أسئلة «مفيد فوزى» الحرجة! العيل بيجى برزقنا!
مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت
٢٢:
٠٨
م +02:00 EET
الأحد ٣ سبتمبر ٢٠١٧
هذا المقالُ ليس بريئًا تمامًا، لنقُل إنه «مُغرِضٌ»، إلى حدٍّ ما. بعضُه موضوعى، لله والوطن، كما، يليقُ بالمقالات الخالدة. وبعضُه ذاتى، لمنفعةٍ شخصية. والحقُّ أن شيئًا من الذاتية لن يُفسِد العالم، وسأشرح فى نهاية المقال كيف أن بعضَ الذاتية نبيل.
بدايةً، أُحيّى الأستاذ «مفيد فوزى» على زاويته الجميلة بالصفحة الأخيرة من جريدة «أخبار اليوم»؛ التى تحملُ عنوان: «الدنيا سؤال». تلك الزاوية التى يطرحُ فيها الأستاذ عددًا من «الأسئلة» بدون إجابات. ذاك أن المدارس الفكرية الجديدة علّمتنا أن «الأسئلةَ» أهمُّ من «الإجابات»، ليس فقط لأن لا أحدَ فى العالم يملك إجاباتٍ نهائيةً على الأسئلة الوجودية الكبرى، ومَن يزعم غير ذلك هو كاذبٌ قلبُه، بل لأن السؤال فى ذاته، أى سؤال، يحمل إجاباته اللانهائية التى بعدد أبناء البشرية. السؤال يثيرُ العقل، ويُحفّزه ليستيقظ من سُباته ويطير صوب فضاء التفكير، بينما الإجابة عادةً تمنحُ العقل قرصًا منوّمًا، ليُكمل إغفاءته وينعم بالنوم والكسل. السؤالُ مُقلِقٌ. والإجابةُ مريحةٌ. السؤال هو صكّ الدخول إلى جحيم التفكير، بينما الإجابةُ هى بوليصة النوم فى جنة البلادة الذهنية اللذيذة. السؤال هو «العقل». والإجابة هى «النقل».
والفارقُ، فى تقديري، بين الإنسان الذكى الناجح، وبين أخيه البسيط، هو أن الأول يدورُ رأسه فى فَلَك الأسئلة المترامى، بينما الثانى عقلة راقدٌ فى كبسولة الإجابات. الأول تتقاذفه أمواجُ بحر متلاطم من الأفكار الحائرة. والثانى ينعم بالنوم الهانى تحت شجرة اللاشىء الوارفة. الأول متشكّكٌ. والثانى متيقنٌ. الأول يشقى. والثانى متنعّمٌ. لكن الأول مشروع عالِمٍ أو فيلسوفٌ محتَمل. والثانى غير ذلك. وفى هذا يقول المتنبى: «ذو العقلِ يشقى فى النعيم بعقله/ وأخو الجهالة فى الشقاوةِ ينعمُ»، فذو السؤال لا ينعمُ، حتى فى النعيم، بل يشقى. وذو الإجابات الجاهزة ينعم، حتى فى الشقاء.
لأجل كلّ ما سبق أُحيّى الأستاذ مفيد على زاويته التى يُطلق فيها أسئلته فى سلّة القارئ، دون أن يمنحه إجابات نهائية. كأنما هو امتحان للقراء حتى يتمرّنوا على الإجابات، وليس من ناجح وراسب فى هذا الامتحان. فكل الإجابات مقبولة، وكلها صحيحة، وإن أخطأت. فالهدف ليس الإجابة «النموذجية»، إنما الهدف المرجوّ هو «التفكير» وإعمال العقل، وليس طرح الإجابة.
والآن، سأطرح الأسئلة الستة التى كتبها الأستاذ فى عموده الأخير، ثم أجيب عن واحد فقط منها:
١- كيف ننقذ البلد من القنبلة السكانية وممارسة رياضة زرب الأطفال؟ فهل الله عز وجل يتحمل المسؤولية»، لأن موروثًا يرقد فى العقول: كل عيل معاه رزقه»؟
٢- فى زمن عبد الناصر كانت زراعة القطن بالأمر، واستجاب الفلاح فكان المحصول والثروة والتصدير والسمعة. لماذا افتقد «الثورية» فى بعض القرارات؟!
٣- هل كل «إهمال» تضيع فيه أرواح المصريين، ألزقه فى «الإخوان» وأُبرّى إهمالنا؟!
٤- من حضر مثلى صالون الراقية فاطمة ناعوت الشهرى، وهى تذكرنا بمحمد الموجى أحد جواهرنا الخالدة من خلال أولاده وبناته وفى الذكرى حياةٌ أخرى؟
٥- هل «كفر» محمد صبحى عندما زار سوريا الوطن والغوطة وأهلنا فى الشام؟
٦- هل نطبق على النمور الآسيوية المكتسحة اقتصاد العالم نظرية ازدراء الأديان لأنهم بوذيون؟ أكاد أسمع استنكارًا… فهل أبالغ لو قلت: يا خيبتنا؟
أما السؤال الذى اخترتُ أجابته، فهو الأول:
سأجيبُ الأستاذ من خلال حلقة، لا أنساها، من برنامجه الخالد: «حديث المدينة» عمرها أكثر من عشرين عامًا. كان الأستاذ يجول بكاميراه وميكروفونه فى أشد القرى والنجوع فقرًا ليكون شاهدًا على مشاكلها، ويُشهِد معه جمهوره. دخل بيت أحد الفلاحين الفقراء، ثم سأل الزوجة عن عدد أطفالها. فأجابت أن لها من الأبناء تسعة. سألها سؤالا بديهيًّا: «ليه بتخلفوا كتير وأنتم فقراء؟» سؤال استنكارى، كان يجب أن تكون الإجابة عنه بالصمت خجلا، أو التذرّع بأى تبرير مهما كان ساذجًا، من قبيل: «مخدناش بالنا»، «النصيب»، «مالقناش الحاجة الى ببلاش كده!»، إلى آخر تلك البلاهات التى يقولها الناس ليبرروا هدم مصر اقتصاديًّا. لكن الإجابة جاءت صادمة وغير متوقعة: «إحنا بنخلف كتير علشان إحنا فقرا يا بيه!». ولما سألها الأستاذ: «إزاى يعنى مش فاهم؟!»، قالت المرأةُ: «أنا باولد العيل وأرضعه من صددرى «ببلاش» سنتين. وبعدين ياكل من حشاش الأرض «ببلاش» ٣ سنين»، وبعدين يشتغل يصرف علينا. إن كان ولد بعتناه الغيط يشتغل فلاح، وإن كانت بنت نبعتها البندر تشتغل خدامة»، هكذا منطق من يملأون الأرض بالجوعى والمرضى والمعوزين. «العيل مش بيجى برزقه»، كما يقول المثل الدارج. إنما يأتى «برزق أبويه»! المنطق معكوس. فبدلا من أن ننجب لننفق على أطفالنا، ننجب أطفالنا لكى ينفقوا هم علينا! وهو مثال صريح لما يسمى فى الغرب بـChild Abuse. تعذيب الأطفال واستغلالهم دون مساءلة قانونية فى دول لا تحترم الإنسان ولا ترحم الطفل. فالحديث الشريف: «تناسلوا فأننى مباه بكم الأمم يوم القيامة»، لا يجوز إطلاقه إلا على نسل من الأصحاء الأقوياء الأذكياء المتعلمين يُتباهَى به، وليس على نسل يمثّل عبئًا وإعاقة للمجتمع الذى يعولهم صحيا وتعليميا واقتصاديا.
ذاك هو الشق «الموضوعى»، فى مقالي. كارثة الانفجار السكانى الذى يدمّر مصر. أما الشق «الذاتى»، فأرجو ألا يكون القارئ قد ظن أنه السؤال رقم «٤»، الذى ذكر فيه الأستاذ اسمى وصالونى الشهرى. فلستُ بتلك البدائية فى الطمع والذاتية. إنما طمعى أكبر وذاتيتى أشد. إنما أكتب هذا المقال لكى «أدبّس» الأستاذ مفيد فوزى لكى يفى بوعده ويبرّ بعهده، ويرضخ لمطلب جمهور صالونى الشهري، الذى طالبه بأن يكون ضيف الشرف لصالون هذا الشهر يوم ٣٠ سبتمبر.
أتذكر الآن النكتة التالية: «يهودى بخيل مات ابنه فحب ينشر له نعى فى الجورنال وبالمرة يعمل إعلان ببلاش، فكتب التالى: «شمعون ينعى ولده ويصلّح ساعات»، وفى محاولة منى لمحاكاة شطارة ذلك اليهودى، سأستغلُ المقال فى إعلان صغير! صالونى الشهرى يُقام فى السبت الأخير من كل شهر بمكتبة مصر الجديدة العامة فى تمام السادسة مساء، ويُقام تحت رعاية جريدة «اليوم السابع» الجميلة.
نقلا عن اليوم السابع