير له في السلطة. لا شك أن هذه التهمة خطيرة جداً، ولما اعترضنا عليه وطالبناه بالدليل، رد قائلاً: "وحين يطالبني (يقصد عبدالخالق حسين) بالمصدر فهو يعرف تماماً وجود عرف في الصحافة لا تنشر الأسماء حين لا يريد أصحابها نشر أسمائهم."
ويضيف، وهنا الطامة الكبرى، حيث يتهمني بأني مارست هذه السياسة (عدم ذكر المصدر) فيقول: "وقد مارسه هو (أي أنا، عبدالخالق) في مقاله "يسيرون نحو الهاوية وهم نيام" حين أشار إلى ضابط لا يرغب بذكر اسمه." انتهى.
الاقتباس الذي خص الضابط، لم يكن من أقوالي يا دكتور حبيب، بل اقتبسته من بيان أطلق عليه (بيان رقم واحد) صادر عن جماعة أطلقت على نفسها اسم (القوة الثالثة) كانت تدعو لتظاهرات "جمعة الغضب" وبالتالي إسقاط الحكومة. ورغم أني وضعت الاقتباس بين قويسات التنصيص (" ")، إلا إن السيد كاظم حبيب أفتهمه على أنه من أقوالي. فماذا عساي أن أفعل لكي أكون أكثر وضوحاً، وأنا الذي يتهمني صديق عزيز عليّ، بأني أبالغ في التوضيح إلى حد التبيسيطية !!!؟؟
ويضيف الكاتب قائلاً: "وهذا الأمر- أي خبر تقديم أربع فرق عسكرية للصدريين- لا يدخل في باب البحث العلمي ومحاولة الوصول إلى المصدر للإساءة إليه من قبل رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. وقد جاءني رجاء في أن لا أتابع ذكر بقية الأسماء حتى لو وصلتني من المصدر."
واضح من دفاع الدكتور كاظم أنه يفتقر إلى أي دليل، وأن التهمة ملفقة من الأساس من قبل نصابين استغفلوه، فاستدرجوه إلى أن أوقعوه في مأزق ما كنا نتمنى أن يقع فيه، والآن لا يعرف كيف يخرج منه.
ثانياً، مسألة "ال
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :