رموز مصر تحت مقصلة القانون…سراج الدين نموذجا
يوسف سيدهم
١٥:
١٠
ص +02:00 EET
الأحد ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧
بقلم يوسف سيدهم
تمهلتوطني قبل أن تخوض في قضية الدكتور إسماعيل سراج الدين الأمين العام السابق لمكتبة الإسكندرية والذي تولي إدارتها منذ افتتاحها ولمدة خمسة عشر عاما أبلي فيها بلاء حسنا وجعل للمكتبة شأنا عالميا محترما يتناسب وكونها بعثا لمكتبة الإسكندرية القديمة التي كانت صرحا للفكر والتنوير…فقد روع الرأي العام المصري-وعلي الأخص مثقفوه ومفكروه-بصدور حكم محكمة أول درجة بحبسه لمدة ثلاث سنوات لاتهامه بإهدار المال العام ومخالفته لقانون المناقصات والمزايدات خلال إدارته للمكتبة.
ولأنوطني تمسك عن التعليق علي أحكام القضاء علاوة علي أن القضية ماتزال منظورة أمام القضاء الاستئنافي ,فلا مجال للتعرض للحكم أو إبداء الرأي فيه-خاصة أنه حيل بيننا وبين الاطلاع علي حيثياته التي من شأنها أن تلقي الضوء علي المعايير القانونية التي احتكمت إليها منصة القضاء لإصدار حكمها…لذلك كله خرجنا نتلمس أبعاد الأمر فيما يخص وضع مكتبة الإسكندرية كصرح عالمي علي أرض مصر ومفارقة خضوعها لتشريعات بيروقراطية تتنافي مع مقتضيات انطلاقها بلا معوقات لإدراك أهدافها الحضارية والعلمية والتنويرية…لسنا نراجع أحكام القضاء-حاشا-لأننا علي يقين أن قضاءنا الشامخ إنما ينظر الدعوي المرفوعة أمامه في إطار الثوابت المرتبطة بها,إنما ذهبنا محتجين علي واقع مسكوت عنه في ترك رموز مصر تحت مقصلة القانون دون تحريرهم من بيروقراطية التشريعات,فكيف لكيان عالمي مثل مكتبة الإسكندرية يتبع رئيس الجمهورية مباشرة ويديره مجلس أمناء يضم كوكبة من الشخصيات والرموز والقامات من سائر دول العالم ألا يكون له قانون خاص يطلق يد أمينه العام-المنزه عن الهوي والغرض-في حرية وسرعة اتخاذ القرار؟!!
إذا المشكلة ليست في منصة القضاء وأحكامه,المشكلة فينا نحن حين تقاعسنا عن توفير المناخ الآمن المناسب الذي يحمي رمزا مصريا-عظيما مثل الدكتور إسماعيل سراج الدين من تعقبه بالمساءلة والإدانة وهو الأجدر بالتكريم والإعلاء والتحصين…ذهبنا نتلمس تلك المعايير ووجدنا الكثير منها الذي يتوجب علينا التسلح به لعدم الإيقاع برموز مصر وقاماتها العظام…وإليكم بعضا مما وجدنا:
**العاملون بالمكتبة:الدكتور إسماعيل سراج الدين قيمة وقامة,عملنا تحت مظلته طيلة خمسة عشر عاما أدرك فيها الكثير من الإنجازات حتي أصبح للمكتبة شأنا عالميا,وأي عمل قام به كان مقصده الصالح العام وليس إهدار المال العام.
**يوسف القعيد الكاتب والمفكر:إسماعيل سراج الدين قدم الكثير من أجل رفعة المكتبة وتطورها وتقدمها حتي تبوأت مكانتها المرموقة بين مكتبات العالم…تنازل عن راتبه الذي يتقاضاه نظير عمله فكيف يتهم بإهدار المال العام؟
**درية شرف الدين الإعلامية القديرة ووزيرة الإعلام السابقة:كنت أتصور أن مكتبة الإسكندرية لها قواعدها الخاصة في الإدارة بعيدا عن القواعد التي تحكم أي ديوان حكومي,فكيف يدار صرح عالمي مكبلا بأغلال تعوق الانطلاق والتقدم والتطوير؟…هذا الواقع هو ما يدفع أبناء مصر الأكفاء والمبدعين إلي الهروب خارج بلدهم والتميز والتألق في بلدان أخري.
**د.جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق:مكتبة الإسكندرية تم تأسيسها بموجب قرار جمهوري يعطي الحق لأمينها العام باستخدام جميع الصلاحيات وله كل السلطات في مباشرة أعمال الإدارة,إلا أنه بعد ثورة 25يناير وما جاء بعدها من تداعيات تم تعديل الكثير من القوانين والصلاحيات الخاصة التي صدرت عن الرئيس مبارك مما جعل الأمين العام للمكتبة خاضعا لنصوص وبنود القانون المصري…وبناء عليه فالدكتور إسماعيل سراج الدين لم يكن متعمدا المخالفات التي اتهم بارتكابها ولكنه وقع ضحية تعديل التشريعات المنظمة لعمله وصلاحياته.
**الدكتور شوقي السيد الفقيه الدستوري والقانوني:لا يوجد قصد جنائي لإهدار المال العام في هذه القضية,والدكتور إسماعيل سراج الدين لم يرتكب المخالفات المسندة إليه بقصد مخالفة القانون أو التربح من جراء تجاوز قانون المناقصات والمزايدات,إنما ارتكبها بقصد الخروج عن بيروقراطية القانون لتحقيق الإنجاز والتطوير السريع والتحرر من قيود الروتين…وتلك الدفوع إذا قدمت للمحكمة من شأنها أن تجعلها تلتفت إليها وتأخذها في الاعتبار.
***إن قضية الدكتور إسماعيل سراج الدين تصلح لأن نطلق عليهارب ضارة نافعة لأنها تدق ناقوس تحذير لنا لنعمل علي توفير منظومة اللوائح والقوانين الخاصة التي تتناسب مع طبيعة الكيانات الخاصة التي تدار بعقول وخبرات خاصة مبدعة ومنزهة عن الهوي أو الانزلاق أو الفساد…فيجب أن تحصن بما يمكنها من الانطلاق نحو إدراك أهدافها دون خوف أو توجس,ويتحتم أن تنال ما يليق بها من حماية إزاء ما قد يمس نزاهتها أو يخدش سمعتها أو ينال منها بعدما قدمت من عمل جليل لرفعة مصر.