الأقباط متحدون - «المنيا» على «مسافة السكة»... شكرًا يا ريّس!
  • ٢٢:٢٦
  • الاثنين , ١٨ سبتمبر ٢٠١٧
English version

«المنيا» على «مسافة السكة»... شكرًا يا ريّس!

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٤٩: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ١٨ سبتمبر ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

لم يمرّ أسبوعان على مقالى الحزين: (مسافة السكة لـ المنيا الشقيقة يا ريس!) هنا بزاويتى الأسبوعية بجريدة «المصرى اليوم»، حتى استجاب الرئيسُ مشكورًا بالنظر فى هذا الملف العاثر العسر: «المنيا، ونجوعها وقُراها»، وأصدر قرارًا سياديًّا حاسمًا بإعادة فتح كنيسة: «السيدة العذراء» بعزبة «الفرن» مركز أبوقرقاص، وكنيسة: «الأنبا بولا» بعزبة «كدوان» مركز المنيا، وفق البيان الرسمى الذى وقّعه كلٌّ من: الأنبا «أرسانيوس»، مطران المنيا وأبو قرقاص، والأنبا «مكاريوس»، الأسقف العام.

ولكن، لماذا هو ملفٌ عاثرٌ وعسرٌ؟! لأن تلك المحافظة المنكوبة بالطائفية والويل، لا يحكمُها القانونُ المصرىّ، ولا الدستور المصرى. إنما تحكمها الاستقوائية «القبلية»، والأعرافُ المتطرفة، وقانون الغاب الذى يُجيز للأكثرية قهرَ الأقلية، مع كامل تحفّظى اللغويّ على مصطلحى: «الأقلية» و«الأكثرية» اللذين لا محلّ لهما حال الكلام عن مواطنين أكفاء متساوين فى الحقوق والواجبات، وفق نص الدستور.

والحقُّ أن لا محنَ تضرب مجتمعًا فتقصمه، قدر ما تفعلُ الطائفيةُ البغيضة. فإن أردتَ أن «تُبيد» مجتمعًا، اضربه بفيروس الطائفية. فعجزُ الموازنة والغلاءُ مقابل تدنّى الأجور، وضعفُ الإنتاج مقابل الاستهلاك الفوضوى، والتضخّم والفقرُ وحتى الانهيار الاقتصادى فى مجتمع ما هى بالتأكيد أمورٌ تُعثّر المواطنين، وتُصعّب الحياة، لكنها لا تقتل المجتمع. لكن ما يقتلها بشراسة هو الغلبةُ الطائفية والاستقواء بالمذهبيات وضعف تطبيق القانون على البلطجية. الطائفيةُ سرطانُ الشعوب. ولماذا أسميها «سرطانًا»؟ لأنها تقسمُ خلايا المجتمع الواحد، تمامًا كما تنقسمُ خلايا الجسد المُسرطن، فيبدأ الجسدُ فى مهاجمة «نفسه» حتى يتآكل ويفنى. المجتمعات تتآكل وتفنى إن انقسمت على نفسها مذهبيًّا وطائفيًّا. والحق أن هذا لا يحدث إلا فى تزامن مع انهيار المنظومة التعليمية وفقر الثقافة وضعف دولة القانون. فثمة مجتمعات قوية تضمُّ تحت مظلتها عشرات الأديان والطوائف والمذاهب، لكنها تظلُّ قوية، وتنتعش اجتماعيًّا واقتصاديًّا وصناعيًّا وعلميًّا. وثمة مجتمعات تعسة، قد لا تضمّ تحت مظلتها إلا عقيدة واحدة ببضعة مذاهب، لكن السوس ينخرُ فى عظامها. لماذا؟ لأن المجتمعات الأولى تطبق القانون «الأعمى» طائفيًا. فيما تغرقُ المجتمعات الثانية فى وحل القانون الأعور. هل يكون القانون أعمى وأعور؟ وهل الأعمى أفضلُ من الأعور؟! نعم. فعماءُ القانون عن العقائد يعنى أن مبدأ المواطَنة سليمٌ معافى. يعنى أن الدولة تقفُ على مسافة واحدة من الأديان كافة، وذلك هو تعريف «العلمانية» التى شوّهها الجهلاء. أما حين يكون القانونُ أعورَ، فذاك يعنى أنه ينظر بعين الرضا إلى أبناء عقيدة ما، وبعين السخط إلى أبناء عقيدة أخرى. هنا تنهار قيمةُ المواطنة، ويغيبُ العدل، وتنشأُ الفوضى وينتشرُ الظلمُ والفساد، ولا يتبقى إلا فناء المجتمع. لهذا ابتكر أجدادُنا العظماء الأذكياء، قدماء المصريين، صورَة ربّة العدالة: «ماعت»، معصوبةَ العينين (عماء) للدلالة على عدلها المطلق دون النظر إلى حيثيات الخصوم، إن كانوا أغنياء أم فقراء، أسيادًا أم أُجراء، ذوى حيثية وسلطان أم عكس ذلك، مؤمنين بما يؤمن به الحاكمُ، أو الأكثرية العددية، أم غير ذلك. ذلك هو مبدأ المواطنة العادل الذى ننشده، وهو أساس الدولة المدنية التى ننادى بها منذ وعينا على الحياة، وسنظلُّ نكافحُ من أجل تكريسها حتى نموت. الحرية العقدية لدى المواطنين كافة هى أحد أهم البنود فى كل دساتير العالم، وفى دستورنا المصرى الراهن. لكن، للأسف، الأعرافُ دائمًا أقوى من الدساتير والقوانين فى المجتمعات الرجعية المتخلفة عن ركب الحضارة. وهو عينُ ما يحدث فى محافظة منكوبة، مثل محافظة المنيا التى أرجو أن يُفتح ملفُّها ولا يُغلق حتى يحكمها القانون والعدلُ والجمال، وليس العُرف والهمجية والبلطجة، مثلما الآن.

كلمةٌ فى أُذن الرئيس السيسى، صدقنى أننى أشعرُ بقمّة الخجل والخزى والحَزَن، كلما أمسكتُ قلمى لأكتب عن حقوق المسيحيين المُهدّرة فى بلادى! أشعرُ بالخجل حين أكتب عن حقهم فى الصلاة الآمنة فى كنائسهم دون أن يقف جنديٌّ أو حارسٌ على الباب يحميهم من حزام ناسف أو قنبلة.

أشعرُ بالحزن حين أكتبُ عن حق المسيحيين الدستورى والحضارى فى تولى المناصب العليا فى الدولة مثل حق نجلى ونجلكم. لأن الكتابةَ عن البديهيات أمرٌ مُخجلٌ لا يليق بقلمى حين يكتب، ولا يليقُ بعينيك حين تقرآن ما أكتب!. ارفعْ عنى خجلَ قلمى يا سيادة الرئيس، بحقّ مصر عليك، وحق المصريين عليك، وحق الله.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع