الأقباط متحدون - حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!
  • ١١:٠٠
  • الثلاثاء , ١٩ سبتمبر ٢٠١٧
English version

حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٢٠: ٠٩ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٧

تعبيرية
تعبيرية
د.عبدالخالق حسين
جاء في الأنباء أن مجلس البرلمان العراقي قد (أتم القراءة الاولى لمقترح قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والمقدم من اللجنتين القانونية والاوقاف والشؤون الدينية والذي جاء انسجاما مع ما أقرته المادة 2 من الدستور من أنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام وما أقرته المادة 41 من ضمان حرية الافراد في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وللحفاظ على المحاكم كجهة قضائية موحدة لتطبيق الاحكام الشرعية للأحوال الشرعية بعد الرجوع الى جهة ذات الاختصاص.(1)
 
والمقصود بهذا التعديل هو الالتفاف على حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل في الميراث والشهادة في المحاكم...الخ. وهذه ليست المحاولة الأولى في الإطاحة بهذا القانون، بل سبقتها محاولات كثيرة خلال الخمسين سنة الماضية، وكلها انتهت بالفشل بفضل يقظة ونباهة المثقفين والسياسيين المتنورين.
 
شئنا أم أبينا، إن السلطة العراقية ما بعد 2003 محسوبة على الشيعة، لأنهم (الشيعة)، يشكلون نحو 60% من الشعب العراقي. وفي النظام الديمقراطي والتمثيل النسبي لا بد وأنهم يشكلون نفس النسبة في السلطة التشريعية والتنفيذية، حيث رئيس الحكومة هو شيعي، وكذلك غالبية نواب البرلمان من الكيانات السياسية الشيعية. والملاحظ أن القادة السياسيين الشيعة يحاولون تنفيذ سياساتهم وفق ما يرضي رجال الدين الشيعة لنيل مباركتهم من أجل التلاعب بعقول ناخبيهم. ولكن إذا ما استثنينا الدور المشرِّف للمرجع الديني الكبير، الإمام علي السيستاني، في الحفاظ على السلم المجتمعي، فإن دور رجال الدين الشيعة في إدارة الدولة اتسم على العموم بالسلبية وعلى الضد من اتجاه مسار التاريخ الذي يجب أن يكون تقدمياً وإلا يهدد بالإنقراض وفق قانون التطور. وهذه السلبية أساءت كثيراً لسمعة الشيعة في السلطة، وبالتالي كمكوَّن كبير من الشعب العراقي. 
 
يبدو أن السياسيين الشيعة قد انتهوا من حل جميع مشاكل العراق، من إرهاب وفساد، وتفشي الخرافة، وتردي التعليم بجميع مستوياته، ومحاولات بارزاني لتفتيت الدولة إلى دويلات،... والقائمة تطول، لم يبق لديهم سوى التعرض لقانون الأحوال الشخصية، الذي أنصف المرأة. فنحن الآن نواجه كارثة حضارية رهيبة تهدد بإعادة الشعب العراقي 1400 سنة إلى الوراء، إلى عهد الرق و الحريم والجواري وما ملكت أيمانكم لإشباع شهوات الرجل الجنسية، وأطماعه الاقتصادية في المجتمع الذكوري الشوفيني على حساب المرأة. والملاحظ أن القاسم المشترك بين رجال الدين الشيعة ومشايخ الوهابية هو غلوُّهم في عدائهم للمرأة (Misogyny)، وانحيازهم للعشائرية والإقطاع. 
 
فبدلاً من تصحيح ما أرتكبه حكم البعث الصدامي من جرائم بحق الشعب العراقي، مثل التجهيل المتعمد للمجتمع وتفتيته، وإحياء العشائرية، ونشر الفساد وتفشي الخرافة ضمن الحملة الإيمانية المزيفة...الخ، قامت السلطة الجديدة بتكريس هذا الخراب في المجتمع، وإضفاء القداسة الدينية عليها، والمتاجرة بالإسلام وتعاليم المذهب الشيعي. و صدق ما قاله الفيلسوف ابن رشد في هذا الخصوص: " التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردتَ التحكم في جاهل، عليك أن تُغلّف كلّ باطل بغلافٍ ديني". وقال ابن خلدون: "الفتن  التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة في عصور التراجع الفكري للمجتمعات ". وهذا هو وضع العراق اليوم.
 
ففي عهد حكومة ثورة 14 تموز المجيدة بقيادة الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم، أصدرت الحكومة قوانين ثورية عديدة لصالح الشعب العراقي وفق ما أملته ظروف العصر، ومتطلباته لمواكبة التطور الحضاري. ومن بينها  ثلاثة قوانين اعتبرتها المرجعيات الدينية (الشيعية والسنية)، مخالفة للإسلام، وهي: قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وقانون إلغاء حكم العشائر، وقانون الإصلاح الزراعي. ولكنها أي(المرجعية) ركزت على قانون الأحوال الشخصية، لأنه أنصف المرأة العراقية، فساواها بالرجل في الميراث، وشهادتها في المحاكم، وحق حضانة الطفل إلى سن البلوغ ، كذلك منع تعدد الزوجات إلا في حالات استثنائية. والسبب هو أن المرجعية اعتبرت إقرار هذه الحقوق في قوانين ضد مصلحة الرجل الاقتصادية، وإشباع شهواته الجنسية كما يشاء بذريعة أنها مخالفة للشريعة الإسلامية. 
 
لذلك شنت المرجعية الشيعية، وعلى رأسها السيد محسن الحكيم حملة ضد القانون وضد الزعيم عبدالكريم قاسم واعتبره "فاسقاً". ولكنه (السيد الحكيم)، اصدر الفتوى باسم محاربة الشيوعية (الشيوعية كفر وإلحاد)، والمستهدف هو حكومة الثورة، علماً بأن نحو 85% من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي كانوا من الشيعة. وهذا يعني دعوة صريحة لقتلهم باعتبارهم مرتدين عن الإسلام. وبهذه الحملة ساهمت المرجعية بدور كبير في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود. و حاولت حكومة الإنقلاب الاستجابة لطلبات المرجعية، ولكن دون المطلوب. وقد دفع السيد محسن الحكيم ثمناً باهظاً لدوره في تسليط البعث على رقاب الشعب، حيث كان جزاءه أن قتل البعثيون بعد مجيئهم الثاني إلى السلطة، نحو ستين شخصاً من آل الحكيم، ولاحقوا ابنه السيد مهدي الحكيم إلى السودان واغتالوه هناك بدم بارد. 
 
والسؤال هنا: ما هو سر هوس أسرة الحكيم خاصة، والمرجعية الشيعية عامة، بمناهضة قانون الأحوال الشخصية؟
فما أن أسقطت القوات الدولية  بقيادة أمريكا الحكم الصدامي الجائر، وجاء دور السيد عبدالعزيز الحكيم (نجل السيد محسن الحكيم) برئاسة مجلس الحكم بشكل دوري، أول عمل قام به هو إصدار قرار رقم 137 سيئ الصيت، القاضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959.  القرار الذي أثار ضجة واسعة ضده من قبل الكتاب والصحفيين والسياسيين والبرلمانيين التقدميين، مما اضطر بول بريمر، الحاكم المدني للقوات الدولية، التدخل، وإلغاء القرار.
 
لقد تذرع النواب الإسلاميون المطالبون بتعديل القانون، بالمادة 2 من الدستور من أنه (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام). ولكن نفس المادة أقرت أيضاً (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الديمقراطية). ولا شك أن حقوق المرأة هي من ثوابت حقوق الإنسان والتي هي بدورها من ثوابت الديمقراطية. 
 
يقول الإسلاميون أن الإسلام كرَّم المرأة بأن منحها حقوقاً كانت محرومة منها في الجاهلية. وهذا صحيح. ولكن في نفس الوقت هذه الحقوق هي نسبية تتغير مع الزمن وحسب التطور الحضاري. ففي ذلك العصر، كانت المعيشة في المجتمع العربي البدوي تعتمد على الغزوات والحروب، وكل يكسب رزقه بحد سيفه ورمحه، حتى ينقل عن النبي محمد أنه قال:(بُعثتُ بالسيف، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي...)، وهو حديث ضعيف، ولكن يعكس طبيعة المرحلة الإجتماعية، حيث كان الرجل أقوى من المرأة عضلياً مما يؤهله للغزو، بينما المرأة كانت محرومة من كل شيء. وطبيعي  عدم السماح للمرأة بالاختلاط والتعلم تصبح بهيمة وهذا ينطبق على الرجل أيضاً فيما لو منِع من الخروج من البيت والمساهمة في النشاط الاجتماعي وكسب المعرفة، لذلك قيل عن النساء (ناقصات عقل ودين). فهل ينطبق هذا القول على المرأة اليوم، ونحن في عصر العلم والتكنولوجيا المتقدمة حيث يعتمد كسب الرزق على العقل والمعرفة، وليس على القوة العضلية والسيف والرمح؟ وقد أثبت العلم أنه لا فرق إطلاقاً بين الرجل والمرأة في القدرات العقلية والذكاء وكسب المعرفة. ففي ظل التعليم الاجباري للجنسين، راحت المرأة تنافس الرجل في جميع المجالات بل وتبزه أحياناً، فصارت طبيبة ومهندسة وعالمة وأديبة، وفنانة وفيلسوفة ومعلمة وأستاذة جامعية، وصحفية وسياسية برلمانية، و وزيرة و رئيسة لحكومات دول كبرى، وحتى صارت مقاتلة في الجيوش، وصعدت إلى المحطة الفضائية. فنحو 20% من منتسبي الجيش الأمريكي اليوم من النساء، بينهن مقاتلات في ساحات الحروب، و قائدات لطائرات حربية...الخ. فهل يصح القول في هذا العصر أن نعتبر النساء ناقصات عقل ودين ونحرمهن من حقوقهن؟ والآن نحو 25% من أعضاء البرلمان العراقي نساء. فكيف والحالة هذه يراد منح المرأة العراقية نصف حقوق الرجل؟ فهل يجوز مثلاً اعتبار شهادة أستاذتين جامعيتين تعادل شهادة رجل واحد جاهل وأمي؟ أي عاقل يقبل بهذا الحكم؟
 
والجدير بالذكر أن هناك قرارات دينية تعتبر من الجرائم بحق الإنسانية مثل ممارسة الجنس مع الأطفال بعقد زواج بما يسمى بالتفخيذ الذي سمعت به لأول مرة عندما قرأت كتاب (تحرير الوسيلة) للمرحوم آية الله الإمام روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران الذي أباح للرجل ممارسة الجنس مع الزوجة مهما كان فارق العمر بين الزوجين. فيحق للرجل الزواج من طفلة وحتى الرضيعة على أن يتجنب ممارسة الولوج بها قبل أن تبلغ "الزوجة" التاسعة من العمر. ولكن يحق له ممارسة التفخيذ معها أي مع الرضيعة!! والتفخيذ عملية جنسية يندى لها الجبين، يمارسها الشواذ مع الأطفال القصر وحتى مع الرضيعة في عمر السنتين. وهذا بالطبع شذوذ جنسي (paedophiles) يحاسب عليه بقانون في المجتمعات المتحضرة. فكيف إذا أفتى بصحته وأباحه بذريعة عقد زواج مع الرضيعة، إمام شيعي وزعيم الثورة الإسلامية في إيران ألا وهو الإمام الخميني؟ 
إذ يقول الإمام الخميني في "- مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى مع الرضيعة،..." (الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، ص216، دار المنتظر، بيروت- لبنان، ط2، 1985م). 
 
وينقل لنا الكاتب والشاعر صفاء خلف في بحثه القيم بهذا الخصوص: (فيما الفقه الشيعي يجعل سن التاسعة سقفاً للتزويج الفعلي، وما دون ذلك، سنٌ يصح فيه كتابة عقد لـ"المداعبة الجسدية" دون "دخول شرعي". وأثبت كبار الفقهاء الشيعة في فتاواهم هذا "التصور الاجتهادي" كالمراجع محمد كاظم اليزدي، وأبي الحسن الموسوي الأصفهاني، ومحسن الحكيم، والخميني، وأبي القاسم الخوئي، والسيستاني الذي رفع أحكام زواج الرضيعة من فتاواه، فيما رفضها آية الله محمد حسين فضل الله وآية الله محمد باقر الصدر.)(2)
 
أما التعلل ضد قانون الأحوال الشخصية بذريعة أنه لا يجوز الاجتهاد في النص القرآني، فقد اجتهد الخليفة الراشدي الثاني، عمر بن الخطاب في كثير من الآيات القرآنية، فمثلاً، أوقف العمل بآية قطع يد السارق في عام الرمادة، ونسخ آية المؤلفة قلوبهم بعد أن استقوت شوكة الإسلام. ويقال أن عمر أجرى نحو 40 تعديلاً في النصوص المقدسة بعد عشر سنوات من وفاة الرسول، فكم تعديل سيدخله عمر لو جاء اليوم بعد مرور أكثر من 1400 عام؟
في الحقيقة إن جميع الدول الإسلامية (ما عدا السعودية)، أوقفت العمل بآية جلد الزانية والزاني، وقطع يد السارق، وتنفيذ حكم الإعدام بقطع الرقاب بالسيف. وراحت تركيا التي يحكمها حزب إسلامي (حزب التنمية والعدالة) إلى أبعد من ذلك، إذ لا تعتبر ممارسة الجنس خارج الزواج بالتراضي جريمة. والسؤال هنا: إذا كان الاجتهاد ممكناً في كل هذه الأمور، فلماذا لا يجوز وقف العمل بآية (للذكر مثل حظ الأنثيين)، و مساواة المرأة مع الرجل في الميراث والشهادة في المحاكم وغيرها من الحقوق الإنسانية، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين حيث تبوأت المرأة أعلى المناصب السياسية والأكاديمية بل وحتى العسكرية وأثبتت جدارتها؟
 
لذلك نهيب بكافة المثقفين، والسياسيين، والبرلمانيين المتنورين الأحرار، الوقوف صفاً واحداً بجرأة وشجاعة ضد كل المحاولات البائسة الرامية من قبل البعض لإلغاء أو تغيير أو تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وإذا ما كانت هناك حاجة لأي تعديل فيجب أن يكون نحو الأفضل وليس نحو الأسوأ، أي لزيادة حقوق المرأة، كما حصل في الجمهورية التونسية حيث طالب رئيس الجمهورية بإقرار حق المرأة المسلمة بالزواج من رجل غير مسلم، كما يجوز للرجل المسلم الزواج من غير المسلمة. 
 
وأخيراً، وصلني قبل أيام نداء من صديق عزيز متألم من تفشي موجة الإلحاد في العراق، وقال أنه يريد أن يفعل شيئاً لمواجهة هذه الموجة، مخاطباً المؤمن بالله وغير المؤمن به على السواء راجياً ان يساهم في النقاش ويشارك بالحوار. فأجبتُ الصديق: أن السبب الرئيسي لتفشي الإلحاد وابتعاد الناس عن الدين هو زج الدين بالسياسة، إذ كما قال السيد حسين الخميني (حفيد الإمام الخميني، وهو مجتهد): (السياسة تفسد الدين، والدين يفسد السياسة.) لذلك إذا أردتم إعادة الاحترام والقدسية للدين ورجاله، يجب إبعاد الدين ورجاله عن السياسة. فالدين علاقة روحانية بين الإنسان وربه، ومهمة رجل الدين الإرشاد والنصيحة، (إنما الدين النصيحة)، (ولا إكراه في الدين)، (وما أنت عليهم بوكيل).
ــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- البرلمان يقيل محافظ كركوك ويصوت على قانوني الري وتخليد تضحيات شهداء الحرب ضد داعش (فيه إشارة عن تغيير قانون الأحوال الشخصية)
 
2- صفاء خلف: "الجعفري" يَسوق نساء العراق لعصر الجواري
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع