قوة المواطنين الأقباط وضعف النخب القبطية
سليمان شفيق
الاثنين ١٨ سبتمبر ٢٠١٧
سليمان شفيق
أتابع منذ أربعين عاما الحالة المسيحية، لم اشهد كل تلك التناقضات السياسية والاجتماعية في الوسط المسيحي بشكل يحير أي باحث ، لو توقَّفنا على سبيل الدلالة أمام اتِّجاهات الرأي في القطاعات المختلفة من النُّخب القبطية ..سنجد نزوحًا للتباين بين مختلف هذه النخب، وكأننا أمام مسيحيين أصحاب ثقافاتٍ مختلفةٍ وليسوا أبناء وطنٍ واحدٍ. منذ 2010 وحتى الآن هناك اربعة فئات من النخب المسيحية (فئة خرجت من الكنيسة للوطن، وفئة أخرى خرجت بالكنيسة للوطن، وفئة ثالثة تسعى للخروج بالأقباط من الوطن) ورابعة تقدم الاحتجاج الروحي محل الاحتجاج بالتظاهر، ولا يجمع بين هذه الفئات الاربعة سوى انتماؤهم للكنيسة.
الفئة الأولى: خرجت من الكنيسة للوطن: وهي التي تمردت على الكنيسة وتبنَّت مواقف ومساراتٍ تنصب على نقد الكنيسة والإكليروس ، ومَن يتتبَّع خطاب تلك الفئة (مثال اقباط 38) يتأكد أنها لم تخرج بعد من الكنيسة ، وهم يتمسكون بالكنيسة وفق وجهة نظرهم ولا يعنيهم باقي قضايا التمييز والاضطهاد .
الفئة الثانية: خرجت بالكنيسة للوطن: الاحتجاجُ المسيحيُّ الأول 2010 أمام محافظة الجيزة بعد أحداث كنيسة العمرانية، ثم المظاهرات التي تَلَت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية. ومن يراجع قضية (مسرة بشبرا) سيجد أنها ضمت- للمرة الأولى- مسلمين ومسيحيين، ورفعت شعارات ترددت فيما بعد في ثورة 25 يناير. وما تلي ذلك من تطورٍ موضوعي من صدام ماسبيرو وكسر طوق الخوف الذي كان يطوق عنق المواطنين المصريين الأقباط، الأعوام الثلاثين الماضية، هذا التطور الموضوعي للخروج بالكنيسة بدأ برفع الصلبان في المظاهرات كرد فعلٍ لحرمانهم مؤخرًا من رفع الصلبان على الكنائس، ثم اصطحابهم لبعض الكهنة في الاحتجاجات مثل الاباء متياس و فلوباتير ، ولعل ذلك التطور من ماسبيرو للتحرير والذي جعل الهلال والصليب يتماهيان هو أحد العوامل المهمة التي خلقت الذعربين التيارات الاسلامية و عجلت بوحدة المصالح بينهم و"الغزوة الإسلامية "الإخوانية السلفية للوعي المصرى والثورة.. ولازالت هذة الفئة تكافح ضد التمييز والاضطهاد ولكنها لم تجدد رؤيتها ، وتعيد قراءة ما بعد 30 يونيو في ضوء تحديد العدو الرئيسي للاقباط واولويات المرحلة.
الفئة الثالثة: تسعى للخروج بالأقباط من 30 يونيو: برزت في مواحهة انتقال مركز ثقل "المعارضة القبطية"من المهجر إلى مصر،وجعلت شخصيات من أقباط المهجر تنقل نشاطها في مصرولكنها غيرت من وجهتهت بعد 2016 ،وانقلبت الي العكس ثم استغل هذا التيار"الاضطهاد الديني" الذي مارسته بعض التيارات السلفية ضدالأقباط وتواطئ بعض صغار الضباط من جهات أمنية، وبداوا في "القصف العشوائي" للنظام والكنيسة واحيانا المجتمع ،دون دراية بالتمييز او الحكمة التي تحملها الخبرة التاريخية للاقباط علي مر العصور.. رغم ان هؤلاء الوطنيون كان يمكن الاستفادة منهم وطنيا ومسيحيا لو انهم كونوا لوبي مصري كجماعة ضغط لكنهم يحتاجون للحوار والاستيعاب من الدولة والكنيسة.
،وفي كل الأحوال، لا يمكن إغفال المخاوف القبطية والتمييز والاضطهاد المتكرر بأشكال مختلفة في كل العصور، ، ولكن تلك الجماعات تلعب دورا لإخراج الأقباط من 30 يونيو بوعي او بدون وعي .. الأمر الذي يضر بمصالح الوطن والأقباط .
الفئة الرابعة : رجال السلطة والمتأقبطين: هؤلاء أغلبهم تجدهم في الصفوف الأولي بالاعياد في الكاتدرائية ليتلقون الشكر من صاحب القداسة الامر الذي يعضدهم عند السلطة ، وبعضهم يعتبر نفسة "قبطي مهنيا " ، ويتنقلون من جهاز الي اخر مدعين حل مشاكل الأقباط وهم ينتفعون من القضية لا أكثر ولا أقل ، هؤلاء لايعنيهم لا الدولة ولا الكنيسة ولا الأقباط ومنهم من لعب نفس الدور في كل العصور حتي مع الإخوان ، كل ذلك دعي المواطنين الأقباط للاعتماد علي الكنيسة لانها من وجهة نظرهم هي الأضمن ولن تبيعهم .
لا يمكن فهم دور الأقباط بعد 30 يونيو دون تناول الخطوط العريضة للعلاقة بين الدولة والكنيسة والأقباط قبل الثورة، والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة مسارات رئيسية تستخدم لتفسير الوضع الراهن.
أولًا: معضلة تيار الإسلام السياسي، وعلاقته بعلاقة الدولة بالمؤسسات الدينية، هذا التيار موجود وله أرضية "شعبية"، وسمحت لة من 2005مؤسسات الدولة بالعمل والحركة في الشارع والتمثيل النيابي، وفي نفس الوقت لم يقدم هذا التيار أية رؤية حداثة توافق الدستور حول رؤيته لحقوق المختلفين مع رؤيته الدينية، بل كان يجنح قادة هذه التيار إلى استخدام خطاب إقصائي لهم ، استخدم نظام مبارك هذا التيار لتسويق فكرة فزاعة البديل الإسلامي.. وتستخدم الان الفزاعة بسبل عملية علي الأرض خاصة في الصعيد وبالتحديد المنيا .
ثانيًا: لجأت الدولة للتعامل مع الأقباط من خلال الكنيسة، وتم اختزال الأقباط في البطريرك ، وهو ما ألقي بدوره على رؤية المسئولين للأقباط وحقوقهم واستخدامهم سياسيا، وخطورة هذا التعامل أنه يرسخ على اعتبار الأقباط كطائفة دينية لها بعض الحقوق ومؤكل للمؤسسات الدينية المسيحية إدارة شئونها. . الامر الذي اضر بالاكليروس والبطريرك وجعل بعض الشعب يحملهم المسئولية .
ثالثًا: تجاهل وجود عنف طائفي ضد الأقباط او التقليل من شأنه ، وأصبحت سياسة التعتيم صعبة في ظل ثورة المعلومات، وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ،وتقديم الدولة الحلول الجزئية وفق مصالحها ، الامر الذي رفع معدلات شعور الأقباط بالمظلومية .
لكن هناك متغيرات عميقة تجري تحت السطح بظهور جيل جديد من المعترفين الجدد يجيد المقاومة السلمية والاحتجاج "الروحي الليتورجي "، ومن ثم رسم هذا الجيل شعار:" حق الصلاة مكفول في اي مكان" ..وهياكل الله فينا هياكل لحمية وليست حجرية، وهكذا حل "الاحتجاج بالصلاة" عندهم علي "الاحتجاج بالتظاهر، قيادات من الشباب يقومون بتنظيم الصلاة وجمع التوقيعات وارسالها للرئيس السيسي والأجهزة حتي استجابت الرئاسة لمطالبهم ، قيادات طبيعية من غير ضجيج ولا "شو إعلامي" مثلما يفعل أصحاب الياقات البيضاء من "الاراخنة " الذين يجلسون في الصفوف الاولي بالاعياد في الكاتدرائية منتظرين الشكر علي صلاتهم !! قيادات حفروا الوطن علي جبينهم والكنيسة في قلوبهم ، مختلفين عن أصحاب الالقاب التي تقدم نفسها مهنيا في انتساب لأصحاب القداسة تحقيقا لمصالحهم .. لذلك كانت فرحة هؤلاء "المعترفين الجدد" بإعادة افتتاح هذا المكان الردئ التهوية والبسيط أكثر من أفتتاح اكبر كاتدرائيات العالم، لان هذا المكان تقدس بالصلاة والدموع والمقاومة الروحية .