أمّ الطنافس الفوقا والتحتا
زهير دعيم
٥٦:
٠٩
ص +02:00 EET
الاثنين ٤ سبتمبر ٢٠١٧
زهير دعيم
لا أقصد بلدةً بعينها ، بل أقصدُ كلّ بلدة عربيّة مُختلطة في الداخل ، أقصدها بعينها.
فالوضع الصّعب والرّجاء المُتبخّر يستدعي أن نقول بالصّوت الجهوري :"أخاف أن تُضحي بلداتنا العربيّة المُختلطة كما مسلسل غوّار : أمّ الطّنافس الفوْقا وأمّ الطّنافس التحتا" أو كما جارتنا الجبليّة لبنان وبيروتها : بيروت الشّرقيّة وبيروت الغربيّة، هذا ان لم تكن الصّرخة قد جاءت متأخرة فعلًا وأضحى الأمر مرضًا لا شفاء منه ولا دواء له.
فأنت يا صاحِ لوجئت الى بلدة مُختلطة ستجد البلدة قسمين ، لكل قسم طابعه الخاصّ، ويا ليت الأمر يقتصر ويتعلّق بالسكنى فقط وبالكنائس والمساجد والخلوات لهان الأمر، فقد بات يُهدّد النسيج الاجتماعيّ ؛ هذا النسيج الذي كان يُلوّن بلداتنا ونفوسنا وحاراتنا بالتنوّع الجميل والمحبّة والمشاركة ، فالعيد كان واحدًا أو كاد ، والألم واحدًا ، والفرح واحدًا في الأعراس والمناسبات .
والأدهى والموجع فعلًا أن تجد مدارسنا بلون واحدٍ ، ففي المدرسة التي عملت فيها ما يقرب من أربعة عقود من الزمن ، كانت مُلوّنة ، طافحة بالامل والمحبّة والأخوّة فقد كان ثلث طلّابها من المسيحيين الذين عاشوا الحياة الجميلة مع اخوانهم ، واليوم وحسب ما اخبرتني مديرة المدرسة الشّابة والرائعة، قالت لي وابتسامة المرارة على وجهها : للأسف ليس هناك من طالب مسيحيّ واحد في المدرسة التي عملت بها وضحيت عشرات السنين في تنشئة أجيالها.
يا للخسارة ..فقد فقدنا البوصلة ، فما عاد المسلم يعرف عن الميلاد والفصح والزّلابيّة وأصابع زينب شيئًا ، وما عاد المسيحيّ يعرف عن رمضان والأضحى شيئًا ايضًا....صرنا نعيش وكأنّنا في بلدتين لا تربطنا إلّا سيّارة القمامةالتي تجوب الشوارع ولا تعرف الحدود!!! وقِس يا صاحبي على الفعاليات والنشاطات الاجتماعيّة والحياتيّة.
قد أكون سوداويًا بعض الشيء ، فلا أنكر أن هناك أطرٌ اجتماعيّة جميلة جاءت الى الحياة حديثًا لتسد ثغرة من الثغرات، فأخذت تُلوّن حياتنا بالمشاركة والتعاون والاخوّة في مناسبات مُعيّنةأو فعاليات مباركة ، ولكن هذا الأمر لا يكفي ، إن لم يكن مدروسًا ، مُمنهجًا ، مُخطّط لهمن فوق ؛ من السُّلطة المحليّة .
قد يقول قائلٌ : هل تستطيع السُّلطة المحليّة أن تمنع الفوقا والتحتا والشرقيّة والغربيّة ؟!!!.
أقول وبالفم الملآن : نعم ، حتّى وإنلم تستطع ذلك بالبناء والعمار وتكوين الحارات، فبمقدورها بالفعاليات والنشاطات المشتركة والمعايدات التي تربط المواطنين برباط المحبّة أن تقرّب القلوب، والأهم أن تفرض نظام تسجيل الطلّاب بحيث تكون مدارسنا متنوّعة ، ملوّنة ، جذلى ، شاملة ، عامرة بكلّ الطوائف ، قلّتِ النسبة أم زادت .
شحذ الهمم مطلوب ، والتشمير عن السواعد مرغوب فيه وإلّا فأمّ الطنافس الفوْقا والتحتا ستكون موّالنا في السنوات القادمة ،وقد تطالب أمّ طنافس مُعيّنة يومًا بالانفصال والحريّة والاستقلال !
من يدري فخيط التواصل بات باهتًا وانيًا وضعيفًا..
حمانا الله الانشقاق فقد ذقنا منه الامرّين.