الأقباط متحدون - إنه العيد الحقيقى!
  • ١٣:٣٩
  • السبت , ٢ سبتمبر ٢٠١٧
English version

إنه العيد الحقيقى!

مقالات مختارة | بقلم : مفيد فوزي

٥٧: ٠٩ م +02:00 EET

السبت ٢ سبتمبر ٢٠١٧

إنه العيد الحقيقى!
إنه العيد الحقيقى!

 العيد إجازة نفرح بها ونقضيها على الشواطئ ونشبكها بويك إند. وكأننا قوم نعمل ليل نهار - كالألمان - ونشتاق لإغفاءه ونوم عميق. فهم - أقصد الألمان - يعملون بجدية مطلقة ويعيشون أوقات فراغهم بمنتهى الإخلاص. فالمدير الصارم تجده على الشاطئ يلعب الكرة مع الأطفال وهم يلقون على جسده الماء المنعش ويضحك من قلبه، ونحن العرب - بالمناسبة - أكثر الشعوب إجازات وربما كنا الأقل إنتاجاً. فإذا كانت هناك عبادة لله بطقوس صلاة وشعائر. هناك عبادة «تعمير» قوامها العمل الجاد لبناء مجتمع وإلحاقه بالعصر وإلا تخلف.

 
 
 
الناس فى الأعياد كانوا زمان يتزاورون للتهنئة بالعيد. الآن، يتزاورون عبر الهواتف الذكية على الفيس بوك والواتس أب بكلمات ملونة وأشكال مزخرفة وربما فيديو Live وتهانى حارة. زمان كانت المواصلات يسيرة والشوارع بخيرها، الآن المشوار الـ10 ق قد يستغرق ساعة وكسور، والناس أصبحت عملية. رسالة مكتوبة أو رسالة صوتية تصل فى ثوان وتحمل نفس الأشواق. زمان، كنت تقوم بزيارة ومعك «تورتة» مفتخرة وبوكيه ورد فخيم، الآن تختار الورد من مخزن تليفونك وترسله بسرعة الضوء. لا يكلفك إلا ضغطة. التكنولوجيا، سهلت الحياة إلى أقصى حد ولكنها باعدت بين الناس على المستوى الإنسانى وأصبحت أرى أقاربى وأحبابى على فيديو ينقل لى صورة من حياتهم وأيامهم ولو كانوا فى المريخ. وكثيراً ما نهاتف، صوتا وصورة، ونطمئن على صحة بعض إلكترونياً. ورغم متعة الرؤية للأقارب دون مشقة السفر فقد غابت لمسات شخص لا يمكن ترجمتها فى كلمات وهى «الحضور الشخصى لمن نخاطبهم عبر أقمار صناعية وأنفاسهم التى نحسها»، ألغت التكنولوجيا كلمة «البعاد» فعبر سمارت موبايل تستطيع أن ترى ابنك ولو كان فى سيبيريا وترى حبيبتك ولو كانت فى ليجوس بنيجيريا. تراها وهى تضحك وتدمع وتصرخ مشتاقة بشرط أن يكون الأخ سمارت مشحوناً وفيه شبكة أو واى فاى أو مرتبطاً بالنت وفيما عدا ذلك لن تستطيع أن تتصل بالجزار ليرسل لك 3 كيلو بتلو!.
 
 
بالنسبة لجيلى، العيد هو لحظة هدوء وأقل صخباً. العيد مراجعة لحوادث مرت بك وترجمتها لأن الرؤية من بعيد أكثر اكتمالاً للصورة. بالنسبة لجيلى، فالعيد هو استراحة المحارب وليس خندق استسلام. بيد أن الأجيال الشابة يحتضنها البحر وترتدى حسب إمكاناتها أفخر الثياب وإن تراجعت قليلاً فى الأوساط الشعبية بسبب ضيق ذات اليد «والزيت اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع». وفى أوقات الأعياد تهدأ الشوارع من السيارات ذلك أن بعض الناس يفضلون النوم العميق فى إجازة العيد ويأمرون «المنبه» المجاور للسرير بالكف عن الرنين.
 
 
أحلم لبلدى بالكثير وتعشش الأمنيات فى رأسى ولى رؤية، فالعيد الحقيقى أكثر شمولاً من مجرد طقوس. العيد الحقيقى هو:
 
القضاء المبرم على أى «فتن طائفية» من هذا النوع الذى يطبخ فى صعيد مصر. والعلاج الأمنى مؤقت ولكن العلاج الأطول هو نشر ثقافة «قبول الآخر». نحن يا سادة نعالج الفتنة من القشور وبكلام مرسل من المحافظ أو من قس الكنيسة وكلها كلمات تهدئة وتستيف أوراق وتجمل أمام القيادة السياسية، لكن الأمر يحتاج عمقاً فى الحلول وليس «تضميد» جروح. وأياً كان ما يجرى فى الصعيد من حوادث فتن طائفية فإن حائط الصد يكفى لوأد الفتن. المصريون صاروا أكثر وعياً مهما لعبت فلوس الإخوان فى اصطياد ضعاف النفوس، ثقافة قبول الآخر وعدم كراهيته أو تكفيره يجب أن تبدأ من الطفولة فى المدارس. إن التعليم فى مصر يبنى فصولاً لاستيعاب الأولاد ولكنه لا يبنى وجداناً. إن قصور الثقافة عن العمل والحركة ساهم فى تمدد ظاهرة الكراهية للآخر. إن ما يجرى فى المنيا من سخافات للمسيحيين يبرهن على أن ميراثاً من الكراهية مازال يسكن وجدان بعض المتشددين.
 
العيد الحقيقى أن يعود وئام حقيقى أبعد من قبلات يتبادلها مشايخ وقسس، العيد الحقيقى فى وجود أنماط سلوك متحضرة داخل قرى الصعيد وزيارات من القلب تقتل سموم هذا الثعبان الذى يطل برأسه كلما ساد الصفاء، فليس من مصلحة أعداء مصر أن يعم هذا الصفاء. وفى زمن السيسى الذى يحرص على «معايدة» المسيحيين من داخل أيقونة أقباط مصر الكاتدرائية كل عيد أقباط، لا يليق صلاة المسيحيين فى الشارع، لا يليق طلب ترخيص للصلاة. لا يليق أن يكون هناك كنائس مغلقة مهما كانت الأسباب والدوافع. لا يليق أن يكون الأمن حارساً على علاقة صلاة بين الإنسان وربه. لا يليق أن يكون حديث المحافظ جبر خواطر وليس مواجهة، لا يجوز فرض كردون أمنى على بشر يصلى ويطلب فى صلاته رفعة مصر. لا يليق الكتابة المستمرة فى هذا النوع من القضايا التى ما عادت جديرة بالتركيز عليها لولا صمت الدولة. لا يليق الانتظار الطويل للقانون الموحد للعبادات وبالذات فى بناء الكنائس. لا يليق الاعتماد على حكمة البابا فى استقبال أستغاثات أقباط المنيا بأنها «ضعف»، فقداسته لا يلقى تصريحاً يشعلل النار. وقداسته يعرف أن الدولة فى أعلى مراتبها لن تترك الاجتهادات الأمنية حلا، لا يليق أن يصور الأمن للأقباط أن «المسلمين» هم المعترضون على صلاة المسيحيين فهذا يزرع الاحتقان وهو اتهام باطل. لا يليق أن يتساءل الأطفال المسيحيون لماذا قوات أمن أثناء الصلاة؟ هل هناك جريمة؟ ويبحثون عن الجناة.
 
 
حين تختفى تماماً هذه الظواهر والتشوعن المصري اليومهات فهذا هو العيد الحقيقى لمصر والمصريين.
نقلا  عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع