قبل انتخاب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بعدة أشهر رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية أوضح بأنه سوف يعيد النظر فى برنامج الدرع الصاروخى الوطنى للدفاع الصاروخى عن 50 ولاية أمريكية، الذى زحفت عناصره بالانتشار من ولاية آلاسكا الأمريكية فى أقصى الشمال إلى ولاية كاليفورنيا ثم إنجلترا والنرويج والدنمارك وأخيرا فى بلدان أوروبا الشرقية، حيث تم نشر محطتى رادار فى تشيكا وعشر قواعد صواريخ فى بولندا، وهذا الأمر قد أثار استياء روسيا وخاصة بعد أن قامت إدارة بوش بإلغاء معاهدة تنظيم الدفاع الصاروخى الموقعة بين البلدين 1972 فقد وجدت إدارة أوباما نفسها أمام العديد من الصعوبات التى يجب التعامل معها حتى تتمكن من تنفيذ استراتيجية الأمن القومى 2010، حيث إن الإجراءات التى اتخذتها إدارة بوش قد دفعت روسيا إلى التهديد بنشر صواريخ إسكندر فى جيب كالينجراد بين ليتوانيا وبولندا وهو ما جعل البعض يرى أن باراك أوباما يهدد العالم بالدرع الصاروخى رغم أن هدفه كما تقول الباحثة مروة محمد عبدالحميد عبدالمجيد فى دراستها التى حملت عنوان «التغيير والاستمرار فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر» فى دراستها أنه درع للحماية للمدن الأمريكية فقط.
> تجميد معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية فى أوروبا وتعليق المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تخفيض الأسلحة الاستراتيجية ستارت - 3، حيث إن هذه الإجراءات التى اتخذتها روسيا تعوق تنفيذ سياسات أوباما الخارجية.
> إن برنامج الدرع الصاروخى يستنفد موارد مالية ضخمة من الميزانية الدفاعية الأمريكية (312) مليار دولار فضلا عن النفقات التى يجب أن يتم توافرها لتغطية نفقات الحرب فى أفغانستان والعراق.
> الأزمة المالية والاقتصادية الدولية التى تعانى منها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الأزمة المالية الفادحة فى عام 2008.
وبالتالى حتى يتمكن الرئيس أوباما من مواجهة هذه الصعوبات كان يتعين عليه أن يقدم تنازلين لروسيا.
الأول: يتمثل فى تجميد عملية نشر عناصر الدرع الصاروخى فى أوروبا الشرقية ونشرها داخل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بعيدا عن الحدود الروسية منعا لاستفزازها ولكن هذا الأمر لم يمنع استكمال تطوير هذا البرنامج، حيث إن أوباما عوض هذه الخطوة بدعم القسم التانى من الدرع الصاروخى الأمريكى وهو الخاص بالدفاع عن مسارح العمليات بأنظمة دفاع صاروخية حديثة وهو نشرها فى مناطق التوتر وهو ما لا يشكل ازعاجا لروسيا.
كما أن روسيا نجحت من الناحية التقنية فى تطوير نظام تشويش إلكترونى يركب فى رؤوس صواريخها يفسد عمل الصواريخ الدفاعية الأمريكية.
الثانى: إطلاق يد روسيا لتستعيد نفوذها فى منطقة البلقان حيث جورجيا وابخازيا وهذه المنطقة التى دار فيها صراع مسلح هدد نفوذ روسيا حيث كانت منطقة البلقان تحت النفوذ الإسرائيلى وقد أثبتت الحرب أن جورجيا كانت تقاتل بأسلحة إسرائيلية بواسطة خبراء إسرائيليين، وهذا الأمر قد أدى إلى عقد صفقة بين إسرائيل وروسيا حيث تمتنع إسرائيل بموجبها عن تسليح جورجيا فى مقابل امتناع روسيا عن تسليح إيران وسوريا.
الحرب الاستباقية والوقائية خلال حقبة الرئيس أوباما: لقد ركزت إستراتيجية أوباما على رؤية شاملة للأمن لا ينفصل فيها الأمن الوطنى الداخلى عن الأمن القومى وتتعامل كل المؤسسات فى تناغم طبيعى فى ظل إستراتيجية شاملة تقوم فيها كل من وزارة الخارجية والدفاع والاستخبارات ومختلف الوزارات بأدوار محددة وتترافق التنمية والدبلوماسية مع الدفاع والأمن والقطاع الخاص مع المجتمع المدنى وتتكامل فيها جهود الشركاء والحلفاء والقوى المدنية مع العسكرية، والعمل على الإعلاء من شأن الأدوات غير العسكرية على الأدوات العسكرية من خلال التأكيد على دور المؤسسات الدولية فى حل الخلافات ومنع الصراعات والتخفيف من استخدام القوة، كما أكدت إستراتيجية أوباما على دور الدبلوماسية فى منع الصراع ولم يعز الرئيس أوباما الإرهاب إلى العوامل الثقافية والدينية فقط، ولكنه يراه بأنه نتاج للفقر ويجب تغير معادلة الفقر وتحسين أوضاع الناس والسعى لتقليل الفوارق فى الثروة داخل المجتمعات من أجل مواجهة الإرهاب والتطرف، فنجد أن الرئيس أوباما قد أحدث تحولا فى إستراتيجية الأمن القومى فقد تحولت من العسكرة إلى المدنية ولم ترد فى الإستراتيجية كلمة استباق على الإطلاق أو مشتقاتها فضلا عن اختفاء مصطلحات ومفاهيم كانت سائدة فى عهد بوش، فنجد أن إستراتيجية الرئيس أوباما وضعت قيودا قانونية على استخدام مبدأ الضربات الاستباقية وجعلت الحرب هى الوسيلة الأخيرة أمام صانع القرار، حيث يكون محكوما بالعديد من الشروط والقوانين وهذا ما أشار إليه أوباما فى خطابه أن القوة العسكرية ضرورة فى بعض الأحيان للدفاع عن بلدنا وحلفائنا أو للحفاظ على السلام والأمن، ولكن لابد التخفيف من الحاجة لاستخدام القوة ولابد من الاستفادة من الخيارات الأخرى قبل الحرب والاعتماد على الدبلوماسية والتنمية والمعايير والمؤسسات الدولية فى حل الخلافات ومنع الصراعات والحفاظ على السلام.
فقد هدم الرئيس أوباما الأركان الثلاثة لمبدأ بوش (مبدأ الحرب الإستباقية) ووضع شروط لشن الحروب الاستباقية حيث إن الحرب الاستباقية التى طرحتها إدارة بوش لا تخضع لكل القيود التى أوردتها إستراتيجية أوباما، فالاستباق يعنى مفاجأة الخصم بنية الحرب بينما هذه القواعد لا تجعل المفاجأة قائمة، حيث إن إدارة أوباما شددت على ضرورة الأخذ فى الاعتبار دور الأمم المتحدة من خلال التأكيد على ضرورة العمل من خلال مجلس الأمن. غدا إن شاء الله نواصل طرح المخطط الأمريكى.
نقلا عن اليوم السابع