الأقباط متحدون - ملاك أم شيطان.. أشرف مروان في الرواية الإسرائيلية؟
  • ١٣:٢٥
  • السبت , ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧
English version

ملاك أم شيطان.. أشرف مروان في الرواية الإسرائيلية؟

رياض حسن

مساحة رأي

١٤: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧

أشرف مروان
أشرف مروان

رياض حسن محرم
أثار كتاب "الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" الصادر باللغة العبرية عام 2010 والذى صدرت طبعته الإنجليزية فى أغسطس 2016 ضجة كبيرة على المستوى العالمى، حيث يرصد الكاتب في شبه يوميات متصلة تاريخ عمل أشرف مروان لحساب المخابرات الإسرائيلية وحجم المعلومات التي قدمها لإسرائيل، هذا الكتاب الذى ألفه أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا "يوري بار جوزيف".

يبدأ الكتاب-الرواية بمشهد جنازة أشرف مروان بمسجد (عمر بن عبد العزيز) في مصر الجديدة فى يوليو 2007، و فيه تتقبل زوجة الراحل و ابناه العزاء من كبارات الدولة المصرية، حيث أمّ صلاة الجنازة الامام الأكبر محمد سيد طنطاوي و تقدم الصفوف نجل الرئيس المصري و الرجل القوي في النظام جمال مبارك ورئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف و مدير المخابرات عمر سليمان، بينما أصدر حسني مبارك (و الذي لم يأت بنفسه لأنه كان يحضر اجتماعات القمة الافريقية في غانا) بيانا يحتفي فيه بالمتوفى و يُطري على خدماته للوطن، هذا الحشد العظيم من كبار رجالات الدولة حدث بعد أن تداولت في الصحف وأجهزة الإعلام قبل الحادث ولسنوات أن الرجل كان متهما بالعمالة لجهاز الموساد الإسرائيلي، تساؤل مشروع كون أنه فيما سبق من سنوات كان متفرغا للبيزنس وتجارة السلاح التي كوّن منها ثروة طائلة؟.

بعد لقطة العزاء ينتقل المؤلف الى بدايات أشرف مروان حيث منشأ أسرته بقرية السهاوجة بمحافظة المنيا بالصعيد، رحل جده الذى كان يعمل قاضيا شرعيا الى القاهرة، حيث تخرج أحد أبناؤه ضابطا بالجيش المصرى لينجب بطل القصة أشرف مروان في عام 1944، يدرس بمدارس القاهرة ويلتحق بكلية العلوم جامعة القاهرة، ليتخرج منها حاصلا على شهادة البكالوريوس في الكيمياء عام 1965، ثم يعمل في أحدي مصانع الكيماويات التابعة للجيش المصري، وتدفع التطلعات الشاب الى عضوية نادى هيليوبليس "ملتقى الصفوة" حيث يلتقى بمنى إبنة الرئيس جمال عبد الناصر ( المحبة للمظاهر بعكس أختها الكبرى هدى) التي يتزوجها بعد قصة حب قصيرة، وتصرّ أن يكون زفافهما بأحد أكبر فنادق القاهرة ولتحيي الحفل أم كلثوم وعبد الحليم، هذا رغم أن عبد الناصر لم يكن مرتاحا لأشرف ورضخ مرغما أمام توسلات إبنته منى، وظفه ناصر بمكتبه "حتى يظل تحت عينيه"، ورغم إجتهاد أشرف في العمل لم يعره عبد الناصر إهتماما ما أحبطه ودفعه أخيرا الى طلب السفر الى إنجلترا لإكمال دراسته.

في لندن إنطلق أشرف ومنى لحياة الترف والمتعة والسهر، وأصبحت منى معروفة في أرقى محلات الشوبنج والمودة، بينما أصبح أشرف مرتادا دائما لصالات القمار المشهورة، بينما وثقا علاقتهما بعدد كبير من أثرياء العرب يتقبلان منهم الهدايا والهبات "لتغطية تكاليف تلك الحياة"، حيث كان الجميع يتودد الى أسرة تنتمى للزعيم عبد الناصر، بمجرد علم الرئيس بذلك أرسل يستدعيهم فورا الى القاهرة، وقيل أنه طلب منه تطليق إبنته الاّ أنها رفضت الطلاق، وعاد أشرف لعمله بالرياسة وكان يسافر الى لندن سنويا لمتابعة دراسته حتى أنهاها، في إحدى تلك السفريات صيف 1970حدث أول إتصال منه بالسفارة الإسرائيلية "من إحدى التليفونات الحمراء بلندن" عارضا خدماته "حسب ما ذكر المؤلف الإسرائيلي",

كان مروان بالفعل على رادار الموساد منذ وصوله إلى لندن، خصوصا مع نمط الحياة الباذخة الذي انتهجه في المعيشة. لكن قيامه بنفسه بالاتصال اصابهم بالحيرة. كيف يقوم صهر الزعيم المصري الأسطوري بنفسه بالإتصال بهم، ورغم أن جميع أجهزة الإستخبارات في العالم تتشكك فيمن يقوم بعرض خدماته عليهم وفى الأغلب لا تقبل إنضمامه، لكن في حالة أشرف مروان فالأمر مختلف كثيرا، فالرجل بالإضافة الى زواجه من إبنة عبد الناصرعلى علاقات عميقة بصانعى السياسة والحكم في مصر ويملك معلومات كبيرة مفيدة جدا لإسرائيل.

مؤلف الكتاب " يورى بار جوزيف" الذى يعمل حاليا أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة حيفا "لكن الأهم" هو أنه خدم على مدى 15 عاما كضابط في جهاز المخابرات العسكرية بالجيش الإسرائيلي، وتحديداً كمحلل استخبارات بوحدة الأبحاث بالجهاز، وفي عام 1998 تم تكليف بار-جوزيف من قبل المخابرات العسكرية –كان وقتها ضابط احتياط بالجيش الإسرائيلي- بإعداد دراسة حول أسباب الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في التنبؤ بموعد اندلاع حرب 73 (طبعا لم تنشر الدراسة أبداً نظراً لخضوعها لتصنيف “سري للغاية”)، لكنها أتاحت لمؤلف الكتاب الاطلاع على المئات من التقارير التي حوت كافة المعلومات التي توافرت لأجهزة المخابرات الإسرائيلية المتعددة في السنوات السابقة على اندلاع الحرب، ومن بينها التقارير التي كان يرسلها منذ 1970 عميل سري لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، وحملت اسمه الكودي Khotel. كان هذا العميل- كما انكشف فيما بعد- هو أشرف مروان صهر الرئيس جمال عبد الناصر، واليوم تقبع الوثائق التي سلمها مروان لإسرائيل في أربعة صناديق ضخمة في أرشيف الموساد.

في تقدير الموساد فلم يكن عندهم خوف أن يكون مروان عميلا مذدوجا " المصدر دائما هو المؤلف" لكون أن المخابرات المصرية لم تكن تملك الدراية الكاملة وغير محترفة بما فيه الكفاية لفعل ذلك دون أن تكتشفه الأجهزة الإسرائيلية، وحتى لو قررت المخابرات المصرية محاولة ذلك فلن تغامر بشخص في حجم أشرف مروان بصفته صهرا لجمال عبد الناصر، برغم ذلك، تم التعامل مع أشرف مروان بحذر و روية و جري تمحيص كل المعلومات التي أرسلها و اختبار دقتها و أسلوب توصيلها، إضافة إلى انشاء هيئتين للإشراف على التعامل مع الجاسوس الهام: هيئة من الموساد، و أخرى مشتركة مع المخابرات العسكرية.

زاد من رصيد وقيمة أشرف مروان كثيرا بعد دوره في كشف ما وصفه أنور السادات بمؤامرة مراكز القوى في مايو 1971 وحديثه عن ضابط شاب حمل اليه تسجيلات تدين هذه المجموعة "عرف فيما بعد أنه كان أشرف مروان" وحدا ذلك بأن يعينه السادات مديرا لمكتبه و سرعان ما أضاف إلى مسئولياته حقائب دبلوماسية، ليجعل منه أيضا مبعوثا شخصيا إلى السعودية و ليبيا، وقام مروان بتسريب جميع خطط الحكومة المصرية وخاصة في مجال التسليح وتفاصيل المفاوضات المصرية السوفيتية في هذا الشأن، ومن تلك العمليات كون إسرائيل كانت قد تعاقدت مع فرنسا على شراء طائرات ميراج بل وقامت المصانع الفرنسية بتصنيع الطائرات، لكن بعد قيام حرب 1967، قررت الحكومة الفرنسية برئاسة الجنرال ديجول عدم توريد السلاح لأطراف الصراع في الشرق الأوسط. و هنا خطرت للمصريين فكرة. ماذا لو قامت ليبيا القذافي بشراء الطائرات و من ثم تقوم ليبيا بإعطائها لمصر، خطة ممتازة، المشكلة الوحيدة هو أن السادات وكّل مندوبه الشخصي لليبيا للإشراف على هذه العملية " أشرف مروان" و بالطبع وصلت تفاصيل الصفقة كاملة إلى تل ابيب.
كان أشرف مروان فتي الموساد المدلل و كنزه الثمين، لذا اتُخذت كل السبل لرفع معنوياته، بل تم اعطاؤه خاتم ألماس ليهديه لزوجته ليراضيها بعد خلافات زوجية، وزيادة في الحرص على عدم إنكشاف شخصيته تم الاتفاق على تقديم تقاريره كاملة في صورتها الأصلية، فقط إلى رئيسة الوزراء و وزير الدفاع و رئيس الأركان و رئيس المخابرات العسكرية.

أما عن دوره في إبلاغ إسرائيل بموعد الحرب فقد ذكر الكاتب أن أشرف مروان إتصل بضابط الاتصال بالموساد صباح الجمعة (5 أكتوبر)، طالبا مقابلة رئيس الموساد على وجه السرعة، سافر على إثرها "زيفي زامير" لمقابلة ’الملاك‘ في لندن، و بعد لقاء ساخن دام عدة ساعات يهرع مدير الموساد لإبلاغ القيادة السياسية و العسكرية الإسرائيلية في الساعات الأولي من السبت (6 أكتوبر) بالمعلومات المؤكدة عن شن القوات المصرية و السورية الهجوم في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم "حيث كان الموعد الأصلى لشن الهجوم"، بعدها مباشرة ينعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي، و يطلب رئيس الأركان ديفيد إليعازار أن تقوم إسرائيل بضربة جوية استباقية تضرب بها القوات المصرية و السورية، و ان يبدأ استدعاء قوات الاحتياط فورا، يعترض موشي ديان على الاقتراحين، لكن جولدا مائير توافق على الاقتراح الثاني، و تبدأ الاتصالات في تمام العاشرة من صباح يوم ’كيبور‘ إلى منازل الالاف من قوات الاحتياط، وبالفعل، يبدأ تدفق قوات الاحتياط إلى الصفوف الأولى للمعركة التي تبدأ في تمام الثانية ظهرا (أربع ساعات قبل الميعاد الذي اخبرهم به أشرف مروان). و برغم ان وصولهم كان ضعيفا هينا على الجبهة الجنوبية (الجبهة المصرية)، الا انه كان فعالا و مؤثرا على الجبهة الشمالية (السورية) و استطاع ان يوقف الجيش السوري المتقدم في كثافة و سرعة، اما كونه أخطأ في تحديد الميعاد الصحيح للهجوم المصري السوري (6 مساء بدلا من 2 ظهرا) فيَكمُن ذلك في أن ميعاد السادسة مساء كان الميعاد الأول، لكن السوريون طلبوا أن يكون الموعد مع خيوط الفجر الأولى، لذا تم تعديل ساعة الصفر الى توقيت وسط، يسمح بتنفيذ اهداف الجيشين المصري و السوري معا.

أخر خدمات مروان في الحرب للإسرائيليين كان تسريبه لمحادثات وقف إطلاق النار، حيث سرب تفاصيل لقاء كيسنجر بالسادات في اسوان (ما اعطي لكسينجر مصداقية لدي الإسرائيليين، لأنه أعاد نفس الكلام الذي نقله مروان عنه)، بعد انقضاء الحرب، تم منح أشرف مروان هدية قدرها 100،000 دولار تقديرا لتحذيره المبكر و اعترافا بمجهوداته الحيوية و الحاسمة اثناء فترة الحرب.

في مصر بعد إنتهاء الحرب نشبت خلافات حادة " ربما لعبت الغيرة الشخصية دورا فيها" بين مروان ووزير الخارجية وقتها إسماعيل فهمى وقرر السادات إبعاده عن الرئاسة الى هيئة التصنيع العربية، في هذه الأثناء شن صبرى موسى "رئيس تحرير أخبار اليوم والمقرب من السادات" حملة شعواء ضد أشرف مروان في صحيفته لكشف فساده المالي (قيامه بشراء قطع أراضي باسم زوجته و بيعها مرة أخري، كانت احداها إلى كمال أدهم (مدير المخابرات السعودية) و من ثم الحصول على أرباح خرافية + شراء اسهم في شركة في بريطانيا)، وبعد وقاة السادات ينتقل وأسرته الى لندن ليقيم إمبراطوريته المالية من تجارة السلاح وصفقات أخرى مشبوهه.

كان ذلك ملخصا لما جاء في كتاب " الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" لمؤلفه الإسرائيلي والذى قررت هوليود تحويله الى فيلم، المشكلة في نظرى هي عدم وجود رد مقنع حتى الآن قدمته الجهات المصرية عن تلك الرواية، بل أن المؤلف يتجرأ باتهام الأجهزة المصرية في عملية قتل أشرف مروان لدفن السر معه الى الأبد..فمتى يستجيبون.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع