ارتأى مبارك ضرورة التحكم فى الحركة الإسلامية مع توجيهها فى إطار دولة إسلامية. وقد تبدو هذه الرؤية مماثلة لرؤية السادات إلا أن ثمة فارقاً فى أن مبارك وإن كان مصمماً على كبت أى حركة ملتزمة بالعنف أو مهددة للدولة إلا أن أسلوبه فى ذلك الكبت كان يتم فى حدود ضيقة. ومن هنا تم الإفراج عن معظم الذين اعتقلهم السادات فى سبتمبر 1981 بل تم الإفراج عن الذين كانوا مشاركين فى مخطط قتل السادات أو فى مخطط العنف على نحو ما حدث فى أسيوط. ومعنى ذلك أنه لم يحدث أى قهر للأصوليين المجاهدين. بل إن مبارك ذهب إلى أبعد من ذلك عندما سمح بإجراء حوار مع القوى الإسلامية المعارضة لنظام الحكم من أجل إقناعهم بضرورة الامتناع عن العنف ليس إلا. ومن هنا بدأت التفرقة بين الجماعات الثورية السرية التى كانت تنشد تدمير النظام السياسى وبين الجماعات الإسلامية التى كانت تريد تأسيس دولة إسلامية بلا عنف وبطرق مشروعة. ومن هنا أيضا أصبح من حق الإخوان المسلمين التحالف مع أحزاب سياسية ومن ثم تمكنوا من الدخول فى مجلس الشعب.
وثمة فارق آخر بين سياسة مبارك وسياسة السادات. كان السادات يريد حكومة إسلامية بديلاً عن حكومة الجماعات الأصولية إلا أنه لم يوفق. أما مبارك فقد استثمر شعار «العودة إلى الدين» الذى كان مرفوعاً فى السبعينيات من أجل الاستعانة بالأصوليين المعتدلين وكان من شأن هذا الاستثمار أن وضع مبارك قيوداً على أنشطة الأقلية القبطية، بل كان من شأنه الاستعانة بمفكرين إسلاميين من أمثال مصطفى محمود والشيخ كشك والشيخ الشعراوى والذين غزوا وسائل الإعلام وأصبح لديهم آلاف من الأتباع. والجدير بالتنويه هنا أن العلمانيين والليبراليين قد انجذبوا نحو شعار «عودة الدين» وانحازوا إلى الأصوليين. ومع نهاية الثمانينيات تمت أسلمة الحياة اليومية وتحققت جماهيرية الإسلام. وبناء عليه تغلغل الإخوان المسلمون فى مجال الوظائف العامة بوجه عام وفى مجال التعليم بوجه خاص وفى الأحزاب السياسية بوجه أخص ومن ثم أصبحوا القوة الوحيدة المعارضة فى مجلس الشعب بزعامة عصام العريان. وكان من شأن ذلك كله أن منحت الشرعية لجماعات الجهاد التى تتبنى العنف وذلك بأن تؤدى دوراً سياسياً فى المجتمع. أما المتحكم فى كل هؤلاء فهو سيد قطب وعبد السلام فرج. وبسبب هذا التداخل العضوى بيد الأصوليين والمجتمع برمته تم أسلمة الحياة السياسية والاجتماعية، ومن ثم أصبح المجتمع المصرى متجهاً نحو تأسيس الدولة الإسلامية أو بالأدق دولة الخلافة. إلا أن أحداث 2000/9/11 التى تمت فى نيويورك قد عرقلت تنامى الحركة الأصولية إذ اتهمت بأنها حركة إرهابية يلزم محاربتها من أجل القضاء عليها. ومع ذلك فقد حاول الرئيس الأمريكى أوباما تدويل الحركة الإسلامية الأصولية بحيث تتمكن من تأسيس دولة الخلافة.
وقد كان الرئيس عبدالفتاح السيسى هو أول رئيس دولة على كوكب الأرض يعى خطورة هذا المسار الذى يسير فيه أوباما فتحالف مع القوى الدولية المتنورة.
هذا عن الأصولية السنية فماذا عن الأصولية الشيعية؟
نقلا عن المصرى اليوم