يوسف سيدهم
كتبت مرارا لأدعو الكنيسة القبطية لإحياء التشريع القبطي في المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث, وأخذت أكرر الدعوة لعدم التفريط في الفرصة التي أتاحها دستور 2014 في مادته الثالثة التي تنص علي: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية… وأجدني مدفوعا هنا لأسجل رصيد المقالات التي كتبتها في هذا الصدد وكنت فيها مهموما بأمر هذه المساواة بين الرجل والمرأة, أحاول أولا أن أبحث عنها في الإرث العقيدي والديني قبل أن أدعو لها في إطار الحداثة والدولة المدنية..
وهذا هو رصيد ما كتبته:
- في 2014/7/6 ورث البنت: سبة في حق هذا الوطن.. ورجاله!!
- في 2015/2/8 أين تشريعات المواريث في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين؟
- في 2015/2/15 أين تشريعات المواريث في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين؟ (2)
- في 2015/6/28 قداسة البابا يتحدث عن لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين
- في 2016/3/20 لماذا سقطت أحكام المواريث من لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين؟!
- في 2016/3/27 لماذا سقطت أحكام المواريث من لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين؟! (2)
- في 2016/4/3 لماذا سقطت أحكام المواريث من لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين؟! (3)
- في 2016/4/10 لماذا سقطت أحكام المواريث من لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين؟! (4)
- في 2016/7/3 المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث.. هل تدركه تونس قبل مصر؟!!
- في 2016/11/13 لا تضيعوا فرصة ضم المواريث لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين
- في 2017/1/15 بموجب الدستور والقانون.. إنصاف المرأة القبطية في ميراثها
ولم يفتني في كل ما كتبت أن أؤكد أنني إن كنت أتسلح بالتشريع المسيحي والتاريخ القبطي في الدعوة لمساواة المرأة بالرجل في الميراث, لست أكتفي بتحقيق هذه المساواة للأقباط فقط استنادا علي المادة الثالثة من الدستور, إنما أتطلع أن يكون إدراك تلك المساواة في التشريع المسيحي نموذجا يحتذي علي مستوي مصر كلها في يوم من الأيام.
ولعل هذه القضية طفت علي السطح الشهر الماضي حين تناقلت الأنباء تصريح الرئيس التونسي الباجي السبسي خلال مشاركته في الاحتفال بعيد المرأة التونسية, حيث طالب المجتمع بمناقشة قضية مساواة المرأة بالرجل في الميراث, مستندا في هذا للمبادئ الراسخة التي وصلت إليها الإنسانية بعد نضال طويل وتضحيات جمة حتي باتت في العصر الحديث حقوقا وقوانين لا تتعارض مع روح الإسلام ومقاصده… ولا يفوتني أن أسجل أن الرئيس التونسي عاد لاحقا -وبعد انفجار موجات عنيفة لشجب تصريحه واعتباره مناقضا للتشريع الإسلامي- ليوضح أنه إنما أطلق هذه الدعوة للحوار في المجتمع التونسي في إطار مسار الحداثة والدولة المدنية وليس تصادما مع التشريع الديني.
والحقيقة أن ما حدث في تونس الشهر الماضي ليس بجديد أو بالأمر غير المسبوق, فتونس تمتلك رصيدا غنيا في السعي نحو ترسيخ أواصر الدولة المدنية سبقت فيه دولا عربية عريقة مثل مصر وسوريا ولبنان… رصيد يعود إلي تونس- الحبيب بورقيبة مثلما كانت تركيا تمتلك ذات الرصيد الذي يعود إلي تركيا- كمال أتاتورك قبل أن تسقط الأخيرة في براثن حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان الذي أعاد تركيا إلي عهود الدولة الدينية وحلم الخلافة العثمانية.
فعندما كتبت عن المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث.. هل تدركه تونس قبل مصر؟!! وكان ذلك في يوليو 2016 أشرت إلي مبادرة تشريعية تم طرحها للمناقشة في البرلمان التونسي آنذاك تهدف إلي تعديل قانون الإرث ليتواءم مع المساواة بين الرجل والمرأة الراسخة في الدستور.. وقلت إنه لا غرابة في ذلك فتونس لها كل الحق أن تباهي بأنها رائدة علي مستوي عالمها العربي منذ اعتمدت عام 1956 -أثناء رئاسة بورقيبة- قانونا للأحوال الشخصية يمنح المرأة مزيدا من الحقوق أهمها إلغاء تعدد الزوجات وتقييد حق الرجل المطلق في الطلاق, علاوة علي تمكين المرأة من احتلال نصف مقاعد البرلمان…
وتضمنت المبادرة المشار إليها لفتة حضارية عظيمة تجعل مساواة المرأة بالرجل في المواريث هي الأصل التشريعي إلا إذا كان هناك اتفاق صريح ومكتوب بين الورثة يجيز ذلك, أي أن الأصل هو المساواة بينما عدم المساواة يلزمه اتفاق مكتوب… وهو الأمر الذي لم تدركه مصر حتي في حقبتها الليبرالية عام 1941 حين شرعت لعدم المساواة في المواريث بين الرجل والمرأة غير المسلمين ثم أجازت لهم إدراك المساواة بموجب اتفاق خاص, ولكن حتي ذلك لم يدم حيث ساد تطبيق الشرع الإسلامي علي غير المسلمين حتي يومنا هذا…
وبقي الأمر علي ما هو عليه!!
مازلت أشعر بغصة في حلقي أمام تجربة تونس ومحاولاتها الحثيثة المضي قدما نحو الدولة المدنية الحديثة, فبقدر ارتياحي وفخري بتونس أشفق علي مصر التي كان عليها الأخذ بزمام المبادرة والسبق في هذا الخصوص لكنها فشلت في عبور الحائط الأصم للتشريع الديني…
أما عن الكنيسة القبطية وما تملكه من ميراث عقيدي وتشريعي علاوة علي حق دستوري ولائحة أحوال شخصية خاصة فما عذرها؟!!