الأقباط متحدون - الموسيقى والإعمار
  • ١٠:٢١
  • الأحد , ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧
English version

الموسيقى والإعمار

باسل قس نصر الله

مساحة رأي

٠٩: ٠٦ م +02:00 EET

الأحد ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧

عزف على البيانو
عزف على البيانو

 بقلم المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سورية

     اتصل بي صباحاً صديقي الحلبي حتى النخاع عبد الله كو دهان، ليدعوني الى حفلة عزف على البيانو – آلة من صنع الكفار – تشارك فيها ابنتيه وابنة أخيه محمد، وكنت أعلم بها.

     قلت له مباشرة دون أن أترك له المجال ليتكلم: "سأحضر حتى لو لم تدعوني"، فسمعت كلامه المهذب – مثله – يشكرني ويعيد على مسامعي مكان الحفلة وزمانها.

     أطفال ومراهقون من الجنسين، من عمر الثامنة الى الخامسة عشر، يتناوبون في العزف على البيانو لمقطوعات عالمية، قام بتدريبهم الصديق أندريه شوحا، جعلتني أفكر وأربط بين الإعمار وبين عزفهم.

     منذ ثلاث سنوات، دعاني الصديق أندريه الى حفلة مثلها، وكانت حلب آنذاك تحت الحصار وبدون كهرباء، وبدون ماء، وكل يوم نخاف ونتقصى أخبار الجبهات الحلبية، فمن جبهة الزهراء الى الراموسة والسجن والطريق الشرقي والغربي، حتى أصبحنا نخاف أن ينزل علينا مسلحون من الفضاء، فهل من المعقول ان يفكر مدرب بيانو باجراء حفل لطلابه؟؟؟؟.

     اليوم تأكدت أنني كنت مخطئا، واليوم تأكدت كم كنا صغاراً بأحلامنا وتفاهاتنا وجمعياتنا ذات الأسماء المتنوعة، والتي تهدف أن يرانا أولي الأمر ونتصور معهم ونتناقش معهم حول الإعمار وآخر فنون الطبخ الحلبي والرقص الشعبي، على أساس، أن الوطن سنعيد إعماره بهذه الطرق.

     جمعيات لم يتركوا إسماً إلا وضعوا معه كلمة الوطن، فمن صدر الوطن الى محبة الوطن ولأجل الوطن وأيدي وأرجل وأذني ورقبة وبنطلون وجاكيت وحرام الوطن و .... وليسوا سوى "يهوذا هذا الوطن" لأنهم باعوه بكذبهم وتسلقهم وريائهم، كما باع يهوذا السيد المسيح.

     ففي الوقت الذي هرب الكثير من حلب، تحت حججٍ واهية مضحكة، وهم يتشندحون (من فعل تشندح الذي اخترعته) على حلب ويترحمون على أيامها ويكتبون على صفحاتهم في الانترنيت، "حيفك يا حلب..... سنبقى صامدين..... نحبك يا حلب...،" اضافة الى أغاني القدود الحلبية وصور حلب وغيرها.

     عزف هؤلاء الأطفال واليافعين، منهم من عزف لمدة أقل من دقيقة، ولكنهم علموني أن محبة البلد لا تُحسب بالزمن.

     تأكدت منهم أنني عندما اخترت البقاء - لكثير من الأسباب - لم أكن مخطئاً، فمن أكون أنا أمام من هم في عمر الزهور والبراعم الذين لم يبقوا تحت القصف والحصار فقط، بل وتابعوا بموسيقاهم تعليمنا كيف نقف أمام الظلام ونضيء العالم.

     في كل مرة تنهمر أصابعهم الصغيرة أو الفتية على مفاتيح البيانو، أشعر انهم يعزفون لحن لبقاء الوطن.

     في كل مرة ينحنون ليحيوا الجمهور المكون من أهاليهم وأقربائهم والقليل من المهتمين، أشعر أنهم يهزمون التطرف ويضعون اللبنة الأولى في الإعمار.

    البشر أهم من الحجر.

     فارموا الى البحر مؤتمراتكم واجتماعتكم وندواتكم حول الإعمار، وتعالوا تعلموا من هؤلاء.

     هؤلاء الأطفال واليافعين لا يعرفون الكذب مثلنا، ولا التسلّق ولا الحفر ولا يهتمون بالمناصب وبعدد عناصر المرافقة أو عدد السيارات في المواكب.

     عندما عزفوا وضعوا الأساس لإعمار سورية، دون جمعيات أو اجتماعات وغيرها ...

     كذبنا لسنوات، فلنترك لهم أن يبنوا الوطن دون رياء وأنا واثق أن أصابعهم التي نجحت في العزف، لن تستطيع أن تذبح الوطن.

     اللهم اشهد اني بلغت

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع