الأقباط متحدون - سرطان المصالح يقتل المخلصين
  • ٠١:١٦
  • الخميس , ١٤ سبتمبر ٢٠١٧
English version

سرطان المصالح يقتل المخلصين

مقالات مختارة | محمد الدسوقى رشدى

٤٣: ٠٨ م +02:00 EET

الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠١٧

محمد الدسوقى رشدى
محمد الدسوقى رشدى

 تقول الأسطورة إن التكرار يُعلم الشطار، ويقول الواقع إن الشاطر فينا لا يتعلم ولا يؤمن بعبر ومواعظ التاريخ، يظنها مجرد حكاية تبدأ بكان يا ما كان، يا سادة يا كرام، وتنتهى مع صياح الديك.

 
المرعب فى كل قصص التاريخ أنك كلما قرأت واحدة منها، وجدت لها نسخة كربونية فى الحاضر أو استكمالاً غير منقوص لخيط درامى تائه منذ الماضى.. أى شكل لهذه الحياة؟! تُكرر نفسها ولا تلقى بالاً بالبشر، تُكرر نفسها ولا يتعلّم البشر، وأى بشر هؤلاء الذين تمر الأحداث أمام عيونهم مرور الكرام دون درس أو استفادة، أنت لا تحتاج إلى كثير من الجهد المبذول كى تقرأ حاضرك أو مستقبلك، فقط تحتاج إلى بعض من التركيز وأنت تقرأ حدوتة صاغها التاريخ بعناية.
 
انزل إلى العصر العباسى وشمّر عن ساعديك، وستجد كل ما لذ وطاب فى انتظارك، ستجد تلك الحبكة الدرامية المرتبكة لعلاقة الرشيد بالبرامكة، كيف بدأ الأمر بالخدمة، وتحول إلى تدعيم عرش السلطان، ثم السيطرة على مفاصل دولة الخلافة، وانتهى بإدراك الخليفة الرشيد أن دولته ليست ملكه، مفاصلها فى يد أحد غيره، فى يد جعفر البرمكى، وزيره المفوض، وسنده ودعمه الذى جعل من أهله قوة قادرة على اقتناص العرش، ليكتشف الخليفة الخدعة، ويُصاب بارتباك، من يعلم أن داعمه فى العلن هو خصمه فى الخفاء.
 
تتأمل المشهد القديم، لتكتشف أن نسخته الكربونية حاضرة الآن.. تكتشف أن لكل عصر برامكته، لكنهم ليسوا مثل جعفر البرمكى الذى أسقطته «العباسة» أخت «الرشيد»، فى اللحظة التى تمناها وتمنتها هى من قبله.
 
أتوقف أمام هذا المشهد كثيراً..
كان الخليفة أبوجعفر المنصور قد قرر أن يُحاسب أبومسلم الخرسانى، ويهديه القتل عن مجمل أعماله حتى تستقر له أمور خلافته، ويتخلص من عار نصف البيعة التى حصل عليها من أبومسلم الخرسانى، الذى أقام دولة بنى العباس بسيفه.. رتّب للقائه، وأرسل الرسل، غير أن المشهد المفجع كان كالآتى:
«أبوإسحاق» صديق «أبومسلم»، وصاحبه، ذهب إلى الخليفة وعاد من عنده يحث أبومسلم الخرسانى على زيارته، بعد أن كان يحذره، فسأله «أبومسلم»: هل أنت مطمئن؟ فأجاب الصديق بثقة: وهل أبيع قطعة من نفسى يا أبا مسلم؟!
 
واحتضن الصديقان بعضهما وبكيا، لكن كانت دموع الواحد فيهما مختلفة عن الآخر.. أبومسلم الخرسانى يبكى لأنه شك فى أعز أصدقائه، و«أبوإسحاق» يبكى بسبب حيرته فى هذا السؤال: هل تستحق ولاية خراسان التى وعده بها الخليفة أن يبيع صديقه وصاحبها من أجلها؟
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع