بقلم: ليديا يؤانس
بعد أن نشرت مقالي "عجائب في رحلة العائلة المقدسة لمصر"، أرسل لي أحد القُراء وهو صديق لي يقول: سعدت جدًا بهذه المعلومات الرائعة، عن هذه الرحلة المقدسة وعن المدن والأماكن المصرية، والأعجب من ذلك بقاء هذه المدن بأسمائها منذ أكثر من 2000 سنة، ولقد ذكرتي المرجع لهذه المعلومات ويرجع تاريخه للقرن الحادي والعشرين، ولكن لدي سؤال: من الذي سجل هذه الرحلة ومن هو المصدر الرئيسي لهذه المعلومات؟
كلام معقول جدًا، فعلًا لابد من وجود مصدر أساسي، إستدنت إليه المصادر الحديثة، وبدأت أنا في مرحلة البحث عن هذه الحلقة المفقودة!
بالرغم من أن السيد المسيح هو محور ومركز الكتاب المقدس، إلا أن الكتاب لم يذكر الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بالسيد المسيح، فلم يذكر الكتاب أي شئ عن طفولته، ولا عن مرحلة صباه، ولا وهو في سن المراهقة، ولكن تكلم هو بذاته عن فترة خدمته، ثم تناول الكتاب الحديث بإستفاضة عن صلبه وقيامته وصعوده.
منذ ميلاد المسيح وحتي صلبه وقيامته، لم نجد شخصًا أكثر من أُمه يُحدثنا عنه، أنها المصدر الأول والأساسي للحديث عن السيد المسيح، وبالأحري الحديث عن هذه الرحلة المقدسة لمصر، ولكنها لم تتكلم، بل كانت تحفظ كل هذه الأقوال في نفسها ولم تتكلم بها.
أي أُم لو عندها طفل جميل، طول ماهي موجوده في وسط الناس، تتباهى بجماله فما بالكُم بالمسيح الذي يقول عنه الكتاب أنه أبرع جمالا من كل بني البشر!
أي أُم لو عندها طفل عنده شوية ذكاء، ولا عندُه موهبة مُعينة، سوف تملأ الدنيا بالحديث عنه لكُل من هَبْ ودَبْ، تُصوره وتعمل له فيديوهات وتملأ الدنيا ثرثرة، لأنها مُش مصدقه نفسها ومبهوره بطفلها، فما بالكم بالذي كان يصنع أعاجيب وهو مازال صغيرًا!
العذراء كانت هي االمصدر الأول لكل رحلة السيد المسيح، منذ ولادته وحتي بدء خدمته، وهي أيضًا المصدر لخط سير العائلة المقدسة من فلسطين إلي مصر، ومن مصر إلى فلسطين.
ولكن من الذي قام بتسجيل كل هذه المعلومات؟
وفي أي عصر من العصور؟
في عصر من العصور السابقة، كان البابا تاؤفيلس هو البطريرك الثالث والعشرين للكنيسة الأرثوذكسية المصرية.
البابا تاؤفيلس ولد من أبوين مسيحيين تقيين، وكانت له أخت صغيرة، ولكنهما تيتما وهما صغار، فقامت بتربيتهما جارية وثنية حبشية، وكانت أن أخذتهما الجارية إلى مدينة الأسكندرية، وفي يوم أخذت تاؤفيلس وأخته إلى كنيسة السيدة العذراء، وكان بالكنيسة البابا أثناسيوس الرسولي، وحينما رأى الطفلين مع الجارية طلب مُقابلتها، فعرف منها قصة الطفلين، فأخذهما ووضعهما تحت عنايته الخاصة.
عندما بدأت البنت تكبر وضعوها في دير للبنات إلى أن تزوجت فيما بعد.
أسم تاؤفيلس يعني "مُحب للإله"، ولقد تنبأ له البابا أثناسيوس الرسولي، بأنه سيكون المطرقة التي ستدُق رأس الوثنيين، وبالفعل عندما أصبح بطريركًا للكنيسة قام بتحطيم وتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس، وقد توافق ذلك مع ما قامت به الأمبراطورية الرومانية من قرارات لإنهاء الوثنية وأن يكون العالم مسيحي.
اهتم البابا تاؤفيلس ببناء الكنائس والأديرة، وفي وقت من الأوقات أخذ معه عشرة أساقفة وقام برحلة من الأسكندرية حتي أسوان، لكي يُنشئ كنائس في معظم المدن التي كان يمر بها إلى أن وصل جبل قِسقام، الذي أقيم عليه فيما بعد الدير المحرق.
في تلك الليلة لم ينم البابا تاؤفيلس، بل ظل ساهرًا طول الوقت، فظهرت له العذراء مريم وقالت له: لماذا جئت؟
قال لها: كنت أتمنى من زمن أن أحضر إلى المكان الذي سمعت عنه ولم أره، فأنا أشكر الله أنني تمكنت أن آتي إلى هذا المكان الذي تقدس بوجود سيدنا وبوجودك يا سيدتي.
ثم استطرد قائلا: أنا أفكر في أن أدشن هذا المكان كنيسة (وكان يقصد المغارة التي أقامت فيها العائلة المقدسة).
قالت له: كيف تدشن بيتًا دشنه ابني بنفسه؟
فخجل البابا من هذا التعبير وقال لها: إذن نعمل إحتفال.
قالت له: لكن اياك أن تضيف إلي هذا المكان شيئًا، لأنه رمز لتواضع ابني الذي هو ملك السموات والأرض، الذي إرتضى ان يسكن في هذا المكان، فلا تضيف إضافات في المبنى.
ولذلك بقيت المغارة حتي اليوم ضيقة جدا، لو دخل كاهن إلى الهيكل ومعه شماس، فلابد للشماس أن ينحني من ضيق المكان.
يُحكى أنه فيما بعد أحد رؤساء هذا الدير نسى هذه القصة، ورأى أن المذبح ضيق ففكر في هدمه وتكبيره وعندما إبتدأ أحد الأشخاص يهد حجر المذبح (وهو الحجر الذي أجلست عليه السيدة العذراء الطفل يسوع)، شُلت يد هذا الشخص الماسك بالفأس.
انتهز البابا تاؤفيلس الفرصة وسأل العذراء عن تفاصيل رحلة العائلة المقدسة لمصر، وبدأت العذراء تقص عليه بالتفصيل عن المحطات التي مروا عليها من فلسطين حتي وصلوا أرض مصر والمدن التي مروا عليها وكذلك رحلة العودة من مصر إلى فلسطين، ثم أمرته العذراء بأن يكتب هذا الكلام، وسمحت له بنشره.
وفعلا في اليوم التالي بدأ البابا تاؤفيلس في كتابة تفاصيل هذه الرحلة كما قصتها عليه العذراء، وما كتبه البابا يُعد المصدر الأساسي الذي نعتمد عليه تاريخيًا في رحلة العائلة المقدسة لمصر لأنه مأخوذ من فم العذراء نفسها.
البابا تاؤفيلس جلس على كرسي مار مرقس في الفترة من 385 – 412 ميلادية، وهو أول من أطلق على الكنيسة المصرية اسم الكنيسة القبطية.