السعودية تُبدّل الحرام إلى حلال!
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الاربعاء ٤ اكتوبر ٢٠١٧
ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن «السلطة» هى الوحيدة القادرة على تغيير الفكر الدينى وتجديده، مهما كان مدججاً بفتاوى شاذة ومتخلفة تعود بالبلاد إلى أيام الجاهلية، وقدمت المملكة العربية السعودية درساً فى نسف «جبروت مشايخ الوهابية» ممن نصّبوا أنفسهم وكلاء الله على الأرض.
وحين أصدر العاهل السعودى الملك «سلمان بن عبدالعزيز آل سعود» أمراً بإصدار رخص قيادة السيارات للمرأة فى السعودية، خرج الأمين العام لهيئة «كبار العلماء» الدكتور «فهد الماجد»، ليقول: «من المعلوم أن الأحكام الاجتهادية تتغير بتغير المكان والزمان، فقد يكون الحكم بعدم الجواز مرتبطاً بزمن ما، ثم تتطور الأمور وتكثر المصالح، ويجب على العالم الشرعى أن يجدد الفتاوى وينظر فى الموضوع مرة أخرى».. وأوضح «الماجد» أن: النقطة المهمة فى الموضوع هى أن علماء الشريعة كلهم قرروا أن تصرُّف الراعى على الرعية منوط بالمصلحة العامة للرعية، وعليه فإن «ولى الأمر لن يختار إلا الأنفع والأصلح بكل قراراته»!
نعم «ولى الأمر» وليس «الأزهر الشريف» الذى أصبح «دولة موازية» تتحكم فى شئون البلاد والعباد، فترفض تقنين «الطلاق الشفهى» تأكيداً لنفوذها وسطوتها على المجتمع، وحين اهتم الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بإحصائية زواج القاصرات التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤخراً، موضحاً أن العادات والتقاليد فى الماضى السبب فى الزواج المبكر، اكتشفنا أن الدولة عاجزة لا تملك تحديد سن زواج القاصرات لأن المؤسسة الدينية فوق الدستور والقانون والبرلمان، ولأن الأزهر أصبح يحكم مصر من الباطن، والفيصل فى تغيير أى قانون أو تحديث هو رأى «ملالى الأزهر»!
وهذا يوضح الفارق الكبير بين سلطة اخترناها عبر صندوق الانتخابات والسلطة الدينية التى يحصّنها الدستور ويعطيها صلاحيات تفوق إمكانياتها، وشيخها يحكمنا مدى الحياة بالإكراه لأنه غير قابل للعزل!
أنهى الملك «سلمان» بأمر سامٍ حظر قيادة المرأة للسيارة، وهو الحظر القائم على فتاوى هزلية، فقد تداول مجلس الإفتاء الأعلى فى المملكة العربية السعودية قرارات تربط بين عذرية النساء والسماح لهن بقيادة السيارة، وحذرت من السماح بقيادة المرأة للسيارة لأنه سيجعل البلاد وكراً للرذيلة، ويسود الشذوذ لدى الرجال فى حال تم رفع الحظر، وصدرت فتوى تفيد بأن قيادة المرأة السيارة يقودها إلى ترك الحجاب والاختلاط بالرجال والخلوة المحرمة والسفر بدون محرم، وأنها من الديمقراطية الزائفة التى استوردها المسلمون من أعدائهم.. وغير ذلك من الفتاوى العبثية.
لكن أغرب فتوى هى التى تقول: «إن ترك الاختلاط وعدم قيادة المرأة السيارة فى هذه البلاد حق من الله على هذه الدولة بالمحافظة عليه»!!
فجأة تحول الحرام إلى حلال، وسقط ما رآه المشايخ «حق الله» أمام الأمر الملكى، وأعربت «هيئة كبار العلماء» فى السعودية عن تأييدها «لكل ما يراه ولاة الأمر فى المملكة مصلحة للبلاد والعباد»، إنها «قوة السلطة» فى بلد قرر الإصلاح والتغيير، بعدما واجهت السعودية انتقادات واسعة، لكونها البلد الوحيد فى العالم الذى يمنع المرأة من القيادة، رغم أنها تمكنت بفضل نفوذها الإعلامى من إخراس كل الأصوات التى تتحدث عن حقوق الإنسان.. وما زال النساء فى السعودية يخضعن قانوناً لوصاية الرجال الذين تجب موافقتهم على القرارات الأساسية التى تتخذها النساء فى مجالات كالتعليم والعمل والزواج والسفر، بل والعلاج!!
اللافت للنظر أن وزارة الخارجية الأمريكية رحبت بالقرار باعتباره «خطوة كبيرة فى الاتجاه الصحيح»، وقال البيت الأبيض فى بيان منفصل إن الرئيس «دونالد ترامب» أشاد بالقرار، وحمل البيان تعهداً بالدعم الأمريكى لخطة أعلنتها السعودية العام الماضى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، رغم أن أمريكا «راعية الديمقراطية» لم تنتقد أوضاع حقوق الإنسان فى السعودية يوماً لأن «المليارات أهم من الإنسان»!
لن أحدثكم عن انتفاضة الأزهر ضد قرارات الرئيس التونسى «الباجى قائد السبسى» فيما يتعلق بالميراث وزواج المسلمة بكتابى وقرارات أخرى، ولا بمحاولة الأزهر لفرض نفوذه على تونس ولا عن فتاوى «وطء البهيمة ونكاح المتوفاة وإرضاع الكبير ومفاخذة الطفلة»، ولا عن مصادرة الأزهر لحق الاجتهاد، وملاحقة رموز الاستنارة بدعاوى الحسبة.
فقط تذكروا هذا الاسم جيداً.. إنها الناشطة «منال الشريف» التى اعتُقلت فى 2011 بعد قيادة سيارة احتجاجاً على الحظر، وأخيراً كتبت على «تويتر»، عقب الإعلان الملكى: «اليوم.. آخر بلد على وجه الأرض سيسمح للمرأة بالقيادة.. لقد نجحنا».
فعلى مدى أكثر من 25 عاماً قامت ناشطات بحملات من أجل السماح للمرأة بالقيادة، وشمل ذلك تحدى الحظر بالقيادة فى الشوارع، وتقديم التماسات للملك، ونشر تسجيلات مصورة لأنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعى وهن يقدن سيارات.. وتعرضن بسبب تلك الاحتجاجات للاحتجاز.
ونحن أيضاً سوف ننجح حين تصبح «سلطة الدولة المدنية» أقوى من فاشية الدولة الدينية!
نقلا عن الوطن